لطالما اتّسمت العلاقة بين أميركا وشركات التقنية الصينية بالتوتر المستمر، فالولايات المتحدة تعتقد أن أغلب المنتجات الذكية الصينية من هواتف وتطبيقات، هي أدوات تجسس، يجب محاربتها ومنعها من جمع البيانات والمعلومات، المرتبطة بالمستخدمين وتحديداً الأميركيين منهم.
وقد أمضت واشنطن السنوات العشر الأخيرة، في إعاقة الزحف التكنولوجي الصيني إلى الأسواق العالمية، مستهلة حربها التكنولوجية ضد بكين، بمواجهة مع شركة "زد تي إي" لحلول الاتصالات، لتنتقل بعدها إلى محاربة منتجات شركة هواوي من هواتف ومعدات اتصال، ومن ثم إلى تطبيق تيك توك، لتتوسّع قائمة المستهدفين في 2021 وتشمل قطاع أشباه الموصلات الصيني.
قطاع جديد في مرمى العقوبات
ولكن يبدو أن المخاوف الأميركية المتزايدة بشأن أمن البيانات، ستضع قطاعاً صناعياً صينياً جديداً في مرمى العقوبات، حيث برزت في الأيام الأخيرة، نية لدى واشنطن، لاستهداف شركات السيارات الذكية الصينية، التي قد تجد نفسها في الفترة المقبلة أمام معضلة مماثلة للتي واجهتها كل من هواوي وزد تي إي.
وبحسب ما كشف تقرير لبلومبرغ فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تدرس ما هو أبعد من خيار فرض التعريفات الجمركية، لإبقاء السيارات الذكية الصينية خارج الولايات المتحدة، وذلك من خلال اللجوء إلى فرض قيود على عملية إستيراد هذا النوع من السيارات إلى أميركا.
وكشفت مصادر لبلومبرج أن قيود الإستيراد الأميركية التي يتم التحضير لها، سيتم فرضها على السيارات الكهربائية وأنواع أخرى من المركبات الصينية، وأيضاً على قطع الغيار التابعة لها، وذلك بغض النظر عن مكان تجميعها، بما يمنع المصنعين الصينيين، من نقل السيارات إلى أميركا بحجة أنها مُجمّعة في دولة ثالثة مثل المكسيك.
"كنوز البيانات" تُقلق أميركا
ويشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق من "كنوز البيانات"، التي يمكن جمعها بواسطة السيارات الذكية، فالمركبات الكهربائية تجمع كميات هائلة من المعلومات الحساسة، حول سائقيها والمناطق والشوارع التي تمر بها، وهو ما ترى واشنطن أنه سيساعد الصين في التجسس على مواطنيها، خصوصاً أن القوانين الصينية، تشترط على شركات السيارات الصينية، تخزين ومعالجة الكثير من تلك البيانات داخل البلاد.
وكانت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو، قد أعلنت منذ أيام أنها تشعر بالقلق، من أن البيانات التي تجمعها السيارات، قد تنتهي في أيدي بكين، مشيرة إلى الحظر الذي فرضته الصين على مرور سيارات شركة تسلا، بالقرب من التجمعات الحكومية، والتجمعات المخصصة للاستخدام العسكري، كما أنه لا يمكن قيادة سيارة تسلا في أجزاء معينة من الطرق الصينية، لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
وظلت شركات صناعة السيارات الصينية خارج الأسواق الأميركية جزئياً، بسبب الرسوم الجمركية المرتفعة التي بدأت أميركا بفرضها، منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن التعريفات، لن تعالج وحدها احتمال غزو السيارات الكهربائية الصينية للشوارع الأميركية، ونقلها المعلومات لبكين، فسعر المبيع بالمفرق للمركبات الكهربائية المصنوعة في الصين، أقل من نصف تلك المصنعة في الولايات المتحدة بحسب بلومبرج، لذا فإن طوفان السيارات الصينية في السوق الأميركية، يمكن أن يقلب في أي لحظة، جهود السلطات الأميركية لتعزيز إنتاج السيارات الكهربائية المحلية.
