تواجه الشركات بشكل متزايد تحدي موائمة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي مع توقعات المستثمرين. وقد سلطت تقارير الأرباح الأخيرة للربع الثالث من شركات التكنولوجيا العملاقة مثل أمازون ومايكروسوفت وغوغل الضوء على هذه القضية.
على الرغم من النمو المتسارع في خدماتها السحابية بسبب استثمارات الذكاء الاصطناعي، فقد شهدت أسهم هذه الشركات انخفاضًا فور الإعلان عن الأرباح التي سلطت الضوء على تلك الاستثمارات ذاتها، ذلك أن "هوامش الربح تشغل بال الجميع، والعائدات الفورية لمثل هذه النفقات الضخمة أصبحت موضع تدقيق"، بحسب تقرير لـ "فوربس" اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه.
يلفت التقرير النظر إلى أن الذكاء الاصطناعي موجود ليبقى والشركات تعلم ذلك. ومع توقع تجاوز إنفاق شركات التكنولوجيا الكبرى على الذكاء الاصطناعي 200 مليار دولار هذا العام، فإن الضغوط قائمة لتبرير هذه الاستثمارات.
ومع ذلك، وفقًا لمسح أجرته مجموعة بوسطن الاستشارية، فإن 74 بالمئة من الشركات تتعثر عندما يتعلق الأمر بتحقيق القيمة وتوسيع نطاقها من مبادرات الذكاء الاصطناعي. ويرتبط جوهر المشكلة بالتحديات الناجمة عن العوامل البشرية والإجرائية، بما في ذلك إدارة التغيير وتحسين سير العمل.
وفي سياق متصل، يشير تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، إلى أن:
- كبرى الشركات الأميركية تخطط لإنفاق يزيد عن 200 مليار دولار هذا العام على الذكاء الاصطناعي، وسط قلق في وول ستريت بشأن العوائد المتوقعة من هذه الاستثمارات الهائلة.
- كبرى شركات التكنولوجيا الأميركية أعلنت قبيل أيام -بعد الإعلان عن نتائج أعمال الربع الثالث- عن لمحات سريعة من الفوائد التي تحققها استثماراتها في الذكاء الاصطناعي التوليدي، مؤكدة أن هذه التكنولوجيا تسهم في تحسين الأداء وخفض التكاليف التشغيلية.
ونقلت الصحيفة عن جيم تيرني، وهو مستثمر في أسهم النمو في "أليانس بيرنستاين"، عن قلقه من التأثير الكبير لهذا الإنفاق على الهوامش الربحية بحلول عام 2025.
ورغم ذلك، أشارت بيانات النمو السريع لأعمال السحابة في مايكروسوفت وغوغل إلى بداية تحقق عوائد من الذكاء الاصطناعي، إلا أن شركة مايكروسوفت حذرت من تباطؤ محتمل في نمو السحابة في هذا الربع بسبب قيود العرض. كما لم تتمكن خدمات أمازون السحابية من تحقيق النمو الأمثل، على الرغم من ارتفاع الهوامش الربحية بشكل مفاجئ.
من جانبها، أكدت "ألفابيت" أن الميزات الجديدة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في محرك البحث تزيد من تفاعل المستخدمين، بينما ذكرت مايكروسوفت أن إيرادات الذكاء الاصطناعي على وشك بلوغ 10 مليارات دولار سنويًا، بفضل منتجها "كوبايلوت" الذي يقدم لقاء رسوم شهرية. ورغم هذه الأرقام، لم يكشف العديد من شركات البرمجيات الأخرى عن تأثير الذكاء الاصطناعي على إيراداتها.
وفي الوقت نفسه، أوضحت "ميتا" أن الذكاء الاصطناعي عزز من عوائد إعلاناتها وزاد من تفاعل المستخدمين، بينما أكدت أمازون أن قسم الذكاء الاصطناعي يشهد نموًا يتجاوز 100 بالمئة سنويًا.
ومع هذا، لم يتمكن المستثمرون من تجاهل الزيادة السريعة في الإنفاق على مراكز البيانات الجديدة والمعدات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، مما دفع العديد من التنفيذيين للدفاع عن هذه النفقات الهائلة بأنها تتماشى مع الطلب المتزايد.
الإنفاق المتزايد
من جانبه، أوضح الخبير التكنولوجي، محمد الحارثي، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن حالة القلق السائدة في "وول ستريت" تجاه إنفاق شركات التكنولوجيا الضخم على الذكاء الاصطناعي تعود إلى أسباب عدة، أبرزها التركيز المفرط على هذا القطاع دون النظر إلى تأثيراته الأوسع على السوق.
