تلعب مهارات التواصل دوراً حيوياً في نجاح رواد الأعمال، حيث تُعتبر أساساً لبناء العلاقات المهنية والشخصية المؤثرة. كما أن التواصل الفعّال يمكن رواد الأعمال من توصيل رؤاهم وأفكارهم بوضوح إلى الشركاء والمستثمرين والعملاء المحتملين.
من خلال القدرة على التعبير عن الأفكار بشكل مُقنع ومُلهم، يستطيع رواد الأعمال جذب الدعم والتمويل اللازمين، بالإضافة إلى بناء الثقة التي تُعد جوهرية لأي شراكة ناجحة.
إلى جانب ذلك، تُعد مهارات التواصل الفعّال ضرورية لإدارة الفريق وتحفيزه. كما أن رواد الأعمال بحاجة إلى القدرة على توجيه فرق العمل بوضوح وتقديم التعليمات البنّاءة، بالنظر إلى أن التواصل الجيد يعزز من روح الفريق ويزيد من الإنتاجية، كما يسهم في حل الخلافات بسرعة وفعالية. كما أن القدرة على الاستماع الجيد وفهم احتياجات ومخاوف الموظفين تعزز من بيئة العمل الإيجابية والمحفزة.
تجربة وارن بافيت
في كل عام، وقبل اجتماع المساهمين في شركة بيركشاير هاثاواي، يصطف مئات الأشخاص خارج صالة مركز CHI الصحي في أوماها، نبراسكا، للاستماع إلى خطاب وارن بافيت.. بعض الناس يأتون للحصول على نصائح الاستثمار، ويتوق آخرون إلى نصيحة بافيت الحياتية.
لكن على الرغم من شهرته، لم يكن بافيت خطيباً متواصلاً بالفطرة دائماً، ذلك أن فكرة التحدث أمام الجمهور كان محل قلق بالنسبة إليه، حتى اختار على وجه التحديد دورات جامعية لتجنب التحدث أمام الفصل، كما قال للمؤلفة جيليان زوي سيغال في مقابلة معها.
بعد تخرجه في كلية كولومبيا للأعمال في العام 1951، أصبح بافيت مصمماً على التغلب على خوفه من التواصل والحديث أمام جمع من الناس، فالتحق بدورة للتحدث أمام الجمهور بقيمة 100 دولار في معهد ديل كارنيغي للتدريب ، وهو معهد سمي على اسم المتحدث المؤثر ومؤلف كتاب "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس" وغيره من الكتب الأكثر مبيعاً.
وقال بافيت لسيغال: "كان للفصل بالتأكيد التأثير الأكبر فيما يتعلق بنجاحي اللاحق.. إن التحسن المتواضع نسبياً في مهارات الاتصال لديك يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً في قدرتك على الكسب في المستقبل، وكذلك في العديد من الجوانب الأخرى في حياتك"، وفق ما ذكره تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية.
ويعد التواصل الإيجابي أحد المفاتيح الرئيسية لنجاح رواد الأعمال والمشاريع المختلفة. وفي هذا السياق استعرض تقرير الشبكة الأميركية بعض الطرق الأكثر فعالية لتصبح متواصلاً أفضل، وفق جو هارت، الرئيس التنفيذي لشركة ديل كارنيغي، الذي قال إنه لا يزال بإمكان المحترفين الاستفادة من الدروس التي استخدمها بافيت في دورة التحدث أمام الجمهور.
أولاً- تعلم قدر ما تستطيع
كتب كارنيغي نفسه ذات مرة : "تحدث عن شيء تعرفه وتعرف أنك تعرفه.. لا تقضي 10 دقائق أو 10 ساعات في التحضير للمحاضرة: اقضِ 10 أسابيع أو 10 أشهر.. والأفضل من ذلك، أن تقضي عشر سنوات"، في كناية عن ضرورة التعلم قدر المستطاع.
ثانياً- تحدث عن تجاربك الخاصة
كتب كارنيغي أيضاً أن جعل الخطاب شخصياً هو أقصر طريق لكسب تأييد الناس. وغالباً ما يفعل بافيت هذا في محادثاته، ويضيف حكايات من حياته ومسيرته المهنية لتوضيح وجهة نظره.
ثالثاً- قم بتدوين الملاحظات، وليس المسودة
عندما يتحدث بافيت، نادراً ما ينظر إلى التدوينات المسبقة أو الملاحظات، ذلك أن أحد المبادئ الأساسية لكارنيغي هو أن الخطاب الجيد لا يتم نسخه بالكامل مسبقاً. واقترح كارنيغي الرجوع إلى الملاحظات الموجزة؛ لأن القراءة من النص يمكن أن تمنعك من الحضور.
وكتب: "عندما تقف لتتحدث، ستجد نفسك على الأرجح تحاول أن تتذكر ما كتبته.. هذا سوف يمنعك من التحدث بشكل طبيعي وبتألق".
رابعاً- تحمّس للموضوع
وقال هارت إن الابتسامة وامتلاك "طاقة إيجابية" والثقة يحدثان فرقاً كبيراً.
فيما يخص بافيت، فقد أصبح شغوفًا بالاستثمار والمال وتحقيق النجاح في سن مبكرة. ويأتي هذا الحماس الدائم في خطاباته ومقابلاته.
وكما قال كارنيغي: "حتى الأشخاص الذين يتمتعون بقدرة متوسطة على التحدث قد يجرون محادثات رائعة إذا تحدثوا عن شيء أثارهم بشدة".
