تترقب الأسواق التصريحات الصادرة عن مسؤولي الفيدرالي الأميركي خلال وبعد اجتماعه المنتظر هذا الأسبوع، والتي يُمكن أن تعطي إشارات بخصوص موعد "القرار الحاسم" فيما يتعلق بـ "خفض أسعار الفائدة"، لا سيما في ضوء عديد من المعطيات المعقدة، التي تجعل من الصعوبة بمكان توقع الاتجاهات القادمة خلال العام.
تتضمن تلك المعطيات مجموعة من البيانات الاقتصادية، التي تعطي دلائل متناقضة تعزز حالة اللايقين السارية في الأسواق بخصوص اتجاهات الفيدرالي وموقفه من خفض الفائدة، لجهة الموعد ونسب الخفض خلال العام الجاري.
ويشار إلى بيانات وزارة التجارة الأميركية، أظهرت أن مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي السنوي، والذي يستثني مكونات الغذاء والطاقة المتقلبة، قد ظل دون تغيير عند 2.8 بالمئة خلال مارس الماضي، بعكس التوقعات أن يتراجع إلى 2.6 بالمئة.
كما ظل مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي الشهري في مارس دون تغيير عند 0.3 بالمئة، بما يتماشى مع التوقعات. وارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي السنوي في الولايات المتحدة خلال مارس بأكبر من المتوقع إلى 2.7 بالمئة، من 2.5 بالمئة في فبراير.
في هذا السياق، رصد محللون في تصريحات متفرقة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أبرز السيناريوهات المطروحة على طاولة الفيدرالي في ظل تلك المعطيات الراهنة.
حالة اقتصادية غير مسبوقة
في البداية، أوضح كبير الاقتصاديين بشركة "ACY"، نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أنه منذ يوليو 2023 وأسعار الفائدة ثابتة لدى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وهذا بعدما رفعها 11 مرة، أي أننا اقتربنا من عام من ثبات أسعار الفائدة.
وأشار إلى أن الفيدرالي الأميركي يواجه خلال الفترة الحالية "حالة اقتصادية فريدة غير مسبوقة" تتمثل في عدة عناصر، وهي:
- مستوى عالٍ من التضخم فوق هدف الاحتياطي وهو 2 بالمئة سنوياً.
- سوق عمل قوية جداً تتوافق مع النمو في معدلات الأجور، ومعدل بطالة منخفض تاريخي بشكل غير مسبوق.
- وضع جيوسياسي معقد ومتقلب كان له تأثير كبير على الطلب الكلي من جهة ارتفاع تكلفة الطاقة والغذاء، على الرغم من بُعد الولايات المتحدة الأميركية عن هذا الوضع المعقد.
- محاولة الانتهاء من عمليات التيسير الكمي التي قامت بها الحكومة الأميركية بسبب الجائحة بداية من العام 2020، والتي كانت تتطلب أن تتم بشكل سلس وناعم ولا يؤثر على السوق المالية والمؤسسات.
وأفاد بأن هناك ضرورة إلى أن يجيب الاحتياطي الفيدرالي عن سؤال أساسي، وهو "هل عاد التضخم إلى مسار الارتفاع مرة أخرى أم أن المشكلة هي في الوقت الذي سيستغرقه معدل التضخم ليبدأ بالانخفاض، أو أنه في الطريق إلى ذلك؟"، موضحاً أن ذلك ما سيحدد اتجاه الفيدرالي فيما يخص أسعار الفائدة والأداء الاقتصادي في الولايات المتحدة الأميركية.
وفي معرض شرحه لموقف الفيدرالي، أوضح أنه إذا كان الجواب بأن التضخم قد عاود بالارتفاع فإن ذلك سيجبر الفيدرالي الأميركي على رفع أو على الأقل تثبيت أسعار الفائدة كما هي، وهو يعلم تماما أن هذا سيُلحق ضرراً كبيراً بعدد من المصارف والمؤسسات المالية وقد يتحول إلى كارثة حقيقية.
أما بالنسبة للسؤال الثاني فأضاف أنه إذا كانت الإجابة بأن الأمر يتعلق فقط بالوقت وأن التضخم في طريقه للانخفاض، فالفيدرالي حتما سيقوم بخفض أسعار الفائدة ولكن بعد أن يتأكد من البيانات فيما يخص سوق العمل ومؤشرات أخرى لها علاقة بمستوى التصنيع ومعدلات البطالة، وبالتالي ما زال الاحتياطي الفيدرالي أسيراً للبيانات والأرقام قبل أن يقوم بأي تحرك.
