تُواجه شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة الأميركية دعاوى قضائية جماعية بتهمة "التآمر للحد من الإنتاج" من أجل رفع الأسعار.. ما القصة؟
فبحسب تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، هذا الأسبوع، فإن بعض الشركات الكبرى العاملة في صناعة النفط الصخري في أميركا تواجه سيلاً من الدعاوى القضائية، تتهمها بالتواطؤ للحد من الإنتاج ورفع الأسعار، وذلك بعد ادعاءات مماثلة قدمتها الجهات التنظيمية المسؤولة عن مكافحة الاحتكار في البلاد.
وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية، فإن:
- شركات من بينها إكسون موبيل وأوكسيدنتال بتروليوم ودايموند باك إنرجي، تم إدراجها فيما لا يقل عن عشر دعاوى جماعية بتهمة "التآمر لتنسيق وتقييد إنتاج النفط الصخري"، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار الوقود داخل الولايات المتحدة.
- أحدث دعوى قضائية تم تحريكها مطلع الأسبوع الجاري في محكمة مقاطعة نيو مكسيكو.
- جاء ذلك بعد أيام من توجيه لجنة التجارة الفيدرالية اتهاماً إلى الرئيس السابق لشركة بايونير ناتشورال ريسورسز، سكوت شيفيلد، بمحاولة التآمر لرفع أسعار النفط.
- الدعاوى القضائية تستهدف نموذج الانضباط الرأسمالي للصناعة، ذلك أنها تحول تركيز المنتجين من بناء القدرات لتسريع الإنتاج استجابة لارتفاع الأسعار في السنوات الأخيرة، إلى إعادة الأموال للمستثمرين، وفق تقرير الصحيفة.
- المدعون في الدعوى المقامة في نيو مكسيكو زعموا أن فشل المجموعة في ضخ مزيد من الخام عندما ارتفعت أسعار النفط عقب الحرب في أوكرانيا يعد انحرافاً عن "ممارساتها السابقة ومصالحها الخاصة الرشيدة والمستقلة".
وبحسب تقرير الصحيفة، فإن الدعاوى القضائية تصدرت الواجهة على خلفية النتائج الصادمة التي توصلت إليها لجنة التجارة الفيدرالية الأسبوع الماضي، بعد أن اتهامها لشيفيلد بمحاولة التآمر لرفع أسعار النفط.
وعبرت بايونير، التي أصبحت الآن مملوكة لشركة إكسون موبيل، عن عدم موافقتها على الدعوى من قبل لجنة التجارة الفيدرالية، ووصفتها بأنها "تعكس سوء فهم جوهري لأسواق النفط الأميركية والعالمية، وتسيء تفسير نوايا شيفيلد".
وفي بيان لها، قالت إكسون إن مزاعم لجنة التجارة الفيدرالية بشأن شيفيلد "تتعارض تماماً مع الطريقة التي نمارس بها أعمالنا".
اتهامات تتطلب مزيداً من الإثباتات
من جانبه، يقول الباحث المتخصص في شؤون النفط والطاقة، عامر الشوبكي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- هذه المرة ليست الأولى التي تُتهم الشركات الأميركية بالتواطؤ لرفع أسعار النفط على مدى الثلاث أعوام الماضية منذ بدء الحرب في أوكرانيا، إذ تواجه الشركات اتهامات بتقليل الإنتاج لرفع الأسعار.
- لا توجد دلائل واضحة على أن ثمة اتفاقاً بين الشركات لتخفيض الإنتاج ورفع الأسعار.
- جميع الشركات كانت تتخذ إجراءات مناسبة لما يشهده الواقع الاقتصادي، وبالتالي كانت الكثير من الشركات تفضل عدم الاستثمار في مزيد من الإنتاج على حساب تزويد المستثمرين أو المساهمين بالأرباح ، وهذا يعد حقاً أصيلاً للشركات.
وبالتالي يعتقد بأن هذه الاتهامات الكثير منها ليس واقعياً، وستستغرق وقتاً حتى إثبات إذا كانت هذه الشركات متواطئة فيما بينها لتقليص الإنتاج أو التحكم في الأسعار في الأسواق، وهو ما يحتاج إلى إثباتات كثيرة وقد يكون مؤشراً خطيراً يضع مزيداً من الضغوط على شركات النفط الأميركية.
