من بين الدول الناشئة التي تبرز في الساحة العالمية للسياحة، تكتسب الهند مكانة متزايدة كواحدة من أكبر الدول المصدرة للسياح، وأيضاً كوجهة سياحية رائدة.
وبفضل تعداد سكانها الذي يتجاوز 1.4 مليار نسمة، ومجتمعها الشاب والطموح، تبدو الهند مستعدة لتحول كبير في قطاع السفر والسياحة خلال السنوات المقبلة.
وتعدّ السياحة الخارجية الهندية ظاهرة لافتة، حيث ينفق المسافرون الهنود مليارات الدولارات سنوياً في وجهات متنوعة حول العالم. تُبرز الأرقام والتوجهات قدرة الهند على أن تكون قصة النجاح القادمة في السياحة العالمية.
وفي الوقت ذاته، تعمل الحكومة والشركات في الهند على تطوير بنيتها التحتية لتلبية الاحتياجات المتزايدة، من تحسين المطارات والطرق إلى تعزيز الاستثمارات في قطاعي السياحة العلاجية والمؤتمرات.
وفيما تستعد الهند لتوسيع حضورها العالمي، تبقى تساؤلات مثيرة قائمة: هل ستنجح الهند في رسم ملامح جديدة للسياحة العالمية خلال العقد المقبل؟
أنفق المسافرون الهنود 34.2 مليار دولار على السفر الخارجي في عام 2023، وفقاً لمجلس السفر والسياحة العالمي، لكن مستوى السفر الهندي الحالي "ضئيل" مقارنة بما هو قادم، كما قال آلان واتس، رئيس هيلتون في آسيا والمحيط الهادئ.
وأضاف: "سيكون السفر الخارجي الهندي هو القصة الأهم خلال العقد القادم"، بحسب تقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
وبحلول عام 2034، من المتوقع أن يتضاعف إنفاق المسافرين الهنود على السفر الخارجي إلى أكثر من 76.8 مليار دولار، وفقاً لتقرير الأثر الاقتصادي لعام 2024 لمجلس السفر والسياحة العالمي، مما يجعل البلاد سابع أكبر مصروف للسفر في العالم، صعوداً من المركز الثاني عشر في عام 2023.
وقال واتس: "عندما تفكر في الهند، فإن لديها خصائص الصين، وهي ثاني أكبر سوق إقامة في العالم". لديها "1.4 مليار نسمة، وسكان شباب، وناتج محلي إجمالي قوي تاريخياً. لكن البنية التحتية ... لم يتم بناؤها إلا الآن في الهند".
وتستثمر الهند بكثافة في البنية التحتية لبناء وتحسين الطرق والقطارات فائقة السرعة والمطارات، في حملة بناء لمضاعفة اقتصادها إلى 7 تريليون دولار بحلول عام 2030 وتحويل الهند إلى دولة متقدمة بحلول عام 2047.
الهند تستعد لـ "ثورة سفرية"
وفقاً لمجلس المطارات الدولي، تحتل الهند حالياً المرتبة الثالثة عالمياً في عدد المسافرين الجويين، بعد الولايات المتحدة والصين.
ومن المتوقع أن تضيف 960 مليون مسافر جديد بحلول عام 2042.
وأكدت، أخيراً، طيران الهند، الناقل الوطني للبلاد، طلبية لشراء 100 طائرة إيرباص - 10 طائرة A350 و 90 طائرة A320neo - بالإضافة إلى طلبية قياسية سابقة لشراء 470 طائرة إيرباص وبوينغ في عام 2023، ويأتي ذلك بعد طلبية قياسية لشراء 500 طائرة إيرباص من قبل شركة الطيران الهندية منخفضة التكلفة Indigo في عام 2023، والتي من المقرر تسليمها بين عامي 2030 و 2035، وفقاً لشركة Indigo.
