من المتوقع أن يتفاقم النقص المتزايد في النحاس مع تعزيز الذكاء الاصطناعي للطلب على المعدن الأحمر بنسبة تصل إلى 72 بالمئة في العقود المقبلة، وفقًا لشركة التعدين العملاقة BHP.
وقالت المديرة المالية فانديتا بانت لصحيفة "فاينانشال تايمز" إن مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي ستشكل ما بين 6 بالمئة إلى 7 بالمئة من الطلب على النحاس بحلول العام 2050. وأشارت إلى أن هذه المراكز تشكل حاليًا أقل من 1 بالمئة، لكن زيادة بنائها تتطلب المزيد من المعدن الأحمر.
وبحسب مقياس آخر، تتوقع شركة "بي إتش بي" أن يرتفع الطلب العالمي على النحاس بمقدار 52.5 مليون طن سنويا بحلول منتصف القرن، مقارنة بـ30.4 مليون طن في العام 2021.
في السنوات الأخيرة، أثار نقص المعدن الأحمر مخاوف بين الصناعات التي تعتمد عليه، وتوقع خبراء السلع الأساسية أن يؤدي اختلال التوازن بين العرض والطلب إلى ارتفاع الأسعار خلال السنوات القادمة. يعد النحاس مادة أساسية في مختلف القطاعات الاقتصادية، ويستخدم في كل شيء من البناء إلى الآلات، وفق تقرير لـ "بيزنس انسايدر" اطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية".
وإلى ذلك، وصل المخزون العالمي إلى أدنى مستوياته منذ العام 2008 العام الماضي ، مع فشل المشاريع القائمة في مواكبة الطلب. وفي الوقت نفسه، لا يتم تشغيل المناجم الجديدة بسرعة كافية - يستغرق الأمر عادة 15 عامًا لفتح واحد من تلك المناجم.
وبحسب التقرير، فقد تسببت هذه الظروف في ارتفاع أسعار النحاس إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في مايو، على الرغم من أن التدهور الاقتصادي في الصين ساعد في خفض الأسعار إلى 9207 دولارات للطن. ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن السلعة سترتفع بمقدار 15 ألف دولار إلى 40 ألف دولار مع تزايد وضوح النقص.
وأشار التقرير إلى أن الصناعة لجأت إلى عمليات الدمج والاستحواذ لزيادة الإنتاج. على سبيل المثال، دخلت شركة BHP في شراكة مع شركة Lundin Mining في يوليو لشراء شركة Filo للاستكشاف مقابل 3 مليارات دولار، حسبما ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز.
لكن الذكاء الاصطناعي سوف يزيد الطلب على النحاس في المستقبل، حيث يعد المعدن عنصرا رئيسيا في كهربة مراكز البيانات التي تدير التكنولوجيا.
- تستهلك الرقائق التي تعمل على تشغيل هذه التقنية قدرًا هائلاً من الطاقة، مما يزيد من تعقيد الموقف.
- يتوقع بنك أوف أميركا أن تكون هناك حاجة إلى ما بين 18 إلى 28 غيغاوات إضافية من القدرة الكهربائية بحلول عام 2026 .
- في وقت سابق، اعتبر البنك أن أسعار النحاس قد تستفيد من توسع مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي. وتوقع أن يصل سعر المعدن إلى 5.44 دولار للرطل بحلول عام 2026، وهو ما يشير إلى ارتفاع بنسبة 27 بالمئة عن مستوياته الحالية.
تزايد الطلب
أحمد بانافع، المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية، أوضح أن الطلب على النحاس عالمياً يتزايد بفضل تطور الذكاء الاصطناعي. ويعود ذلك إلى عدة عوامل رئيسية:
تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على معالجة كميات هائلة من البيانات؛ مما يتطلب مراكز بيانات ضخمة.
النحاس، بفضل قدرته الفائقة على نقل الكهرباء بكفاءة، يُعد عنصرًا أساسيًا في الكابلات والأسلاك المستخدمة في توسيع هذه المراكز لتلبية احتياجات النمو المتسارع في هذا المجال.
يتطلب تطوير المعالجات والخوادم عالية الأداء المستخدمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي كمية كبيرة من الطاقة، مما يجعل النحاس ضروريًا لتوصيل الكهرباء بين مكونات هذه الأجهزة، سواء في الدوائر الداخلية أو لتغذية الطاقة.
مراكز البيانات الكبيرة تحتاج إلى كميات هائلة من الكهرباء، ما يستلزم بنية تحتية كهربائية تعتمد على النحاس لنقل الطاقة من محطات التوليد إلى مراكز البيانات.
وأضاف في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": مع تزايد اعتماد مراكز البيانات على مصادر الطاقة المتجددة لتقليل البصمة الكربونية، يلعب النحاس دورًا محوريًا في تقنيات الطاقة المتجددة، مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، حيث يُستخدم في توزيع ونقل الكهرباء.
وأوضح بانافع أن التطور المستمر للذكاء الاصطناعي يحتاج إلى بنية تحتية كهربائية متطورة وأجهزة متقدمة، مما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على النحاس كمادة أساسية في هذه التقنيات.
تطور سريع
من جانبه، أفاد خبير التطوير التكنولوجي، هشام الناطور، بأن التطور السريع للذكاء الاصطناعي يسهم بشكل مباشر في زيادة الطلب العالمي على النحاس؛ فالتكنولوجيا التي تقوم على الذكاء الاصطناعي تعتمد بشكل أساسي على بنية تحتية قوية للطاقة، والنحاس يُعتبر معدنًا رئيسيًا في هذا السياق نظرًا لخصائصه المميزة في توصيل الكهرباء بفعالية وكفاءته في إدارة الحرارة.
الناطور أشار إلى أن مراكز البيانات الذكية، التي تُعتبر أساس تشغيل تقنيات الذكاء الاصطناعي، تعتمد بشكل كبير على النحاس في تشغيل أنظمة الطاقة والمولدات والأسلاك الكهربائية. كما أن شركات كبرى مثل غوغل ومايكروسوفت تعتمد على النحاس لتوفير البنية التحتية اللازمة لمراكز البيانات الخاصة بها، مما يعزز الحاجة المستمرة لهذا المعدن في تطوير الذكاء الاصطناعي.
كما أوضح أن التطبيقات الآلية والروبوتات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى مصادر طاقة موثوقة، مثل السيارات الكهربائية وأجهزة الاستشعار، التي تعتمد بشكل أساسي على النحاس في أنظمة توزيع الطاقة.
كما أن التحول نحو الطاقة المتجددة كجزء من استجابة العالم لتوسع الذكاء الاصطناعي زاد من الطلب على النحاس في تصنيع الألواح الشمسية والمحولات الكهربائية، إلى جانب استخدامه في البطاريات وتوربينات الرياح، خاصة في الدول التي تعاني من مشكلات في تزويد التيار الكهربائي.
وشدد الناطور أن الطلب المتزايد على النحاس سيرفع من قيمته السوقية، وقد يؤدي إلى احتكارات ومزايدات في سوق المعادن.