دخلت الأسواق المالية الأميركية في مرحلة من التذبذب الحاد، مع خسائر قياسية تجاوزت 8 تريليونات دولار في أولى أسابيع ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مما يعكس حالة من عدم الاستقرار المالي والاقتصادي.
هذا الرقم المهول، الذي يعادل تقريبًا الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصادين في أوروبا، ألمانيا وبريطانيا مجتمعين، يعكس حجم الضرر الذي لحق بالأسواق نتيجة التخبط في القرارات الاقتصادية والإجراءات السياسية غير المدروسة.
انهيار مؤشرات الأسهم.. و"ناسداك" يتكبد خسائر ضخمة
مع بداية الأزمة، كان مؤشر ناسداك الأكثر تأثرًا، حيث فقد 4 تريليونات دولار خلال فترة قصيرة، وهو ما يعادل نحو 40 بالمئة من قيمته السوقية.
وعزا ريان ليمند، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة NeoVision لإدارة الثروات، خلال حديثه لبرنامج بزنس مع لبنى على سكاي نيوز عربية هذه التراجعات إلى "انهيار ثقة المستثمرين نتيجة السياسات المالية غير المستقرة"، مضيفًا أن الأسواق تشهد "أكبر موجة بيع للأسهم منذ الأزمة المالية العالمية في 2008".
ويؤكد ليمند أن ما يحدث اليوم "ليس مجرد تصحيح طبيعي للأسواق، بل هو تحول هيكلي يعكس اضطرابًا عميقًا في الاقتصاد الأميركي". مشيرًا إلى أن القرارات الاقتصادية التي اتخذتها إدارة ترامب كانت "شبيهة بقيادة سيارة رياضية بسرعة جنونية في طرق متعرجة، دون استراتيجية واضحة أو رؤية بعيدة المدى".
سياسات ترامب المالية.. محفز للأزمة أم عامل تفاقم؟
إحدى النقاط المحورية في الأزمة الحالية هي السياسات المالية والنقدية التي تبنتها إدارة ترامب منذ توليه السلطة. حيث اعتمد على خفض الضرائب بشكل كبير على الشركات والأثرياء، مما أدى إلى عجز مالي متزايد دفع الحكومة الأميركية إلى زيادة الاستدانة بوتيرة غير مسبوقة.
ويرى ليمند أن هذا النهج "ربما وفر دفعة قصيرة المدى للنمو الاقتصادي، لكنه لم يكن مستدامًا". إذ تزامن ذلك مع رفع متكرر لأسعار الفائدة، مما ضغط على السيولة في الأسواق المالية وأدى إلى هبوط حاد في أسعار الأسهم.
التصعيد التجاري مع كندا.. والرسوم الجمركية تشعل التوترات
لم تقتصر الأزمة على السياسات الداخلية، بل امتدت إلى العلاقات التجارية، لا سيما مع كندا، أحد أكبر الشركاء الاقتصاديين للولايات المتحدة. حيث فرضت أوتاوا رسومًا بنسبة 25 بالمئة على صادرات الكهرباء إلى الولايات المتحدة، مما دفع ترامب إلى الرد بتهديدات بمضاعفة الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم الكندي إلى 50 بالمئة.
ويعلق ليمند على هذه الخطوة بالقول: "السياسة التجارية التي انتهجتها إدارة ترامب لم تكن مبنية على أساس اقتصادي واضح، بل كانت قائمة على ردود فعل آنية تفتقر إلى الاستراتيجية طويلة المدى". مضيفًا أن مثل هذه القرارات "أضرت بالمستهلك الأميركي قبل أن تضر بكندا"، حيث أدت إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض القدرة التنافسية للصناعات الأميركية.
الذهب يلمع في ظل الأزمة.. والمخاوف من الركود تتزايد
مع تفاقم التراجعات في الأسواق، لجأ المستثمرون إلى الذهب كملاذ آمن، مما أدى إلى ارتفاع قيمته بنسبة 10 بالمئة منذ بداية العام. هذا الاتجاه يعكس حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق، وخوف المستثمرين من دخول الاقتصاد الأميركي في مرحلة ركود اقتصادي حاد.
وبحسب ليمند، فإن هذه التحولات تشير إلى "انعدام الثقة في قدرة الإدارة الأميركية على احتواء الأزمة". حيث يرى أن "ارتفاع معدلات التضخم، وتزايد الديون الحكومية، والتخبط في السياسة النقدية، كلها عوامل قد تدفع الاقتصاد الأميركي نحو ركود مشابه لما حدث في 2008".
هل نحن أمام أزمة مالية جديدة؟
مع استمرار التراجعات الحادة، وتزايد المخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد الأميركي، يطرح المراقبون تساؤلًا جوهريًا: هل يمكن أن نشهد أزمة مالية جديدة قد تكون أعنف من تلك التي شهدها العالم في 2008؟
يؤكد ليمند أن "جميع المؤشرات الاقتصادية الحالية تشير إلى أننا أمام أزمة مالية محتملة، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية، والسياسات النقدية غير المدروسة، وارتفاع مستويات الدين العام إلى مستويات قياسية".
ويضيف أن "إصلاح الوضع يتطلب تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية، وإعادة بناء الثقة في الأسواق المالية، وهو ما قد يحتاج إلى سنوات طويلة".
في ظل هذا المشهد القاتم، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتمكن الولايات المتحدة من تصحيح مسارها قبل وقوع الكارثة؟ أم أن العالم على أعتاب أزمة مالية كبرى قد تعيد للأذهان أزمات القرن الماضي؟