تلعب العادات الإنفاقية للمستهلكين دوراً حاسماً في تحديد اتجاهات السوق، حيث تؤثر هذه العادات على الاقتصاد بشكل كبير، نظراً لقدرتها على دفع أو كبح جماح النمو الاقتصادي.
وعندما تكون للمستهلكين عادات إنفاقية قوية ومستمرة، فإن ذلك يسهم في زيادة الطلب على السلع والخدمات، مما يدفع بالاقتصاد نحو النمو، في حين أن العادات الإنفاقية غير المتزنة يمكن أن تؤدي إلى تقلبات في الطلب على السلع والخدمات، ما قد يتسبب في حالة من عدم الاستقرار تنعكس سلباً على النمو الاقتصادي بشكل عام.
وبالتالي، فإن فهم العادات الإنفاقية للمستهلكين، يمكن أن يساعد الشركات على تحديد استراتيجياتها التسويقية بشكل أفضل، حيث أنه عندما تكون الشركات قادرة، على فهم ما يدفع المستهلكين للشراء والإنفاق، فإنها تستطيع طرح منتجات تلبي احتياجات السوق، ما يساعدها على زيادة فرص النمو والربحية، لينعكس هذا الأمر إيجاباً على الاقتصاد.
وبحسب تقرير أعدته "CNBC" ونقله موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فقد أظهر أحدث بحث أجراه موقع Impact يتعلق بتوجهات المستهلكين في عام 2024، أن المتسوقين يقومون بتعديل عاداتهم الشرائية، فهم باتوا ينفقون أموالهم بشكل تكتيكي أكثر من أي وقت مضى، ولكنهم في الوقت عينه، لا يخشون الإسراف في الإنفاق في حال حصلوا على الحافز المناسب، لذلك يجب على العلامات التجارية أن تكون أكثر استراتيجية للتأثير على قرارات المتسوقين.
وتظهر نتائج بحث Impact أن العادات الشرائية الجديدة للمستهلكين، يمكن أن تمثل فرصة غير متوقعة لتجار التجزئة، خصوصاً في حال قام هؤلاء بالاطلاع على العناصر الخمسة الرئيسية التي تتحكم بالسوق في 2024 والتي هي كالآتي:
سلوكيات تسوق مختلفة
مع استعداد المتسوقين لإنفاق المزيد من الأموال على الضروريات مثل البقالة والغاز بسبب التضخم، اضطر الكثير من الأشخاص إلى تغيير سلوكيات التسوق، حيث قاموا بتخفيض الإنفاق على الأمور غير الضرورية، متخلين بذلك عن عاداتهم الشرائية المعتادة.
وتظهر البيانات في أميركا أن المستهلكين أجروا في 2023 عمليات شراء أقل بنسبة 7 بالمئة مقارنة بالسابق، وبالتالي بات على العلامات التجارية أن تقوم بمجهود، لإقناع المتسوقين بأن المنتجات التي توفرها لهم تستحق دفع الأموال لأجلها.
كما تبين أن تقديم طرق دفع متعددة للمستهلكين يمكن أن يساعد في رفع مستوى إنفاقهم، فقد أظهرت البيانات ارتفاع استخدام خدمة "اشتر الآن وادفع لاحقاً" بنسبة 42 في المئة على أساس سنوي في 2023، ما أدى إلى توسيع القدرات الشرائية للمتسوقين.
رغم قيام المتسوقين بالتخفيف من إنفاقهم والتقليل من حجم المشتريات، إلا أن تضخم الأسعار عالمياً أدى إلى ارتفاع قيمة سلة التسوق، ما دفع الكثير من المتسوقين إلى تسوية نفقاتهم وتوفير المال، من خلال التحول إلى العلامات التجارية منخفضة السعر، في حين قام آخرون بالتحول إلى أحجام عبوات أصغر من العلامات التجارية الذين اعتدوا على شرائها وذلك كونها أرخص سعراً.
رصد الصفقات
تكشف الإحصائيات أن المستهكين باتوا يعتمدون استراتيجية "رصد الصفقات"، المتوفرة عبر النوافذ التجارية المختلفة، ليقوموا باختيار منتج معين وإضافته إلى قائمة رغباتهم الشرائية، ومن ثم انتظار أن تشمله العروض والصفقات.
كما تبين أن قسماً كبيراً من المستهلكين باتوا ينتظرون المواسم التي تشهد غزارة في المبيعات، مثل أعياد الميلاد ورأس السنة والجمعة السوداء وعيديْ الأم والأب، للقيام بعمليات شرائية ضخمة والاستفادة من أفضل العروض في تلك الفترات.
ومع هذا التغيير في سلوكيات التسوق، يصبح من الأهمية للعلامات التجارية، أن تجذب انتباه المستهلك عبر التوجه له بعروض قوية تحثه على الشراء.
لم يمنع ارتفاع الأسعار قسماً من المتسوقين، من الرغبة في الإنفاق على مشتريات انتقائية، مثل سلع البقالة الفاخرة أو رحلات السفر، ففي حين انخفض الإنفاق الاستهلاكي العام، إلا أن بعض فئات المشتريات شهدت زيادات غير متوقعة في الإنفاق، حيث تمكنت الشركات من إلهام المشترين، الذين يحبون التباهي بمشترياتهم لإجراء عمليات شراء غير ضرورية.
وعلى سبيل المثال، ارتفع الإنفاق الاستهلاكي على الفنون والترفيه في أميركا بنسبة 36 بالمئة، في حين شهدت العلامات التجارية التي تقدم منتجات خاصة بالمنزل والحديقة والرياضة والأنشطة الخارجية واللياقة البدنية زيادة في المبيعات بنسبة 6 في المئة.