وتوقع توماس بيرت، الشريك في شركة "وولف هالدنشتاين"، وهي شركة محاماة تمثل المدعين في القضية المقدمة في نيومكسيكو، تقديم المزيد من الدعاوى القضائية القضائية ضد شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة، بحسب التصريحات التي نقلتها عنه صحيفة "فاينانشال تايمز".
وأضاف: "ليست هذه المرة الأولى التي يثير فيها العاملون بصناعة النفط الفوضى، حيث يتطلب الأمر جهداً كبيراً لتصحيح الوضع الأضرار كبيرة، ومن المحتمل أن تغطي الدعوى نحو 4 سنوات من مبيعات البنزين لثلثي سكان الولايات المتحدة".
- تم تحريك غالبية الدعاوى القضائية الجماعية ضد شركات النفط الصخري قبل قرار لجنة التجارة الفيدرالية الأخير بشأن شيفيلد، واعتمدت في الغالب على التصريحات العامة للمديرين التنفيذيين لشركات النفط والتغطية الإعلامية لدعم ادعاءاتها.
- يتوقع خبراء قانونيون أن إجراءات لجنة التجارة الفيدرالية ستدفع المحامين إلى التعمق في الأدلة التي تم الكشف عنها أثناء تحقيق اللجنة في اندماج إكسون وبايونير.
ونقلت "فاينانشال تايمز" عن إريك غرانون، وهو محامي متخصص في مكافحة الاحتكار لدى شركة المحاماة "وايت آند كيس"، قوله إن اتهامات لجنة التجارة الفيدرالية بشأن انتهاج سلوك تواطئي في قضية إكسون وبايونير لم تكن ذات أثر قانوني على الدعاوى الجماعية.
ومع ذلك، أشار إلى احتمال أن تؤدي إلى إثارة قضايا مماثلة وتوفر بعض الخيوط التي ترشدهم للبحث عن الأدلة.
وتابع: "سيحاول محامو الدعاوى الجماعية الخاصة بلا شك متابعة تلك الدلائل التي تقدمها لجنة التجارة الفيدرالية في اكتشاف قضاياهم الخاصة".
وقال ستيوارت غروس، المحامي لدى شركة غروس كلاين بي سي: "نحن ندرك الآن وجود مجموعة شاملة من الأدلة وأنه تم تحديدها وتنظيمها، لذا سيواجه المدعي عليهم صعوبة في القول بإنه لا يحق لنا ذلك".
ويمثل غروس الصيادين التجاريين في دعوى قضائية جماعية تم رفعها في نيفادا ضد نفس شركات النفط الصخري الثمانية. وتزعم الدعوى أن الشركات تآمرت لافتعال رفع سعر وقود السفن.
تحديات كبيرة
من جانبها، تؤكد أستاذة الاقتصاد والطاقة بالقاهرة، وفاء علي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة، مشيرة إلى ما وصفته بـ "صراع التقاضي" بين المستهلكين والمنتجين في أميركا، من خلال اتهام يوجهه المستهلكون إلى شركات النفط الكبرى متهمين إياها بالتواطؤ لرفع أسعار النفط.
وأضافت: "هذه ليست المرة الأولى التي تشتعل فيها السياسة التنافسية في الأسواق النفطية الأميركية بما يسمى التذمر الجماعي من سياسات شركات النفط الصخري في تقليل الإنفاق الاستثماري على ملف النفط الصخري مع الاحتفاظ بعوائد المساهمين على حساب المستهلك الأميركي، المتضرر الأول من هذا الوضع، خاصة وأن الجميع ينظر إلى حالة تلجيم رؤوس الأموال في النفط الصخري كوسيلة محبوكة لرفع أسعار النفط وزيادة أرباح الشركات.