وسلط الضوء على أن الولايات المتحدة الأميركية تمر بحالة اقتصادية فريدة، فبالرغم من أن الفيدرالي الأميركي لا يبحث في التأثيرات الجيوسياسية علناً، لكنه يعي تماماً أن تأثيراتها قد تكون قوية على الاقتصاد الأميركي، وأنه أمام معضلة واستحقاقات كثيرة فيما يخص أداء الاقتصادي الحالي والمستقبلي.
وقال إن كل التوقعات الحالية تشير إلى أن عملية خفض أسعار الفائدة قد تأجلت، وإن حدثت ستكون قرب نهاية العام الجاري، مشيراً إلى أن البيانات والأرقام ستكون هي المرشد والدليل الأول للاحتياطي الفيدرالي قبل أن يقوم بأي فعل فيما يخص أسعار الفائدة.
واختتم قائلاً: "البيانات والأرقام في الفترة الماضية وخلال العام السابق كانت السوق والاحتياطي الفيدرالي نفسه عاجزا عن تحليلها وتبريرها، خاصة وأنها كانت دائما تشهد مفاجآت بشكل خاص فيما يخص سوق العمل وأعداد الوظائف الجديدة وتقديم طلبات الوظائف وحتى ثقة المستهلك ومعدلات التضخم"، موضحاً أن ذلك يعكس أن أميركا في حالة ودورة اقتصادية جديدة مختلفة عن السابقة التي انتهت وهبطت هبوطاً ناعم، وأن الدورة الجديدة ستكون مختلفة عن السابقة التي كانت متأثرة بجائحة كورونا والوضع الجيوسياسي المعقد.
عوامل تؤثر على قرار الفيدرالي
بدوره، استبعد رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يارك، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن يتجه الفيدرالي الأميركي لخفض الفائدة في الوقت الحالي، متوقعاً أن يحدث الخفض في سبتمبر المقبل أو أن يؤجل إلى ديسمبر، وذلك لمرة أو مرتين على أقصى تقدير هذا العام.
وأفاد بأن هناك عدة عوامل تؤثر على قرارات الفيدرالي الأميركي، وتدل على إبقاء أسعار الفائدة عند المستويات الحالية، وأنه لا نية لخفضها سريعاً، ما يعطي قوة للدولار، وهي:
- أرقام التضخم المرتفعة، خاصة أن المستهلك الأميركي لديه قوة كبيرة للإنفاق تكون داعمة للتضخم.
- معدل التضخم الذي لا يزال بعيداً عن مستهدف الاحتياطي الأميركي 2 بالمئة.
- أداء الشركات والاقتصاد الأميركي جيد.
- حجم الدين الأميركي والإنفاق الحكومي كبير.
وتوقع أن يشهد الاجتماع المرتقب لبنك الاحتياطي الفيدرالي بعض التعديل بلهجته وليس اتخاذ أي قرارات بخفض أسعار الفائدة.
أبرز السيناريوهات المتوقعة
فيما رجح كبير محللي الأسواق في XTB MENA هاني أبو عاقلة، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن يُقدم الفيدرالي الأميركي على خفض سعر الفائدة في ديسمبر المقبل أو بالربع الأخير من العام عموماً، موضحاً أن أرقام التضخم الحالية لا تدعم خفض الفائدة قريباً، بعد أن كان متوقعاً أن يخفضها بالربع الثاني من العام.
وأشار إلى أن:
- قراءات التضخم ثلاث مرات متتالية أعلى من المتوقع.
- قراءة الناتج المحلي الإجمالي الأميركي6 بالمئة بالربع الأول على أساس سنوي، هي دلالة واضحة على التباطؤ مقارنة بالربع الرابع من العام الماضي الذي سجل 3.3 بالمئة.
- يُتوقع أن تصبح القراءات القادمة مؤثرة بصورة كبيرة على قرار الفيدرالي وأن يأخذها في الحسبان؛ لأنها تعكس تباطؤ الاقتصاد الأميركي.
وتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأميركية خلال الربع الأول من العام الجاري بأكبر من التوقعات، وذلك في قراءة أولية، ليسجل أبطأ وتيرة نمو في نحو عامين، مع تزايد العجز التجاري بسبب قفزة في الواردات لتلبية إنفاق استهلاكي لا يزال قويا.
