يحذر أحد خبراء السوق الأميركية المخضرمين من أن الاقتصاد الأميركي يتجه نحو الركود مع عودة التضخم إلى الارتفاع، بجانب وجود مؤشرات توضح أن الأسهم قد تكون على وشك انخفاض كبير.
وبحسب مؤسس موقع النشرة الإخبارية الاستثمارية "Bull And Bear Profits" والمصرفي الاستثماري السابق في "بنك جيه بي مورغان" ومؤسسة "ميريل لينش"، جون ولفنبارغر، في مذكرة، الأسبوع الماضي، فإن الاقتصاد الأميركي لا يزال يتجه نحو الانكماش.
وقال إن أحدث دليل على ذلك هو عودة التضخم إلى الظهور.
وفي حين بلغ مؤشر أسعار المستهلكين 3.1 بالمئة على أساس سنوي في يناير، بانخفاض عن 3.4 بالمئة في ديسمبر، فإن ولفنبارغر يركز بشكل أكبر على ما يسمى بالتضخم الفائق.
التضخم الفائق هو المقياس المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي للتضخم، لأنه يستثني مكونات الغذاء والطاقة المتقلبة، فضلا عن تكاليف الإسكان، ويسمح لبنك الاحتياطي الفيدرالي بالتركيز على تكلفة العمالة.
وفي تصور ولفنبارغر، فإن ارتفاع التضخم مرة أخرى يعني أنه من المرجح أن يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، وهو ما كان تاريخياً بمثابة ضغط على الاقتصاد والأسهم، طبقاً لما نقلته عنه منصة business insider أخيراً.
- وبحسب تقرير المنصة ذاتها فقد بدأت احتمالات سوق الخيارات بالفعل تعكس هذا التغيير. وفي ديسمبر، كان المستثمرون يتوقعون تخفيضات أسعار الفائدة في وقت مبكر من مارس 2024. وتبلغ احتمالات حدوث ذلك الآن 2.5 بالمئة فقط، وفقًا لأداة Fed Watch.
- يضع المستثمرون أعلى الاحتمالات على التخفيض في يونيو. ويقول البعض إن الخطوة التالية لبنك الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن تكون رفعًا إذا ارتفع التضخم بدرجة كافية. وقال وزير الخزانة السابق لورانس سمرز في وقت سابق من هذا الشهر إنه يضع فرصة بنسبة 15 بالمئة لهذه النتيجة.
وبالعودة لتصريحات ولفنبارغر، فإنه بالإضافة إلى احتمال حدوث تضخم آخر، فإن مؤشرات الركود المعتادة لا تزال تومض باللون الأحمر، وهي تشمل منحنى عائد سندات الخزانة والمؤشر الاقتصادي الرائد الصادر عن مجلس المؤتمر، والذي يتمتع بسجلات مثالية في فترات الركود السابقة على مدى العقود العديدة الماضية.
في حين أن الصورة الكلية تظهر علامات التدهور، فإن بعض المؤشرات الفنية تظهر أيضًا مشاكل محتملة في المستقبل بالنسبة للأسهم.
معدل التضخم
الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، أوضح في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أنه:
- في يناير 2024، سجل معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة 1 بالمئة، مما يشير إلى ارتفاع أسعار المستهلكين أكثر مما كان متوقعًا، وكانت الزيادات في تكاليف الإيجارات هي العامل الرئيسي وراء هذا الارتفاع.
- يُعتبر هذا الارتفاع في التضخم من العوامل التي يمكن أن تؤثر على القرارات المتعلقة بأسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي، بينما يشير البعض إلى أنه قد يبدأ في خفض أسعار الفائدة في النصف الأول من العام نفسه.
- ومع ذلك، يُظهر التحليل الدقيق للبيانات أن بعض عناصر التضخم التي شهدت ارتفاعًا قد لا تؤثر بشكل مباشر على مؤشرات التضخم التي يتتبعها الفيدرالي لتحديد سياساته المالية، مثل مؤشر أسعار الاستهلاك الشخصي.
وأكمل أرشيد أنه من المهم أيضًا ملاحظة أن الاقتصاد الأميركي أظهر قدرة على الصمود في وجه التحديات، حيث أن معدل النمو الاقتصادي وسوق العمل ظلا قويين.
وهذا يعني أنه حتى مع وجود بعض علامات الضغوط التضخمية، فإن الاقتصاد لا يزال يُظهر علامات القوة، وقد تكون لديه القدرة على التعامل مع هذه التحديات دون الدخول في ركود حاد.
