يتوقع خبراء اقتصاد أن يتعرض الاقتصاد التركي، الذي نما في العقد الأخير بصورة خطيرة، إلى هزة عنيفة شبيهة بتلك التي أطاحت بالنمور الآسيوية في تسعينيات القرن الماضي، والاقتصادات الغربية قبل 6 سنوات.
فمع النجاح الباهر الذي حققه الاقتصاد التركي في العقد الأخير الذي شكل واحدة من أكثر قصص النجاح الاقتصادي في كل الأزمان، وفيما تلقت الاقتصادات الغربية ضربة قوية جراء الأزمة المالية العالمية، واصل الاقتصاد التركي نموه الكبير، وفقاً لمقال نشر في مجلة "فوربس".
منذ عام 2002، تضاعف الاقتصاد التركي 4 مرات تقريباً، مستنداً في ذلك لقفزة اقتصادية كبيرة في القطاعين الاستهلاكي والعقاري، فانتشر بناء مراكز التسوق وناطحات السحاب ناهيك عن مشروعات البنى التحتية الطموحة.
بداية الفقاعة التركية
بدأ الاهتمام بالسوق التركية مع بدء الانكماش الاقتصادي في الدول الغربية عام 2009، باعتبار تركيا واحدة من الاقتصادات الناشئة.
في هذه الفترة، أخذ المستثمرون الأجانب بالابتعاد عن الدول الغربية التي أصبحت محور الأزمة الاقتصادية.
وتراجعت معدلات الفائدة في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان إلى الحضيض، وترافق ذلك مع توقف البنك المركزي الأميركي عن برامج التسهيلات الميسرة، ما شجع على انتقال "الأموال الساخنة" (الصناديق الباحثة عن الربح العالي السريع نتيجة زيادة الفائدة على العملات المختلفة) المقدرة بنحو 4 تريليونات دولار، إلى الأسواق الناشئة.
وأخذ المستثمرون يقترضون من الدول ذات معدلات الفائدة المتدنية كأميركا واليابان، ويصبون استثماراتهم في الأسواق الناشئة المربحة، ما أدى إلى قفزة كبيرة في مشروعات البنى التحتية الحكومية، وزيادة كبيرة في معدلات الاقتراض وفقاعة كبيرة في قطاع الإنشاءات والبناء في العديد من الدول النامية والأسواق الناشئة، ومن بينها تركيا.
فقاعة الديون
في عالم الاقتصاد، يقود الانخفاض الكبير في معدلات الفائدة بالضرورة إلى قفزات اقتصادية مؤقتة مدفوعة بفقاعات في الاقتراض والبناء.
لكن ما يثير القلق هو أن ثلث الديون الخارجية التركية (129.1 مليار دولار) عبارة عن ديون قصيرة الأجل، وهو مبلغ يزيد كثيراً على الدين الخارجي قصير الأجل بنهاية العام 2012 (100.6 مليار دولار) أو عام 2008 و(52.52 مليار دولار).
يقول الخبير الاقتصاد الأردني عبد الرؤوف ربابعة "الحقيقة هي أن أرقام المديونية الخارجية التركية تشير إلى أن حجم المديونية في تركيا بلغ مع نهاية العام 2013 حوالي 388 مليار دولار".
ويضيف: "وفي الوقت الذي تداول فيه المبهورون بالنموذج التركي الأردوغاني خبر تخلص تركيا من ديونها الخارجية، كانت المديونية تزيد بحوالي 50 مليار دولار في العام 2013 وحده".
القفزة الاستهلاكية
ويشكل الإنفاق الاستهلاكي، المعتمد أساساً على الديون والذي يعد المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي خلال العقد الماضي، ما نسبته 70% من إجمالي الناتج المحلي التركي.
بين عامي 2005 و2008، سجل النمو في الاقتراض الشخصي زيادة بلغت نسبتها 61%، بينما زادت قروض الإسكان عام 2013 بنسبة 28%.
إلى جانب الديون الشخصية، لعبت الديون المتراكمة على بطاقات الائتمان دوراً مهماً في تعزيز القفزة الاستهلاكية، فارتفعت نسبة هذه القروض، بدءاً من 2010 حتى مايو 2013، بحدود 77 في المائة.
ونتيجة لمعدلات الفائدة المنخفضة وفقاعة القروض، فقد تراجعت مستويات الادخار في تركيا إلى أدنى مستوى لها في العقود الثلاثة الأخيرة، وبلغت 12.6%، مقارنة مع متوسط الادخار في الدول النامية البالغ 33.5%، وفقاً دراسة لصندوق النقد الدولي.
الفقاعة العقارية ونذر الأزمة المالية
أدت معدلات الفائدة المنخفضة إلى تضخم الفقاعة العقارية في المراكز العمرانية الرئيسية التركية، وارتفعت أسعار العقارات بصورة كبيرة جداً وبلغت نسبة الزيادة فيها منذ 2009 حوالي 53%، في حين نمت القروض ذات العلاقة بالعقارات عام 2013 بنسبة 42.9%.
ويقدر حجم قطاع الإنشاءات بنحو 170 مليار دولار، أو ما يعادل 20% من حجم الاقتصاد التركي المقدر بنحو 789.3 مليار دولار.
وفي القطاع العقاري، ازداد نشاط بناء ناطحات السحاب، حيث شهدت تركيا، منذ العام 2008، بناء 39 ناطحة سحاب، وهناك 42 ناطحة سحاب أخرى قيد الإنشاء.
ووفقاً لمؤشر ناطحات السحاب العالمي، فإن زيادة بناء ناطحات السحاب يعد مؤشراً منذر بالخطر فيما يتعلق بالاقتصاد.
فقد ارتبط هذا النشاط بأسوأ الأزمات المالية العالمية، بما فيها فترة الكساد العظيم في أميركا والأزمة المالية الآسيوية عام 1997، حيث سبقت هاتين الأزمتين طفرة في بناء ناطحات السحاب.
بوادر التصدع
حتى منتصف 2013، ظل الاقتصاد التركي سلساً، غير أن الاضطرابات التي شهدتها بعد هذه الفترة، وضعت تركيا في خانة الدول الخمسة الهشة، وهي جنوب إفريقيا والبرازيل وإندونيسيا والهند، بالإضافة إلى تركيا.
يقول الخبير ربابعة إن النمو الذي حققه الاقتصاد التركي خلال السنوات السابقة كان بفعل سياسة الخصخصة التي دفعت بحكومة أردوغان لبيع كل شيء في تركيا، (وهو أمر در عليها لفترة محدودة استثمارات خارجية رفعت من نسب النمو ولكنه بالمقابل أمر سيدفع الاقتصاد التركي ثمنه قريباً)، إضافة إلى سياسة الاقتراض المنفلتة التي اتبعتها حكومة أردوغان.
ويضيف ربابعة "يكفي أن نقول أن دين تركيا الخارجي ارتفع في عهد أردوغان من 130 مليار دولار إلى 388 مليار دولار، أي ما نسبته حوالي 300%، وهذا هو ما يحلو للبعض أن يسميه معجزة الاقتصاد التركي".