خص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الصين، بتصريحات مباشرة خلال خطابه الأول عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية بولاية خامسة مدتها ست سنوات، وهو ما يعكس مستوى الشراكة والتقارب بين البلدين خلال الفترة الأخيرة بشكل خاص.
وحصل بوتين على أكثر من 87 بالمئة من أصوات الناخبين الروس في الانتخابات التي أجريت على مدار ثلاثة أيام بدأت الجمعة الماضي واختتمت الأحد 17 مارس.
وخلال "خطاب النصر" بموسكو بعدما حقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزا ساحقا في الانتخابات الرئاسية، وجه رسائل عديدة قوية تبرز مستوى العلاقات مع الصين، أبرزها:
- وصف العلاقات بين روسيا والصين بأنها عامل استقرار، بينما تتيح العلاقات الشخصية الجيدة بين رئيسي البلدين تطوير العلاقات بشكل أكبر، ما يتيح الحفاظ على تلك العلاقات.
- قال إن العلاقات مع بكين قوية للغاية، تبلورت على مدى العقدين الماضيين.
- قال: "مصالحنا القومية تتوافق، وهذا يخلق بيئة مواتية لحسم مهامنا المشتركة وفي مجال العلاقات الدولية، حيث تعد العلاقات بين روسيا والصين عامل استقرار".
- روسيا والصين لديهما عدد من نقاط التقارب في الاقتصاد والسياسة الخارجية.
- قال إن الصين تتطور بسرعة وبثقة كبيرة، والأمر المهم للغاية هو أن هيكل الاقتصاد الصيني يتغير نحو الابتكار، و"نحن نحاول أن نفعل الشيء نفسه في الداخل، ونواجه تماماً المهام نفسها في روسيا".
- قال: "آمل في أن يواصل البلدان تعزيز تعاونهما، وتعزيز العلاقات وتحقيق نجاحات مشتركة لصالح شعبي روسيا والصين".
وفي وقت انتقدت فيه حكومات غربية على رأسها فرنسا وألمانيا وأميركا فوز الرئيس بوتين بانتخابات وصفتها بأنها غير حرة أو نزيهة، أقدم الرئيس الصيني شى جين بينغ على تهنئته بالفوز بولاية جديدة، وهو ما يعكس دعمه لبوتين، وقال الرئيس الصيني في برقية التهنئة: "اتحد الشعب الروسي في السنوات الأخيرة وتغلب على التحديات وحقق تقدما ثابتا على طريق التنمية والنهضة الوطنية".
ووصف محللون في تصريحات متفرقة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" العلاقات بين موسكو وبكين بأنها علاقات قائمة على المصالح المتبادلة.
مصالح متبادلة
من جهته أوضح الأستاذ في مدرسة موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن روسيا والصين تستفيدان من العلاقات بينهما في عدة ملفات، منها:
- أن الصين تحولت الآن إلى المشتري الرئيسي لموارد الطاقة الروسية بعد أن خسرت روسيا السوق الأوروبية.
- أصبح اليوان الصيني بديلًا للعملات التي تعتبرها روسيا هامة مثل الدولار واليورو، وفعليا أصبح عملة احتياط في روسيا.
- روسيا تستفيد من الصين بالحصول على سلع تكنولوجية لم يعد في مقدورها الحصول عليها من الغرب.
وبيّن أن روسيا لديها تكتيكًا رئيسيًا للاستفادة من علاقاتها مع الصين يعتمد على الملف الاقتصادي، موضحًا أن استمرار التعاون الاقتصادي بين البلدين يبطل مفعول العقوبات الغربية وأثرها على موسكو، كذلك العلاقة باتت عبارة عن تحالف سياسي ربما لم يصل إلى تحالف استراتيجي "ونلاحظ أن بكين تدعمها علنيًا وضمنيًا في كافة المحافل الدولية ولا تنضم لأي عقوبات في حقها".
وذكر أن الآفاق الرئيسية للعلاقات بين البلدين خلال الولاية الجديدة لبوتين تتعلق بمواصلة تطوير التجارة البينية التي تخطت مائتي مليار دولار سنويا، متوقعًا أن تزيد لأكثر من ذلك مع الطلاق التدريجي بين روسيا وأوروبا وزيادة الشراكة مع الصين.
- بحسب نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، فإن نصف صادرات روسيا من النفط والبترول في عام 2023 ذهبت إلى الصين، التي ارتفعت حصتها إلى ما يقرب من 45 إلى 50 بالمئة.