وبالنسبة إلى ما إذا كانت الهند ستكون "الصين الجديدة" في صناعة السفر العالمية، قال واتس إنها "تبدو بالتأكيد أنها تمتلك الخصائص الصحيحة لذلك، وهذا هو السبب في أن الصناعة كانت متفائلة للغاية"، وأشار أيضاً إلى أن السفر الخارجي ينمو بشكل أسرع في الهند مما كان عليه في الصين.
توسع الفنادق
وتستعد شركات الضيافة العالمية أيضاً لـ "ثورة" المسافرين الجدد، حيث من المتوقع أن ينتقل ملايين الأشخاص إلى الطبقة الوسطى الهندية في السنوات القادم، في 19 نوفمبر الماضي، أعلنت هيلتون عن صفقة لفتح 150 فندقاً من فئة Spark by Hilton في الهند، وهي علامة تجارية "اقتصادية ممتازة" تم إطلاقها في الولايات المتحدة في عام 2023، كما أعلنت Marriott عن خطط لامتلاك 250 فندقاً في شبه القارة الهندية بحلول عام 2025.
وفيما يتعلق بإمكانات التوسع الفندقي العلامة التجارية في الهند، أكد واتس أن الهند لديها نفس عدد الفنادق العلامة التجارية تقريبًا مثل لاس فيغاس، لكنها الآن تحظى باهتمام أكبر من المستثمرين الخارجيين.
وقال واتس: "ما يميز الهند هذه المرة هو الاستثمار الأجنبي المباشر. في الواقع، بعض كبار اللاعبين في مجال رأس المال موجودون في الهند، وهذا جديد".
استقطاب المسافرين الهنود
وأوضح تقرير الشبكة الأميركية أنه مع استمرار تراجع السفر الخارجي من الصين، تستقطب المزيد من البلدان المسافرين الهنود من خلال اتفاقيات الإعفاء من التأشيرة الجديدة والرحلات الجوية المباشرة والحملات الإعلانية.
ومن المتوقع أن تصل حملة " "Howzat for a holidayالتي أطلقتها أستراليا في نوفمبر الماضي خلال سلسلة اختبارات "الكريكيت" بين أستراليا والهند، إلى 50 مليون شخص، وفقاً لوزير التجارة والسياحة الأسترالي، كما أنه من المتوقع أن يتضاعف عدد المسافرين الهنود إلى أستراليا بحلول عام 2028، وفقاً لبيان صحفي أعلن عن إطلاق الحملة.
مجتمع شاب وطموح
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية قال شريف الفرم خبير واستشاري في السياحة والسفر، والمدير التنفيذي لشركة "شريف هاوس": "إن الهند تعدّ واحدة من أبرز الدول المصدرة للسياح في العالم، حيث تشهد قطاعات مثل "سياحة الأفراح" ازدهاراً كبيراً.
وأوضح أن العديد من الوجهات السياحية العالمية، مثل دبي، واليونان، وفرنسا، أو حتى قصور تاريخية في الريف الإنجليزي، تستقطب العائلات الهندية لإقامة حفلات زفاف فاخرة، مشيراً إلى أن عرساً واحداً فقط في العام يمكن أن يكون مصدر دخل كبير للقطاع الفندقي في تلك الوجهات.
وأضاف الفرم أن المجتمع الهندي يتميز بكونه مجتمعاً شاباً وطموحاً، مما يعزز من قدرة شبابه على تحسين أوضاعهم المالية وزيادة الإقبال على السياحة الخارجية. وفي الوقت نفسه، تعمل الهند على تعزيز مكانتها كوجهة سياحية جاذبة من خلال استقطاب الاستثمارات السياحية الكبرى وتطوير بنيتها التحتية.
وأشار الفرم إلى أن السياحة الداخلية في الهند تلعب دوراً محورياً في تحقيق نسب إشغال مرتفعة في الفنادق، حيث يساهم العدد الكبير من السياح المحليين في دعم القطاع السياحي. وأكد أن فنادق عالمية مثل ماريوت وهيلتون تتسابق للاستثمار في السوق الهندية التي توفر فرصاً استثنائية للنمو.
