استعرضت مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الأميركية، كامالا هاريس، في الأيام الماضية، جانباً من رؤيتها الاقتصادية، بما في ذلك تأييد استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي، فضلاً عن هدفها الطموح المرحب به لكسر الحواجز أمام بناء المساكن.
تتعهد هاريس بضمان بناء 3 ملايين منزل "ميسور التكلفة" إضافي للطبقة المتوسطة على مدى أربع سنوات، وهو وعده وصفه مقال للمعلق الاقتصادي في صحيفة فاينانشال تايمز، كريس جايلز، بالخجول والمخيب للآمال.
أضافت الولايات المتحدة 6 ملايين وحدة سكنية منذ العام 2020 ولديها حاليًا معدل إكمال إسكان سنوي يبلغ 1.5 مليون وحدة سنويًا.
ومن ضمن بنود رؤيتها الاقتصادية، ومثلما هو الحال مع المرشحين الديمقراطيين في كل انتخابات رئاسية، ترغب هاريس في فرض ضرائب أعلى على الأثرياء جدًا، واستخدام العائدات لتخفيف العبء عن الأسر من الطبقة الوسطى، خاصة تلك التي لديها أطفال.
يقول كاتب المقال إن ما يثير القلق أكثر هو اختيارها لمغازلة الشعبوية الاقتصادية اليسارية، وحديثها الغامض عن سياسات من شأنها أن تعادل فرض ضوابط على أسعار البقالة وضوابط على الإيجارات.
لكنه في الوقت نفسه بيّن أن مخاطر رئاسة هاريس ضئيلة بالمقارنة مع تلك الناتجة عن إعادة انتخاب دونالد ترامب، الرئيس السابق الذي أوضح أنه يريد أن يكون له رأي في قرارات السياسة النقدية لأنها تعتمد على "حدسه" ولديه القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة.
بما أن ترامب دائمًا ما يفضل معدلات الفائدة المنخفضة عندما يكون في السلطة ولا يقبل تخفيضات في المعدلات قبل انتخابات نوفمبر، فإن التحكم في التضخم الأميركي هو بالتأكيد على ورقة الاقتراع هذا الخريف.
كذلك فإن التعريفات الجمركية الأعلى تؤثر على المستهلكين الأميركيين ومن شأنها أن ترفع الأسعار، وكانت دعوته (ترامب) إلى فرض رسوم جمركية تتراوح بين 10 و20 بالمئة على الدول الأجنبية، أمرا خطيرا على الاقتصاد الأميركي والعالمي، ومع حرص الجمهوريين على خفض الضرائب أكثر من حرصهم على ضبط الإنفاق، فلا ينبغي لأحد أن يكون على يقين من استقرار الاقتصاد الأميركي في ظل رئاسة ترامب حتى لو كان الكونغرس قادرا على كبح جماح العديد من غرائزه.
ويذكر المعلق الاقتصادي في صحيفة فاينانشال تايمز، أنه عندما يكون الاختيار بين مرشح يلوم غريزيًا تجاوزات الشركات واستغلالها داخل نظام السوق على التضخم، ومرشح يثق في غرائزه ونظرياته المفضلة قبل عقود من الخبرة، فمن غير المستغرب أن تكون الأسواق المالية متوترة.
ويؤكد أن نتائج ما بعد الانتخابات غير مؤكدة إلى حد كبير، ليس فقط فيما يتصل بمن سيفوز، بل وأيضاً ما الذي سيسعى إلى تنفيذه وما إذا كان لديه السلطة التشريعية للقيام بذلك، وأن الأشهر المقبلة ستشهد المزيد من التقلبات.
قضايا شائكة
يعلق المستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية، حازم الغبرا، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قائلاً إنه أياً كان سيد البيت الأبيض في المرحلة القادمة إلا أنه سيكون مضطرًا للتعامل مع العديد من القضايا الشائكة، وهي:
- التضخم وكذلك مسألة "الهبوط السلس"، وأسعار الفائدة الأميركية وتغيير أسعارها بشكل يكون قادراً على منع توجه الاقتصاد الأميركي نحو الركود، وفي ذات الوقت لا يؤثر بشكل سلبي على مشكلة التضخم التي هي أساس الأزمة.
- الإنفاق الحكومي: وهي مشكلة هائلة تواجهها الولايات المتحدة لاستدانة الحكومة بشكل مفرط رغم انتهاء الحروب التي انخرطت فيها أميركا، وانتهاء أزمة كورونا، لذا على أي رئيس قادم أن ينظر لها كمشكلة حقيقية في ظل عدم وجود أسباب منطقية لأن يكون بزخ حكومي بهذا التنامي والارتفاع المستمر بدلا من أن ينكمش، وهو سؤال يجب الإجابة عنه بشكل سريع فالمواطن الأميركي يتململ من الحكومات التي تستدين باسمه للإنفاق على مشاريع لا يعتبرها ضرورية ولا تؤثر بشكل إيجابي على معيشته.