ويوضح هذا الأمر كيف تمكنت العلامات التجارية من إلهام المتسوقين بالتبذير في شراء الأشياء غير الضرورية عندما رأوا الفرصة والعرض المناسبين.
الإنفاق على الإعلانات
نظراً لتغير سلوكيات المشترين، أصبحت الشركات أكثر استعداداً للإنفاق على الاعلانات وزيادة الوعي بالعلامة التجارية، وتعزيز نية الشراء وتحفيز حتى المتسوقين الأكثر انتقائية على الشراء.
ويساعد ارتفاع إنفاق العلامات التجارية على الإعلانات، في زيادة عائد الاستثمار وبناء الثقة مع العملاء الجدد المحتملين، ومع الانخفاض المتوقع للتضخم واحتمال زيادة الإنفاق الاستهلاكي مستقبلاً، يمكن للشركات أن تضمن بقاء علامتها التجارية في مقدمة أولويات المتسوقين عندما يصبحون مستعدين للشراء.
وقال الأستاذ الجامعي والباحث في التسويق والتسويق السياسي، وليد أبو خليل، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ارتفاع الأسعار في عام 2024 يؤثر بشكل كبير على سلوكيات التسوق لدى المستهلكين، مما يستدعي إعادة تقييم أساليب حياتهم وعادات إنفاقهم، مشيراً إلى أن الدراسات الحديثة تسلط الضوء على هذه التغييرات التي تتوافق مع نتائج البحث الذي نشرته Impact.com، وبالتالي وكي تحافظ العلامات التجارية على استمراريتها وكي تبقى في صدارة تفضيلات المستهلكين خلال عام 2024، يجب عليها التكيّف السريع مع تغيرات سلوك المستهلكين، من خلال التركيز على عدة استراتيجيات، مثل تعزيز قيمة المنتجات التي تقدمها، والاستفادة من التكنولوجيا والإعلانات الرقمية، لزيادة الوعي بالعلامة التجارية وجذب جمهور أوسع.
وأوضح أبو خليل، أن المستهلكين باتوا يعطون الأولوية للمشتريات الأساسية، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، مما يؤدي إلى تقليل الإنفاق على السلع غير الضرورية، وتوجيه الموارد نحو الضروريات مثل الغذاء والوقود، كما أن الضغوط المالية تدفع العديد إلى البحث عن بدائل أكثر اقتصاداً، مما يؤدي إلى تحول في ولاء العلامات التجارية، فعلى سبيل المثال، في مصر، أدى التضخم إلى الانتقال نحو العلامات التجارية المحلية التي تقدم أسعاراً أقل.
وشدد أبو خليل، على أن المستهلكين باتوا بالفعل يتبنون نهجاً أكثر استراتيجية في إنفاقهم، حيث يخططون للمشتريات بمواعيد تتزامن مع العروض والتخفيضات، خاصة خلال فعاليات مثل الجمعة السوداء ومواسم العطلات، في حين أنه وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية، يستمر بعض المستهلكين في تخصيص الموارد لشراء السلع الفاخرة، والمشتريات الانتقائية كوسيلة للتعبير عن الذات والاستمتاع.
ومن جهته يقول جو ملحم وهو خبير في التجارة والتسويق، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن المستهلكين حول العالم، يشعرون بالضغط والقلق من التضخم، وهو الأمر الذي أحدث تحولات واسعة النطاق في المشهد الاستهلاكي العالمي، وأجبر مصنعي السلع وتجار التجزئة على البقاء على أهبة الاستعداد لفهم توجّهات السوق، فالتجار يريديون وأكثر من أي وقت مضى، فهم أين وكيف يتسوق الناس كي يكونوا في أفضل وضع لتحقيق النجاح.
ويكشف ملحم، أنه مع الرياح الاقتصادية المعاكسة يقوم المستهلكون في العالم، بالتسوق وبشكل متزايد في متاجر الخصومات، فقد تبين أن هؤلاء باتوا غير مكترثين لمبدأ الولاء للعلامة التجارية، الذي اشتهروا به فترة طويلة من الزمن.
فالمستهلكين أصبحوا أكثر ميلاً للتحول إلى العلامات التجارية الأرخص سعراً، بحسب قوله، وهذه النقطة تقوم باستغلالها الكثير من الشركات والعلامات التجارية الناشئة، وهذا أيضاَ ما يفسر النجاح الساحق الذي حققته علامة SHEIN الصينية للأزياء السريعة التي اكتسحت السوق بدعم من أسعار منتجاتها.
ويرى ملحم أن المستهلكين يقومون اليوم بتطبيق مبدأ تحدي التوقعات، عبر التصرف بطرق غير نمطية وصولاً لتحقيق مبدأ "الرفاهية بأسعار معقولة"، فهم مثلاً مستعدون للتخلي عن الكثير من العادات الشرائية القديمة، لصالح عدم خسارتهم المعركة أمام التضخم، فنرى أن الكثير منهم باتوا يقتصدون في طريقة عيشهم ولكنهم في المقابل لا يتخلون عن أمور يعتبرونها أساسية، رغم أنها ليست كذلك من الناحية العلمية، مثل السفر للاستجمام مرة واحدة في العام، مشيراً إلى أن المستهلكين يعتبرون أن تحقيق هذه العادات أمر أساسي لا رجوع عنه.
يشرح ملحم أن حب التباهي بالعمليات الشرائية هي ظاهرة اجتماعية قديمة ولا يمكن أن تختفي، حيث يوجد فئة من الناس تعتبر أن هذا السلوك يبرز نجاحها المالي والاجتماعي، وهذا ما تدركه الشركات جيداً وتستغله لرفع حجم مبيعاتها خاصة لدى المستهلكين في الصين.