- التركيز الإنفاقي فقط على الذكاء الاصطناعي يولّد تخوفات كبيرة؛ لأنه قد يغيّر تقسيم السوق العالمية، ومعايير قنوات الاستثمار وضخ الأرباح.
- قطاع التكنولوجيا أصبح يستحوذ على النسبة الأكبر من الاستثمارات، ما يترك قطاعات أخرى تفتقر إلى المستثمرين والتمويل، مما يؤثر على توازن السوق.
وأشار الحارثي أيضًا إلى أن تنامي التقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي له تأثيرات مباشرة على فكرة التداولات المالية ونسب الاستثمارات في مختلف القطاعات.
- هناك اختلالات محتملة قد تصيب البورصات العالمية وتداول الأسهم، لأن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات الاستثمارية والمالية أصبح شائعًا.
- هذا التسارع في الاعتماد على التقنية لا يتناسب مع الدراسات والتشريعات المالية الحالية، ما يهدد التوازن في الكيان المالي العالمي.
واختتم الحارثي حديثه بالتأكيد على أن تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي يمضي بسرعة تفوق بكثير دراسة تأثيراتها السلبية والإيجابية، ما يجعل من الضروري التروي في التوسع بها والعمل على موائمة التشريعات والمعايير المالية مع هذه التغيرات لتجنب حدوث اضطرابات في السوق العالمية.
أصبح الذكاء الاصطناعي ساحة المعركة الجديدة لأكبر شركات التكنولوجيا في العالم، حيث وضعت كل من أبل ومايكروسوفت وغوغل وأمازون وميتا بشكل خاص الـ AI مركزية في استراتيجياتها.
بشكل جماعي، ضخت شركات التكنولوجيا العملاقة هذه حوالي 60 مليار دولار في الربع الماضي وحده، في المقام الأول لدعم البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.
ويمثل هذا الرقم زيادة بنسبة 60 بالمئة عن العام الماضي، مما يعكس المستوى غير المسبوق من الالتزام بمستقبل الذكاء الاصطناعي، بحسب تقرير لـ "سي إن بي سي تي في" اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه، أشار إلى توقعات الخبراء بأن يرتفع هذا الرقم، حيث تتطلع الشركات إلى تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي لديها استجابة للطلبات والتوقعات المتزايدة.
حالة من القلق
بدوره، أفاد العضو المنتدب لشركة "أي دي تي للاستشارات والنظم التكنولوجية" محمد سعيد، في تصريح لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن هناك حالة من القلق بين المستثمرين في وول ستريت بشأن الذكاء الاصطناعي، وخاصة بين المستثمرين الذين يميلون إلى الاستثمار قصير الأجل.
وأوضح سعيد أن القلق ينبع من الحجم الكبير للإنفاق المحتمل على الذكاء الاصطناعي الذي يتجاوز 200 مليار دولار من جانب عمالقة القطاع، ومن المتوقع أن يرتفع بنسبة 35 بالمئة سنوياً، مما يعني أن الإنفاق قد يصل قريباً إلى تريليون دولار.
وأشار إلى أن هذا الإنفاق الضخم يثير تساؤلات حول العوائد التي تحققها الشركات من هذه الاستثمارات، والتي لا تزال ضعيفة بالمقارنة مع التوقعات. فالذكاء الاصطناعي لا يزال في مراحله الأولى، والسوق لم تنضج بما يكفي لتحقيق عوائد تتناسب مع هذه النفقات.
وأضاف سعيد: المنافسة الحادة بين الشركات في هذا المجال تزيد من حجم الإنفاق وتضغط على العوائد. إذ تشهد السوق سباقًا مستمرًا لتطوير نماذج لغوية جديدة، حيث تتصدر شركة ما المشهد لفترة قصيرة قبل أن تحل محلها شركة أخرى بابتكار جديد.
كما أشار إلى أن المدى الزمني لتحقيق العوائد على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي قد يكون أطول من صبر بعض المستثمرين، مما يزيد من حالة التوتر لديهم. ومع ذلك، شدد سعيد على أن العوائد المتوقعة على المدى الطويل ستكون مرضية للغاية، حيث يمكن أن تتجاوز هذه العوائد حجم الاستثمارات بشكل كبير.
من جهة أخرى، أوضح أن الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي كوسيلة لتقليل النفقات التشغيلية وزيادة كفاءة العمليات. فالذكاء الاصطناعي يقدم حلولًا أكثر دقة وسرعة واستمرارية مقارنة بالعامل البشري، مما يوفر تكاليف ويوفر قيمة مضافة طويلة الأمد.