وواصل أرشيد بالنظر إلى هذه العوامل، قائلاً:
- يمكن القول إن الاقتصاد الأميركي يواجه فترة من الغموض، حيث تتوازن المخاوف المتعلقة بالتضخم مع الدلائل على القوة الاقتصادية.
- ومع ذلك، يتعين متابعة البيانات الاقتصادية القادمة بعناية لتحديد ما إذا كانت هذه الضغوط التضخمية ستستمر وكيف سيتعامل معها صانعو السياسات.
ركود متوقع
وتوقع مدير المركز العالمي للدراسات التنموية الدكتور صادق الركابي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" حدوث ركود في الاقتصاد الأميركي؛ وذلك لأن الزيادات السابقة في أسعار الفائدة تحتاج وقتاً ليتضح أثرها في خفض التضخم الذي أظهر صلابة أكثر من المتوقع.
وأضاف الركابي أنه رغم التراجع الطفيف في معدلات التضخم إلا أنه ليس بالوتيرة الكافية التي تسمح بخفض قريب لأسعار الفائدة، لذا فقد تراجعت التوقعات بأن يقدم الفيدرالي على خفض الفائدة في شهر مايو، حيث أن هذا الإجراء قد يتأخر لغاية يونيو القادم.
وأكمل الركابي:
- هذا بالتأكيد سيضغط على الطلب في قطاع الخدمات والأعمال وعلى انفاق المستهلكين، ذلك أن عدد الوظائف المتوقعة هذا العام سيكون أقل من العام الماضي.
- كذلك بالنسبة للمستهلكين فالأسعار المرتفعة ستؤثر بشكل واضح على معدل الإنفاق الذي يتوقع أن يشهد تراجعاً فقد أظهرت بيانات مبيعات التجزئة الأميركية لشهر يناير الماضي انخفاضاً كان أقل بكثير من المتوقع.
وواصل الركابي: "إذا كان الاقتصاد الأميركي قد شهد نمواً في الربعين الأخيرين من العام الماضي فإن ذلك يرجع للإنفاق الاستهلاكي؛ لذا فإن أي تراجع إضافي في بيانات التجزئة في ظل تأخير خفض أسعار الفائدة ستكون له آثار سلبية واضحة على النمو".
وأكد الركابي أنه رغم عدم تأثر الاقتصاد الأميركي المباشر بالتوترات الجيوسياسية حول العالم كالحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط والتوترات مع الصين، إلا أن هذه الأحداث تلقي بظلالها على حالة اليقين بالنسبة للمستثمرين.
هل هناك فجوة بين معنويات المستثمرين والواقع؟
ارتفع الحديث عن إمكانية ارتفاع التضخم في الأيام التي أعقبت تقرير التضخم لشهر يناير، والذي كان الشهر الثامن على التوالي الذي فشل فيه مؤشر أسعار المستهلك في الانخفاض إلى أقل من 3 بالمئة باتجاه هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي طويل المدى وهو 2 بالمئة.
ونقل business insider في تقريره المشار إليه عن المدير المشارك لصندوق Smead Value Fund، كول سميد، قوله إنه يتوقع أن يبلغ متوسط التضخم 5 بالمئة سنويًا خلال عشرينيات القرن الحالي، حيث يظل الإنفاق المالي مرتفعًا، مما يعزز حاجة إلى الحكومة للاقتراض، وبالتالي دعم أسعار الفائدة والإضرار بالأسهم ذات القيمة العالية.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، قدم الخبير الاستراتيجي في بنك جيه بي مورغان، ماركو كولانوفيتش، نقاطًا مماثلة في مذكرة، وحذر من أن الأمور قد تسوء قريباً.
وقال إنه على الرغم من احتمال تأجيل تخفيضات أسعار الفائدة حتى النصف الثاني من عام 2024 بفضل ارتفاع التضخم، فإن المستثمرين لم يحسبوا بعد المخاطر التي تأتي مع ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول.
وأضاف: "نعتقد بأن المستثمرين يجب أن يكونوا منفتحين بشأن وجود سيناريو مختلف، حيث يجب أن تظل أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، وقد يحتاج بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تشديد الظروف المالية. وكان ارتفاع سوق الأسهم بنسبة 25 بالمئة تقريبًا منذ أكتوبر يستند إلى إعادة تسعير سعر الفائدة".
"ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان التضخم سيرتفع بشكل ملموس مرة أخرى. وإذا ظل نمو الأسعار ضعيفا واستمر سوق العمل في إظهار جرأته، فمن الممكن أن تشهد الأسهم عاما جيدا آخر"، بحسب قوله.