تُعد شبكات الاتصالات العمود الفقري الذي يدعم تطور التكنولوجيا والاقتصاد العالمي في العصر الحديث، فهذه الشبكات تلعب دوراً محورياً في تعزيز التواصل وتبادل المعلومات وتمكين النمو التكنولوجي، مما يسهم في دعم الابتكارات الجديدة، مثل شبكات الجيل الخامس، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي.
ومع تزايد الاعتماد على الشبكات الرقمية في جميع جوانب الحياة، أصبح الاستثمار في معدات شبكات الاتصالات أمراً حيوياً لتحقيق التقدم التكنولوجي، وضمان استمرارية الخدمات، مما يعزز من قدرة الشركات على تقديم خدماتها بشكل موثوق وفعّال.
ولطالما سيطرت شركات مثل Nokia الفنلندية وEricsson السويدية وHuawei الصينية على سوق معدات شبكات الاتصالات، مع توفير شركات مثل Samsung وZTE مثل هذه المعدات على نطاق أصغر، في حين يسعى مشغلو شبكات الاتصالات، للعثور على طريقة لكسر احتكار هذه الشركات على السوق.
وبحسب تقرير أعدته "بلومبرغ" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن رغبة مشغلي شبكات الاتصالات بكسر سيطرة Nokia وEricsson وHuawei على سوق معدات وأجهزة شبكات الاتصالات قد تتحقق الآن بدعم من انتشار شبكات الـ OpenRAN، التي يرى فيها البعض أنها قادرة على إعادة تشكيل السوق وفتح باب المنافسة بعيداً عن الشركات المتهمة باحتكار السوق.
ما هي شبكات الـ OpenRAN؟
شبكات OpenRAN أو Open Radio Access Network هي تقنية تعتمد على تطبيق "المعايير المفتوحة" في تصميم شبكات الاتصالات، بعكس تقنية RAN التقليدية التي تعتمد عليها حالياً شركات الاتصالات في العالم.
وتهدف تقنية OpenRAN ذات المعايير المفتوحة إلى تعزيز مرونة وكفاءة شبكات الاتصالات، فهي تجعل معدات شبكات الهاتف المحمول بمختلف أنواعها، قادرة على أن تعمل وتتفاعل مع بعضها بغض النظر عن الشركة التي أتت منها، وذلك بعكس تقنية RAN التقليدية المعتمدة حالياً والتي تعد شبكة "مغلقة" لا تسمح لمعدات الاتصالات التي تنتجها شركات مختلفة بأن تتفاعل بعضها.
ولذلك فإن معايير شبكات الـ OpenRAN تهدف إلى تفكيك مفهوم شبكات الـ RAN عبر خلق بيئة أكثر مرونة في إدارة شبكات الاتصالات.
وتسمح شبكات الـ OpenRAN بدمج تقنيات حديثة بسهولة أكبر، مما يتيح لشركات الاتصالات تحسين أداء شبكاتها وتقديم خدمات جديدة ومتطورة للمستخدمين، كما أن الـ OpenRAN تساهم في تسريع نشر شبكات الجيل الخامس وما بعدها من تقنيات، بفضل مرونتها وقدرتها على دعم مجموعة واسعة من الترددات.
وباستخدام معدات تصنعها شركات مختلفة بدلاً من الاعتماد على مورد واحد، يمكن لشبكات الـ OpenRAN مساعدة شركات الاتصالات على خفض التكاليف التشغيلية مما يسهم في تحقيقها كفاءة مالية.
من يريد الـ OpenRAN؟
يرى العديد من شركات الاتصالات أن شبكات الـ OpenRAN ستجعل السوق أكثر رشاقة وستجلب المزيد من المنافسة إليها، وستساهم في خفض الأسعار.
كما أن انتشار الـ OpenRAN يساعد شركات الاتصالات التي تريد التخلي عن هواوي على استبدال معدات الشركة الصينية بسهولة أكبر، فتزايد التوترات بين بكين والغرب، دفع المزيد من الحكومات في العالم إلى مطالبة شركات الاتصالات لديها بإزالة المعدات الصينية من الشبكات بسبب اعتبارات الأمن القومي، وهذا ما ترك العديد من شركات الاتصالات في الولايات المتحدة وأوروبا أكثر اعتماداً على نوكيا وإريكسون وهو ما لم يخدم بالضرورة مصالح شركات الاتصالات.
وتعد الولايات المتحدة الأميركية واحدة من أكبر الداعمين لانتشار شبكات الـ OpenRAN، ففي أميركا لا يوجد منتِج رئيسي لمعدات الاتصالات، ولذلك يرى المسؤولون في واشنطن أن الـ OpenRAN هي فرصة للشركات المحلية مثل Mavenir Systems للدخول في هذه اللعبة.
ولطالما شكك كبار منتجي معدات الاتصالات، في حدوث أي أمر قد يجبرهم على التنازل عن السيطرة على صناعة يهيمنون عليها، وكانت شركة سامسونغ أول من طور تقنية OpenRAN وبدأت في اختبارها.
ومؤخراً، غيرت كل من شركتي نوكيا وإريكسون موقفيهما، حيث أدركتا أن التحول أمر لا مفر منه وقد يعود بالفائدة عليهما.
وقد قدم هذا التحول في الموقف دفعة لشركة إريكسون، التي فازت بعقد بقيمة 14 مليار دولار مع شركة AT&T الأميركية في عام 2023، لتصبح المورِّد الوحيد لتنفيذ مشروع OpenRAN المخطط له.