- الأزمة مع الصين: ستكون هناك قرارات صعبة بشأن الصين وما سيذهب له هذا الملف، كأن يتم توجيه رسالة واضحة بأن الصين لا يمكنها الاستمرار بهذه السياسات التوسعية وقرصنة المنتجات والتجسس على الشركات الأميركية، وفي نفس الوقت لا يؤدي ذلك إلى حرب اقتصادية كبرى لن تؤثر حينها فقط على أميركا والصين لكن أيضًا على العالم أجمع، فيجب التعامل مع تلك المشكلة بشكل قوي وواضح وحازم لا يؤدي إلى مشكلة اقتصادية تضاف إلى المشاكل الموجودة عالميًا اليوم.
ويتحدث في الوقت نفسه عن ملف "توفير فرص العمل"، مشدداً على أنه بالنسبة للمواطن الأميركي المشاكل وتفسيراتها مختلفة، بينما هو يحتاج إلى فرص عمل وينظر كيف ستقدم له الحكومة الأميركية القادمة فرص عمل.
- الطرف الجمهوري واضح بخصوص هذا الشأن عن طريق خفض الضرائب لتستطيع الشركات توظيف المزيد من الأشخاص.
- أما بالنسبة للطرف الديمقراطي فهو غير واضح، هناك حديث عن وجود دعم حكومي للأفراد، لكن المواطن لا يبحث عن دعم حكومي لكنه يرغب في أن تتوفر له فرصة عمل ذات دخل جيد، خاصة وأن التضخم الكبير في أسعار السلع خلال السنوات الماضية وكلفة الحياة بشكل العام يأتي في ظل مستوى أجور لا يعكس ذلك، ولا يوجد هذا الارتفاع الملموس في مستوى الأجور، لذا يجب على الإدارة القادمة النظر لهذه المشكلة .
تحديات اقتصادية
من جهته، أوضح مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن ثمة عدة تحديات اقتصادية تواجه الرئيس الأميركي القادم ومن أهمها:
- ارتفاع حجم الدين بشكل كبير ليصل إلى 34.50 تريليون دولار
- ارتفاع عجز الموازنة وتباطؤ النمو الاقتصادي.. علاوة على ارتفاع معدلات البطالة.
- السياسة النقدية المتشددة ورفع الفائدة بعد أزمتي كورونا والحرب في أوكرانيا حيث تم رفع أسعار الفائدة 11 مرة بين مارس 2022 إلى أن استقر سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بين 5.25 بالمئة إلى 5.50 بالمئة وهو أعلى مستوى خلال 22 عاماً من أجل كبح جماح معدلات التضخم الذي ما زال عصيا على مستهدفات الحكومة فضلا عن زيادة أسعار السلع.
- إنفاق أكثر من 200 مليار دولار لدعم أوكرانيا دون حسم الملف.
- فقدان حلفاء تقليديين مع صعود اليمين المتطرف في أوروبا.. علاوة على زيادة التوتر مع الصين وقضايا غزة والملف النووي الإيراني وقضايا الهجرة غير الشرعية ومواجهة تكتل بريكس بتشكيلته الجديدة، وقضايا التغير المناخي والتوتر مع روسيا في بحر البلطيق وغيرها من القضايا.
وأشار إلى أن ترامب بحسب برنامجه الانتخابي سيتخلى عن الإنفاق الحكومي المفرط ووقف التوغل الأميركي في صراعات خارجية مُكلفة، إضافة إلى خفض أسعار الفائدة وخفض ضرائب الأفراد واستخدام الإيرادات من الرسوم الجمركية لتمويل المشروعات.
وأضاف أن هاريس بحسب برنامجها ستتجه إلى ضخ استثمارات كبيرة في مشروعات الطاقة الخضراء والبنية التحتية، إضافة إلى الاستمرار في تقديم الدعم الكبير لإسرائيل وأوكرانيا وبناء ملايين المنازل الجديدة ومساعدة المشترين لأول مسكن، وتقديم إعفاءات ضريبية للأسر وحظر الاحتكار في أسعار منتجات البقالة، وبحث إلغاء الديون الطبية، فضلاً عن استفادة الأسر من خصم ضريبي قدره 6000 دولار في العام الذي يولد فيه طفل جديد، وتخفيف الضرائب عن أكثر من 100 مليون أميركي.