في ظل التطور المستمر في خدمات التمويل الاستهلاكي، ظهرت خدمات "اشتر الآن وادفع لاحقاً (BNPL) كأحد الحلول الجذابة للمستهلكين، خاصة الشباب، الذين يسعون للحصول على المنتجات والخدمات دون الحاجة لدفع كامل الثمن مقدماً.
وهذه الخدمات تعتمد على توفير تسهيلات ائتمانية مرنة تمكن المستهلك من سداد المبلغ على أقساط دون فوائد، لكنها أثارت مخاوف كبيرة بشأن تراكم الديون وتأثيرها على الاستقرار المالي للأفراد، خصوصاً في ظل تزايد الاعتماد عليها بشكل غير مدروس.
ففي بريطانيا أصبحت هذه المخاوف محور اهتمام الحكومة، التي تسعى الآن لتنظيم هذا القطاع بشكل يضمن حماية المستهلكين من مخاطر الديون المتزايدة وتفاوت السياسات بين مختلف مقدمي الخدمات، وخصوصاً أن بريطانيا شهدت تأخيرات متعددة في وضع تشريعات تنظم هذا القطاع، مما أدى إلى تراكم الديون على شريحة كبيرة من الشباب الذين يستخدمون هذه الخدمات دون الوعي الكامل بتبعاتها المالية، بحسب تقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) الأميركية واطلع عليه موقع "سكاي نيوز عربية".
ومع تشكيل الحكومة الجديدة بقيادة حزب العمال، تتجه الأنظار نحو الإجراءات التنظيمية المتوقعة وتأثيرها المحتمل على السوق والمستهلكين، لكن يبقى السؤال هل يُمكّن تنظيم بريطانيا لخدمات "اشتر الآن وادفع لاحقاً" من حماية المستهلكين، أم أن هذه الخدمات لا تزال تشكل تهديداً خطيراً على جيوب الشباب، خاصة في ظل التنافس الشديد بين الشركات على جذب العملاء؟".
وأوضح التقرير أن الحكومة البريطانية أعلنت عن إطلاقها قريباً خططاً جديدة لتنظيم قطاع "اشتر الآن وادفع لاحقاً"، واصفة تنظيم القطاع بـ "الأمر بالغ الأهمية لحماية الناس وتوفير اليقين للقطاع"، وأشار إلى أن الحكومة وضعت لأول مرة خططًا لتنظيم القطاع في عام 2021 وذلك بعد مراجعة من الرئيس السابق لهيئة السلوك المالي كريستوفر وولارد، الذي وجد أن أكثر من واحد من كل عشرة عملاء لـ (BNPL) متأخرون في السداد.
ما هي خطط (BNPL)
وبحسب التقرير فإن خطط (BNPL) هي ترتيبات ائتمان مرنة تتيح للمستهلك شراء سلعة أو خدمة ثم سداد دينه في تاريخ لاحق، وتفرض معظم الخطط على العملاء ثلث قيمة الشراء مقدماً، ثم تأخذ الدفعات المتبقية في الشهرين التاليين، وتدر معظم شركات (BNPL) الأموال من خلال فرض رسوم على أساس كل معاملة على شركائها التجار، بدلاً من فرض الفائدة أو رسوم التأخير في السداد وبعض الشركات تفرض رسوماً على الدفعات المتأخرة. لكن النموذج غير موحد في جميع المجالات.
هذا التباين في الخدمات بين مختلف مقرضي (BNPL) هو أحد الأسباب التي يدعو من أجلها المدافعون إلى التنظيم، ومع ذلك، فإن السبب الرئيسي هو أن الناس - وخاصة المستهلكين الشباب – يزداد تراكم ديونهم من هذه الخطط، وأحياناً من عدة مقدمي خدمات، دون القدرة على تحملها.
وأعرب جيرالد تشابيل، الرئيس التنفيذي لشركة الإقراض عبر الإنترنت "أباوند"، التي تستخدم معلومات حسابات مصرفية العملاء لتحديد القرارات الائتمانية، عن قلقه من البيانات التي تم معالجتها من خلال منصة شركته والتي تظهر أن العملاء يتراكم عليهم ديون تصل إلى "آلاف الجنيهات" من ثلاثة إلى أربعة مقدمي خدمات "اشتر الآن وادفع لاحقاً".
وقال الخبير الاقتصادي المقيم في لندن، ممدوح سلامة، في حديثه لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية" : "إن خدمات (اشر وادفع لاحقاً) معمول بها في العالم أجمع والهدف منها تسهيل وتمكين المواطنين من شراء ما يحتاجونه من سلع وخدمات ثم الدفع بأقساط سهلة وميسرة على المدى الطويل مما يسهل عمليا الشراء دون أن يكلفهم ذلك ضغطاً مالياً كبيراً".
عواقب مالية على الشباب
ولكن هناك حالات كثيرة وخصوصاً بين الشباب الذين يريدون شراء المنتجات فوراً والتفكير بدفعها لاحقاً إذ أن بعضهم ربما لا يملك القدرة على الدفع على الرغم من إقدامه على الشراء ومن هنا تأتي العواقب المالية عليهم لأن عليهم أن يعيدوا السلع التي اشتروها أو يحكم عليهم من قبل المحاكم بالدفع فوراً، بحسب تعبيره.