التواصل الإيجابي.. مفتاح الوصول
يرى الخبير في العلاقات العامة والإدارة، إيهاب كاسب، أن رواد الأعمال يواجهون الكثير من التحديات، بداية من إيجاد الأفكار المناسبة، وصولاً لتوفير المكان الملائم وفريق العمل والاحتياجات المالية الأساسية لبدء تحويل الفكرة إلى مشروع على أرض الواقع.
ويضيف في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- يتوجب على رائد الأعمال بذل كل ما في وسعه؛ لكسب المهارات اللازمة ليصبح أكثر قدرة على الصمود في سوق العمل المنافسة، لا سيما في السنوات الخمس الأولى من عمر المشروع.
- السنوات الأولى من عمر المشروع تتمثل في القدرة على بناء العلاقات والاتصالات المختلفة، بغرض تحقيق التواصل الإيجابي مع كافة الشركاء في المجتمع، بداية من فريق العمل والممولين وصولاً لشركاء التوزيع وكذلك الجمهور المستهدف.
- الأزمة والتحدي الحقيقي بالنسبة لرائد الأعمال تتمثل عادة في حداثة المنتج أو الخدمة في السوق، فيبقى من الصعب وليس المستحيل كسب ثقة الجمهور المستهدف وبناء العلاقات الإيجابية وتشجيعهم على تجربة المنتج والخدمة التي يقدمها.
- من المهم أن يستطيع رواد الأعمال تحقيق القدرة على التواصل بشكل فعال مع الآخرين، بما يخدم تحقيق التوعية بالعلامة التجارية وتفرد وجودة المنتجات التي يقدمونها من خلال شركاتهم الحديثة.
ويشدد على ضرورة امتلاك رواد الأعمال مجموعة من المهارات اللازمة والأساسية لضمان نجاح مشروعاتهم، بما في ذلك الاستثمار في تنمية مهاراتهم، لا سيما وأن رصيد رواد الأعمال بالأساس يكمن في مهاراتهم، خاصة مهارات العرض والإقناع، بالإضافة إلى مهارات الاتصال والتواصل الإيجابي، ومهارات التخطيط، ومهارات التفكير الابتكاري والإبداعي، ومهارات التفكير النقدي، ومهارات التشبيك وبناء العلاقات الإيجابية، ومهارات إدارة الوقت، وإدارة فريق العمل.
كل هذه المهارات تعد المقومات الأساسية التي تساعد رواد الأعمال على تحقيق النجاح لمشروعاتهم الناشئة وتضمن لها عنصري الاستمرار والاستدامة.
تحديد الفئة المستهدفة للتواصل معها
من جانبها، ترى الخبيرة الاقتصادية، شيماء سراج، أن رواد الأعمال عليهم أن يحددوا الفئة المستهدفة التي ستقدم لها الفكرة أو السلعة أو الخدمة المباعة، من أجل التواصل معها بوضوح.
وتفيد في حديثها مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بأن النجاح في تحديد الفئة المستهدفة يمثل بداية طريق النجاح، وبناءً على ذلك يتمكن رواد الأعمال من تلبية رغباتهم ومن ثم تحقيق الإقبال على الخدمة أو السلعة المقدمة.
يعتمد نجاح الوصول والتعامل مع تلك الفئة المستهدفة على قدرة رائد الأعمال على التواصل الإيجابي، متسلحاً بمهارات خاصة لعرض فكرته والترويج إليها والدفاع عنها.
كما يتعين مراعاة الظروف المحيطة والتوقيت؛ فقد تكون الفئة المستهدفة اعتادت على نمط معين لفترة طويلة، إلا أن الظروف المحيطة والتوقيت قد تحفز على حدوث التغيير. وترى الخبيرة الاقتصادية أن فرص تقديم ونجاح الفكرة أو السلعة أو الخدمة ستكون أكبر؛ لأنها ستقابل بالترحاب من جانب الفئة المستهدفة المهيئة لاستقبال هذا التغيير واعتماده، ومن هنا تبدأ نقطة انطلاق رائد الأعمال.
وتضيف سراج: ثمة عديد من الأمثلة مثل مجالات النقل والمواصلات التشاركية، ومشاريع التطبيقات الذكية، والأطعمة، وإقبال الفئات المختلفة على أنواع محددة من المأكولات والملابس، وظهور أنماط خدمية لم يعتدها المجتمع، ومع اختلاف الزمن تتغير التوجهات والأذواق.
وبهذا يصبح تحديد الفئة والتوقيت والفكرة ولغة وأداة تقديمها محددات النجاح والانطلاق لرائد الأعمال وهو ما يطلق عليه الاقتصاديون "الدراسة الاجتماعية والسوقية والاقتصادية" ولكن بشكل مبسط وحسب قدرة رائد الأعمال المبتدئ.
كذلك تُمكِّن مهارات التواصل رواد الأعمال من بناء علاقات قوية مع العملاء، مما يؤدي إلى تحسين مستوى رضاهم وزيادة الولاء للعلامة التجارية.
ومن خلال تواصل فعّال مع العملاء، يمكن لرواد الأعمال فهم احتياجات السوق بشكل أفضل وتقديم منتجات وخدمات تلبي تلك الاحتياجات بفعالية. كما أن القدرة على التعامل مع ملاحظات العملاء وشكاواهم بروح إيجابية تسهم في تحسين سمعة الشركة وزيادة فرص النجاح في السوق التنافسي.