ولكن تسارع التضخم عزز التوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لن يخفض أسعار الفائدة قبل سبتمبر.
وأظهرت بيانات مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي التابع لوزارة التجارة أن نمو الاقتصاد الأكبر في العالم قد بلغ 1.6 بالمئة على أساس سنوي خلال الربع الأول من 2024، مقابل توقعات بأن يتباطأ إلى 2.5 بالمئة.
وأوضح أبو عاقلة أن الفيدرالي دائما ما يميل إلى تحقيق وعوده، فحينما يذكر أنه سيخفض الفائدة يمكن أن يخفضها بالفعل مع تصريح "منخفض الحدة" أي يخفض الفائدة ولا يبشر بخفض قادم.
وذكر أن وضع الاقتصاد الأميركي قادر على تحمل عدم الخفض القريب، موضحاً في الوقت نفسه أن ما سيفاقم الأزمة أكثر حال تثبيت الفائدة، فقط حالة التباطؤ الاقتصادي، وكذلك وضعية البنوك الكبرى المنكشفة على العقارات التجارية.
بحسب بيانات Trepp، تواجه البنوك الأميركية ديونًا مستحقة للعقارات التجارية بقيمة 560 مليار دولار بحلول نهاية العام المقبل.
كذلك لم يستبعد أن يتم تأخير عملية الخفض بقدر الإمكان والتلويح باحتمالية الرفع في أي وقت، لمحاربة التضخم.
التوقيت المثالي لخفض الفائدة
أما الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، فقد أوضح في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن التوقيت الدقيق لبدء خفض معدلات الفائدة يعتمد بشكل كبير على مؤشرات الاقتصاد الكلي، خاصة معدل التضخم والنمو الاقتصادي، فعلى سبيل المثال، إذا استمر معدل التضخم في الولايات المتحدة أبعد نسبيا من الهدف المحدد من قبل الفيدرالي والذي يبلغ 2 بالمئة، فمن المرجح أن يؤجل خفض الفائدة حتى يتم التأكد من استقرار التضخم وعودته إلى المستويات المستهدفة.
وأشار إلى أن التوقعات السابقة كانت تنبئ بأن الفيدرالي الأميركي سيخفض معدل الفائدة ثلاث مرات خلال النصف الثاني من العام الجاري، بواقع 25 نقطة أساس في كل مرة، ومع ذلك، وبالنظر إلى ارتفاع معدل التضخم عن التوقعات في آخر ثلاثة قياسات، فإن الآن يُتوقع أن يتم خفض الفائدة مرة واحدة فقط.
وأفاد بأنه في حال قرر الفيدرالي الأميركي تأجيل خفض الفائدة لفترة أطول، فإن ذلك قد يعكس تقييماً بأن التضخم لا يزال يمثل تحدياً يتطلب مزيداً من الرقابة، بينما في المقابل، تأخير تخفيض الفائدة يمكن أن يعزز قوة الدولار الأميركي، مما يؤثر على الصادرات بشكل سلبي، ويزيد من تكلفة السلع والخدمات الأميركية في الأسواق العالمية.
وأكد أن استمرار المراقبة لأسواق العمل والاستهلاك أمر أساسي في تحديد متى يكون من المناسب خفض الفائدة، على سبيل المثال، إذا بدأ الاقتصاد في إظهار علامات التباطؤ، وتراجع الوظائف والاستهلاك، قد يكون ذلك دافعاً للفيدرالي للنظر في تخفيض الفائدة لتحفيز النمو.
وأوضح أن تأخير خفض الفائدة يمكن أن تكون له تأثيرات متعددة على الاقتصاد الأمريكي، قائلًا:
- من ناحية، يساعد الإبقاء على معدلات فائدة مرتفعة في السيطرة على التضخم.
- من ناحية أخرى، قد يعيق ذلك الاستثمار والاستهلاك، مما يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.
وبالنسبة لقدرة الاقتصاد الأميركي على تحمل معدلات فائدة مرتفعة، أوضح أن هذا يعتمد بشكل كبير على الديناميكيات الداخلية للاقتصاد، فعلى الرغم من أن الاقتصاد الأميركي يظهر مرونة كبيرة، إلا أن هناك قطاعات قد تتأثر بشكل كبير بارتفاع تكاليف الاقتراض، كقطاع الإسكان والبناء، الذي يعتمد بشكل كبير على القروض والتمويل، وهو ما قد يشهد تباطؤاً في حال استمرار الفائدة المرتفعة.