- بيانات الجمارك الصينية تشير إلى أن روسيا شحنت كميات قياسية بلغت 107.02 مليون طن متري من النفط الخام إلى الصين العام الماضي، أي ما يعادل 2.14 مليون برميل يوميا، وهو ما يزيد كثيرا عن وارداتها من مصدرين رئيسيين آخرين مثل السعودية والعراق.
- وصل حجم التجارة بين الصين وروسيا إلى أكثر من 240 مليار دولار، بحسب بيانات جمركية، متجاوزة الهدف البالغ 200 مليار دولار الذي حدده البلدان الجاران في اجتماعات ثنائية العام الماضي.
مزيد من التطور
وفي حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أكد الباحث في الشؤون الصينية، حسين إسماعيل، أن العلاقات الصينية الروسية في السنوات الأخيرة أصبحت شديدة التميز، مشيرًا إلى ما قاله الرئيس الصيني شى جين بينغ إن البلدين يربطهما تعاون لا محدود في كافة المجالات.
وقال إن المتوقع للعلاقات بين موسكو وبكين خلال الولاية الجديدة للرئيس فلاديمير بوتين أن تشهد مزيدًا من التطور على المستوى الاقتصادي ومستوى التنسيق السياسي والأهداف الاستراتيجية لكلا البلدين على الساحة الدولية وعلى مستوى رؤيتهما للنظام السياسي والاقتصادي الدولي.
واستطرد: "لم يكن من المستغرب أن يختص الرئيس بوتين الصين بالكثير من الحديث خلال خطابه الأول، والثناء على العلاقات الروسية الصينية، كما أن الصين كانت من أوائل الدول التي بادرت لتهنئة بوتين على إعادة انتخابه وأكدت في هذه البرقية على العلاقات وتميزها".
وأكد أن هناك عديداً من المجالات التي تسمح للبلدين بتوثيق العلاقات بينهما، وتعظم من منافعهما خلال الولاية الجديدة للرئيس بوتين:
- مجال التبادلات الاقتصادية والتجارية، ومجالات إمدادات النفط والغاز على وجه التحديد، فكما هو معروف أن الصين دولة كبرى مُستهلكة للوقود والطاقة وروسيا لديها الوفرة من الإنتاج النفطي ويمكن أن تستفيد من ذلك.
- الصين لديها تقنيات مدنية متطورة يمكن أن تستفيد منها روسيا في مقابل أن الاتحاد الروسي لديه عديد من الإمكانات التكنولوجية العسكرية التي يمكن أن تستفيد منها الصين.
- هناك مشروعات مشتركة يمكن للبلدين القيام بها في بلدان ثالثة.
- الصين لديها وفرة من رأس المال الذي يسمح لها بإقامة مشروعات ضخمة، فمبادرة الحزام والطريق الصينية هي إطار يسمح للبلدين العمل سويًا وبخاصة في مجال البنية الأساسية في منطقة آسيا الوسطى.
- يجمع بين البلدين تجمع بريكس وهو تجمع يسمح لهما بالعمل على الصعيد العالمي على المستوى الاقتصادي والمالي والدولي.
التوازن أمام أميركا
أكد إسماعيل أن استكمال مسيرة تعزيز العلاقات الروسية الصينية خلال الولاية الجديدة لبوتين من شأنه أن يحدث نوعًا من التوازن أمام أميركا، موضحًا أن هناك استقطابا دوليًا الولايات المتحدة في طرف والصين وروسيا وأصدقائهما في الطرف الآخر.
وأشار إلى أن العلاقات بين بكين وموسكو لن تكون على حساب علاقاتها مع واشنطن، وأن الخلافات بينهما لم تكن بسبب علاقتها مع روسيا بينما بسبب عوامل موضوعية تتعلق بقوة دولية جديدة صاعدة تبزغ على المسرح الدولي وقوة عظمى تخشى على مكانتها، وهو تنافس تاريخي بين القوتين.
وأضاف: الجانب الأميركي يحاول كبح صعود الصين، والأخيرة من جانبها تحاول أن تنوع اختياراتها وأن تجد لها أصدقاء في أرجاء العالم، مؤكدًا أن الاتحاد الروسي صديق قوي يعتمد عليه خاصة وأن هناك رؤية مشتركة بين البلدين فيما يتعلق بالمعايير الدولية والنظام السياسي والاقتصادي الدولي، والعديد من السياسات التي ينتهجها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.