وأشارت إلى أن سياسة شركات النفط الصخري قد مالت إلى المصلحة الذاتية وأرباح شركاتها على حساب مستهلكي النفط من أجل رفع مستوى الأسعار، ولذلك فالمسار المستقبلي لصناعة النفط الصخري أو غيرها ستظل رهينة أطماع الكبار وأخطائهم.
قانون شيرمان
وتزعم الدعاوى الجماعية أن شركات النفط الصخري انتهكت قانون شيرمان، وهو قانون فيدرالي يهدف لتعزيز المنافسة من خلال منع الشركات من التآمر أو الاندماج لتشكيل قوى احتكارية، بالإضافة إلى قوانين مكافحة الاحتكار وحماية المستهلك في الولاية.
إلا أن خبراء القانون أشاروا إلى أن الاتهامات الموجهة إلى شيفيلد في قرار لجنة التجارة الفيدرالية لم يتم التحقق منها في ساحات القضاء بعد، ولم يُعرف بعد ما إذا كانت اللجنة ستحيل المسألة إلى وزارة العدل لإجراء المزيد من التحقيقات.
وأوضح غرانون أنه ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت البيانات التي جمعتها لجنة التجارة الفيدرالية تشكل دليلاً على وجود تواطؤ.
وقال: "إن إدلاء أحد المسؤولين التنفيذين بتصريح أحادي الجانب، حتى للمنافسين، بأن من مصلحتهم المشتركة رفع الأسعار أو خفض الإنتاج، لا يعد انتهاكاً لقوانين مكافحة الاحتكار، ولا يصبح انتهاكاً إلا إذا كان ثمة اتفاق بينهم".
في سياق متصل، يتحدث خبير اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عن العوامل العامة التي تحكم الأسعار، بالإشارة إلى أن:
- هناك أسعار عالمية تعكس أساسيات العرض والطلب وتتأثر بعوامل جيوسياسية قد تخلق أزمة إمدادات في السوق كما شهدنا بالتزامن مع الحرب في أوكرانيا وتوترات البحر الأحمر والتهديدات الإيرانية والإسرائيلية المتبادلة.
- هناك أيضاً عوامل تؤثر في الأسعار مثل الكوارث الطبيعية كالأعاصير في خليج المكسيك التي تعطل منصات إنتاج النفط البحرية وأيضاً الحرائق في كندا التي تهدد إنتاج النفط من الرمال في ولاية البيرتا، وهناك أسعار التجزئة للوقود من بنزين وديزل الذي يمر بمراحل تتعلق بالتكرير والتخزين والنقل اللوجستي ثم الضرائب المحلية والفيدرالية وكل ذلك يغذي أسعار المستهلكين.
ويشير إلى أن صناعة إنتاج النفط الصخري في ولايات تكساس ونيو ميكسيكو وداكوتا الشمالية تتعرض لاتهامات بالتلاعب لرفع أسعار المستهلك.
وأوضح أنه من مصلحة شركات النفط الصخري أن تكون أسعار النفط فوق 80 دولاراً للبرميل، نظراً للتكلفة الباهظة في إنتاج النفط الصخري.
وأضاف أن تكلفة إنتاج البرميل في الشرق الأوسط لا تتعدى عدة دولارات لكل برميل بينما تكلفة إنتاج برميل النفط الصخري تتراوح بين 40 الى 45 دولاراً، وهذا الرقم ينخفض مع التقدم التكنولوجي ولكن إذا تهاوت أسعار النفط لأقل من 40 دولاراً للبرميل ستتعرض عديد من شركات النفط الصخري للإفلاس.
ويرى إسماعيل، في ظل التوجه الرسمي الأميركي نحو المزيد من الاستثمار في الطاقة المتجددة النظيفة، أن صناعة النفط الصخري تواجه تحديات ضخمة على المدى الطويل، ولكن يبقى النفط الصخري العمود الفقري للإنتاج النفطي الأميركي.
وحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية حيث يمثل قطاع النفط الصخري 64 بالمئة من إجمالي الإنتاج النفطي أي ما يزيد عن 8.50 مليون برميل يوميا، وإجمالي الإنتاج للنفط الأميركي التقليدي والصخري معا بلغ حوالي 13.1مليون برميل يومياً.