وأحدثت هذه الصفقة صدمة في أوساط الصناعة، إذ كانت المرة الأولى التي يلتزم فيها مشغل بنشر شبكات الـ OpenRAN على نطاق واسع. كما انتقد البعض في الصناعة شركة AT&T لاختيارها مورداً واحداً فقط لبناء شبكات OpenRAN، في حين تسمح التكنولوجيا ببائعين متعددين.
متى سيبدأ انتشار OpenRAN؟
إحدى القضايا الرئيسية التي تعيق OpenRAN هي أن التكنولوجيا ليست جاهزة تماماً، ففي حين أن شركة AT&T قد حققت نجاحاً كبيراً بالتعاقد معEricsson ، لا تزال شركات تشغيل رئيسية أخرى مثل Deutsche Telekom وVodafone تختبر هذه التقنية في أجزاء صغيرة من شبكاتها، إذ هناك عدد من المشكلات التي تعيق تبنيها لمفهوم الـ OpenRAN.
من ناحية أخرى، تتبادل الشركات بانتظام الاتهامات فيما بينها، بسبب عدم مشاركة خرائط طريق انتشار تكنولوجيا OpenRAN وهذا ما سيحوّل هذا التقنية إلى تقنية ذات معايير مغلقة وليس مفتوحة المصدر، ما سيجعل من الصعب على المعدات الرئيسية أن تعمل بسلاسة معاً، ولذلك فإن الأمر قد يستغرق ما يصل إلى عقد من الزمان قبل أن تصبح تقنية الـ OpenRAN حقيقة واقعة، ولكن رغم ذلك فإن التحول بدأ بالفعل من الآن.
ويقول المحلل والكاتب المختص بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ألان القارح، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عرربية"، إن شبكات الـ OpenRAN ليست بالشبكات الجديدة، بل أن عمرها يفوق الـ 12 عاماً، ورغم أنها لم تحقق أي نجاح تجاري منذ ذلك الحين، إلا أنها واحدة من أكثر المفاهيم التكنولوجية إثارة للإعجاب نظراً لفوائدها العديدة، فهي تقدم خيارات إدارة شبكة أكبر بتكاليف أقل، كما أنها توفّر نظاماً تشغيلياً مفتوحاً، حيث يمكن أن تؤدي البيئة المفتوحة إلى مزيد من الابتكار عن طريق تقليل الحواجز أمام الدخول الى شبكة الاتصالات.
ويكشف القارح أن أميركا سعت بكل ما تملك من قوة، لإظهار أن شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة OpenRAN توفر بديلاً عن معدات الاتصالات الصينية التي تنتجها هواوي، وتحديداً فيما يتعلق بشبكات الجيل الخامس، ولكن الغريب في الأمر هو أن نقطة ضعف شبكات الـ OpenRAN تعتبر نقطة قوتها أيضاً.
فالمعايير المفتوحة لهذه الشبكات وتحديداً لامركزية الوظائف التي تتمتع بها، تعطي المهاجمين قدرة أكبر على التحرك والاختراق وهذا ما يجعل الكثير من الشركات تتردد في تبنيها، مشيراً إلى أن "البيئة المفتوحة" التي تحتوي على بائعي تجهيزات متعددين، تؤدي إلى تعقيد التشغيل والصيانة وإلى تراجع درجة تكامل المعدات، فمثلاً إذا حدثت مشكلة، قد لا يكون واضحاً في البداية من هو البائع الذي سيحتاج الى إتخاذ القرار بمعالجتها، أما النقطة الثانية فتكمن في صعوبة تحديد مكان العطل في الشبكة.
وبحسب القارح فإن أي خطأ يتم إرتكابه من قبل مُشغلي شبكات الـ OpenRAN سيكون ثمنه قاتلاً، حيث أن تعدد بائعي التجهيزات، يعني بشكل مباشر تفاوت مستويات الأمان في الشبكة، ما يؤدي إلى سهولة الهجوم على المكونات، ويعرّض كامل شبكات الـ OpenRAN في العالم للاختراق وليس فقط الشبكة المخترقة، وهذا الأمر يستدعي من البائعين والمشغلين المتعددين، وضع خطة إستباقية موحّدة، لإتخاذ قرار في مثل هذه الحالات، أو تكرار ما فعلته AT&T من خلال شراء معدات شبكة الـ OpenRAN الخاصة بها منEricsson فقط، وهو ما يعني فعلياً نسف مفهوم "البيئة المفتوحة" التي تجسدها تقنية OpenRAN.
عوائق تشغيلية
ويشرح القارح أن هناك عوائق تشغيلية كثيرة، تعيق انتشار شبكات الـ OpenRAN التي لا تناسب شركات الاتصالات الصغيرة، حيث أظهرت التجارب أن هذه الشبكات لا تتمتع بالكفاءة من حيث التكلفة في حال تم اعتمادها من قبل شركات اتصالات تُشغّل شبكات صغيرة ومتوسطة الحجم، فكلما كانت الشبكة صغيرة، كلما زادت تحديات الصيانة وارتفعت كلفة تشغيلها، حيث أن استهلاك شبكات الـ Open RAN للطاقة هو أعلى بحوالي 40 في المئة مقارنة مع شبكات RAN التقليدية.
ويختم القارح حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بتأكيده أن شبكات الـ OpenRAN تمثل أحد أكثر المفاهيم التقنية إثارة للإعجاب، ولكنها لا تزال غير جاهزة بعد وتحتاج للكثير من التطوير لكي تصبح آمنة وفعالة، ولذلك يمكن القول إن الـ OpenRAN ستكون خياراً مناسباً لتقنية الجيل السادس، المتوقع ظهورها في عام 2030 وما بعد، مشيراً الى ان الشركات التي قررت الاعتماد على هذه الشبكات حالياً، عليها توخي الحذر والقيام بخطوتها بعد تقييم المخاطر.