ومع ذلك يرى سلامة أن هذا المبدأ سيستمر في العمل ليس فقط في بريطانيا، بل في العالم الغربي بشكل خاص وعلى المدى الطويل وبالتالي على الحكومات القيام بإجراءات لضمان أن هذا المبدأ الشرائي بحيث لا يرهق جيوب المشترين ولا يخلق لهم مشاكل مالية ولا يضعف قدرتهم الشرائية للحفاظ على عائلاتهم وتأمين ما يحتاجون إليه.
وأضاف الخبير الاقتصادي: "من الممكن أن تقوم حكومة حزب العمال في بريطانيا كحل لهذه المشكلة على سبيل المثال بتقديم تشريعات قد تؤدي إلى الحد من السماح بـ(اشتر وادفع لاحقاً) بتحديد المبلغ الذي يستخدم في الشراء ولكنني أشك في أن يتم العمل وفق ذلك بشكل ناجح حتى لو تم إقرار قانوناً بهذا الشأن لأن منافذ البيع في العالم ككل لديها طرقاً وأساليب لإغراء الشباب والمشترين بالاستمرار في استخدم مبدأ (اشر وادفع لاحقاً)".
بدوره، قال علي حمودي الخبير الاقتصادي، المختص في الشأن البريطاني، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن ربع الشباب في المملكة المتحدة الذين يقومون بسداد أقساطهم بنظام (اشتر الآن وادفع لاحقاً) لم يتمكنوا من دفع ثمن الطعام أو الإيجار أو الفواتير نتيجة للضغوط التي يتعرضون لها لمواكبة سداد كل دفعاتهم".
وتُظهر أرقام هيئات مختصة في بريطانيا أن أكثر من 45 بالمئة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً في المملكة المتحدة استخدموا نظام "اشتر الآن وادفع لاحقاً" في العامين الماضيين، ومن المثير للقلق أن نصف هؤلاء فعلوا ذلك دون أن يدركوا ذلك وندم واحد من كل ثلاثة على ذلك، بحسب حمودي.
فخ الديون
وأوضح حمودي أنه "غالباً ما يتم الإعلان عن نظام (اشتر الآن وادفع لاحقاً) عند الدفع عبر الإنترنت كطريقة سهلة لتقسيم أو تأخير المدفوعات على سلع مثل الملابس أو الإلكترونيات، مع حوافز مثل كونه خالياً من الفائدة. ولكن بالنسبة للعديد من الأشخاص، يمكن أن يكون هذا بمثابة انزلاق نحو الديون، لذا فإن حكومة حزب العمال البريطانية الجديدة ستضع قريباً خططًا محدثة لتنظيم خدمات اشتر الآن وادفع لاحقاً".
ويرى الخبير الاقتصادي حمودي أنه من المهم تنظيم منتجات "اشتر الآن وادفع لاحقاً" لحماية المستهلكين وتوفير اليقين المستقبلي للقطاع نفسه، وخصوصاً أن المستهلكين - وخاصة المستهلكين الأصغر سناً - يكدسون ديونا بشكل متزايد وأحياناً من العديد من المزودين وتجار التجزئة، دون أن يتمكنوا من تحمل تكاليف سدادها بالكامل.
وأردف بقوله: "من الطبيعي وجود الكثير من حالات التخلف عن سداد الائتمان فمع وجود اقتصاد ضعيف يكثر الاعتماد على خدمات (اشتر الآن وادفع لاحقاً) ما يزيد أيضاً من أعباء الديون. لذا أعتقد أن العديد من هذه الشركات تعاني وستستمر في المعاناة، وبالتالي ليس مفاجئاً إذا قررت هيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة (FCA)، المسؤولة عن التنظيم المالي تنظيم صناعة "الشراء الآن والدفع لاحقًا" خلال الفترة المقبلة".
لماذا تعثر تنظيم القطاع
وبالعودة إلى تقرير الشبكة الأميركية، فقد أرجع تعثر التقدم في تنظيم "اشتر الآن وادفع لاحقاً" في عدة مناسبات تحت قيادة الحكومة المحافظة السابقة جزئياً إلى حقيقة أن المملكة المتحدة واجهت عدم استقرار سياسي شديد، حيث شهدت تغيير ثلاثة رؤساء وزراء في عام واحد في عام 2022، بالإضافة إلى "الضغط من بعض أكبر الأسماء في الصناعة".
وتعتبر قروض "اشتر الآن وادفع لاحقاً" جزءاً غير خاضع للتنظيم إلى حد كبير من نظام الخدمات المالية، ليس فقط في المملكة المتحدة، ولكن على مستوى العالم. وفي الولايات المتحدة، قالت هيئة حماية المستهلك المالي إن عملاء شركات "اشتر الآن وادفع لاحقاً" يجب أن يتمتعوا بنفس الحماية التي يتمتع بها مستخدمو بطاقات الائتمان.