كما أشار إلى شهرة الهند في مجال السياحة العلاجية، خاصة في مناطق مثل كيرالا وجبال الهيمالايا، حيث يتم دراسة الجدوى الاقتصادية لإقامة المزيد من المنتجعات الصحية. إلى جانب ذلك، تشهد سياحة المؤتمرات نمواً ملحوظاً، إذ تحرص العديد من الشركات العالمية على تنظيم فعالياتها في الهند.
وخلص الخبير والاستشاري في السياحة والسفر الفرم إلى التأكيد على أن الهند تمتلك مقومات تجعلها قصة النجاح في قطاع السياحة خلال العقد المقبل، سواء كدولة مصدرة للسياح أو كوجهة جاذبة لهم. وأوضح أن ارتفاع تكلفة الوجهات السياحية التقليدية في أوروبا وبعض الدول الآسيوية يدفع الكثير من السياح إلى اختيار الهند كوجهة تقدم تجارب سياحية متنوعة بأسعار معقولة، مما يعزز من مكانتها كوجهة رائدة في العقد المقبل.
سوق متنام مدفوع بعوامل ديموغرافية واقتصادية مواتية
بدوره، قال الخبير الاقتصادي حسين القمزي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "السوق الهندي سوق متنام للسياحة الخارجية، مدفوع بعوامل ديموغرافية واقتصادية مواتية، على وشك أن تلعب دوراً محورياً في نمو صناعات السياحة والضيافة والسفر العالمية، على غرار التأثير الذي أحدثه السياح الصينيون في السابق".
وأشار إلى أن دولاً مثل الولايات المتحدة شهدت زيادة كبيرة في أعداد السياح الهنود، حيث زارها ما يقرب من 1.9 مليون هندي في الأشهر العشرة الأولى من هذا العام 2024، بزيادة بلغت 48 بالمئة مقارنة مع عام 2019.
وأوضح أن هناك عدة عوامل أسهمت في جعل الهند سابع أكبر دولة إنفاقاً على السياحة الدولية منها تجاوز عدد سكان الهند نظيره في الصين، حيث وصل إلى حوالي 1.4286 مليار نسمة، مع نسبة كبيرة من الشباب وطبقة متوسطة آخذة في النمو، فضلاً عن أن ارتفاع الدخول المتاحة والطبقة المتوسطة المتوسعة يدفعان الطلب المتزايد على السفر الدولي بين الهنود.
وأضاف القمزي: "هذه الامكانيات الهائلة، تجذب صناعة السياحة والضيافة العالمية وتجعلها تتوجه بشكل أكبر نحو السياح الهنود من خلال توفير خدمات تناسب احتياجاتهم مثل الأطعمة الهندية وخيارات الترفيه".
وجهة سياحية عالمية
وبينما تركز العديد من التقارير والخبراء على الهند كدولة مصدرة للسياحة، يؤكد الخبير السياحي وليد العوا في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الهند تمتلك مقومات فريدة تجعلها وجهة سياحية عالمية بامتياز، بل يمكن ن تكون "قصة العقد المقبل" في عالم السفر.
وذكر العوا أن تنوع الهند الثقافي، وغناها التاريخي، وجمال طبيعتها الخلاب، إلى جانب أسعارها المعقولة، يجعلها خياراً جذاباً للسياح من مختلف أنحاء العالم.
وأضاف الخبير السياحي العوا: 'الهند ليست مجرد دولة، بل هي قارة مصغرة تضم حضارات متنوعة وتجارب لا تُنسى. هذا التنوع الجغرافي والثقافي، إلى جانب التسهيلات السياحية المتزايدة، يجعل من الهند وجهة واعدة لاستقطاب أعداد متزايدة من السياح في السنوات المقبلة'، هذا يعني أن الهند ليست مجرد سوقاً للسياحة، بل هي أيضاً وجهة سياحية عالمية مهمة".