هل يمكن للسيارات الذكية أن تتجسس؟
يقول مهندس الاتصالات عيسى سعد الدين، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه خلال السنوات الأخيرة، أصبحت السيارات متصلة بشبكة الإنترنت بشكل كبير، وارتفعت قدرتها على تسجيل البيانات المتعلقة بالسائقين، وباتت تعرف الكثير من المعلومات عن مالكيها، فالسيارات الذكية والمتصلة بالإنترنت، يمكنها تتبع الأماكن الذي يذهب إليها السائق، وهي تسجل كل ضغطة على دواسة الوقود وتراقب متراً بمترٍ، وتجمع معلومات بيومترية مثل بصمة الوجه أو بصمة العين، ليتم بيع بعض تلك البيانات إلى جهات غامضة.
وكشف سعد الدين أنه في الوقت الذي يمكن فيه للهاتف الذكي، إنتاج ما يصل إلى 3 غيغابايت من البيانات في الساعة، فإن السيارات المصنعة حديثاً، يمكنها أن تنتج ما يصل إلى 25 غيغابايت من البيانات في الساعة، مع إمكانية أن ترتفع هذه النسبة في المستقبل، ونظراً لأن السيارات أصبحت تجمع المزيد من البيانات من السائقين والركاب، فقد أصبح الأمر أكثر إغراءً للقراصنة، وللجهات التي تجمع معلومات بغرض التجسس، مشيراً إلى أن أي جهاز مرتبط بشبكة الإنترنت، هو جهاز معرّض للاختراق، وهذا ما يجعل المعلومات الشخصية التي تمر عبره، عرضة السرقة.
وبحسب سعد الدين فإن جميع السيارات الحديثة تقريباً، باتت مزودة بتقنية المعلوماتية، التي تسمح للمركبة، بإرسال واستقبال المعلومات في الوقت الفعلي، تماماً مثل الهاتف الذكي، كاشفاً أن السيارات لديها مصدران رئيسيان لجمع البيانات، الأول، يتعلق بأجهزة الاستشعار الموجودة فيها، والتي تستخدم لجمع مجموعة من المعلومات البيومترية مثل بصمة الصوت وقزحية العين وبصمات الأصابع، في حين أن المصدر الثاني لجمع المعلومات يرتبط بالأجهزة التي يجلبها السائقون والركاب داخل السيارة، حيث لا يدرك معظم الأشخاص، أنهم عندما يقومون بتوصيل هواتفهم عبر الـ Bluetooth والـ wifi والـ USB، بأنظمة السيارة، فإنها تقوم بتنزيل جميع أنواع المعلومات من الهواتف.
لاعب رئيسي في مجال السيارات
من جهته يقول محمد موسى وهو تاجر سيارات، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن صناعة السيارات الصينية حققت خلال السنوات الأخيرة، قفزة كبيرة من ناحية النوعية، وهذا ما ساهم بغزوها للأسواق العالمية، ففي العام 2021 تجاوزت الصين كوريا الجنوبية، واحتلت المرتبة الثالثة في حجم تصدير السيارات، كما نجحت الصين في عام 2022 بتخطي ألمانيا، مما جعلها ثاني أكبر مُصدّر للسيارات، أما في عام 2023 فقد تفوّقت الصين على اليابان كأكبر مصدّر للسيارات في العالم، بدعم من شركات تصنيع السيارات الكهربائية هناك، فبحسب بيانات الرابطة اليابانية لمصنّعي السيارات، تمكنت الشركات اليابانية، من تصدير 4.42 ملايين مركبة في عام 2023، في المقابل، صدّرت الصين 5.22 ملايين مركبة وفقاً للجمارك الصينية، مشيراً إلى أن تفوّق الصين على اليابان يبقى نسبياً، إذ أن الشركات اليابانية، تُنتج عدداً كبيراً من السيارات في مصانعها في الخارج، في حين لا تملك الشركات الصينية إلا عدداً قليلاً من المصانع في الخارج.
"سيناريو هواوي" يلوح في الأفق
وشدد موسى على أنه حتى الساعة، لم تتحذ أميركا أي قرار، بشأن منع دخول السيارات الذكية الصينية إلى البلاد، حيث يجري المسؤولون في الإدارة الأميركية، دراسة شاملة لتبعات هذا القرار، كاشفاً أن التقدم الصاروخي لصناعة السيارات الصينية، يقلق جداً أميركا، ولذلك فإن مصنعي السيارات الصينيين، يدركون جيداً الأمر ويستعدون لتكرار "سيناريو هواوي"، الذي بات يلوح في الأفق بالنسبة لهم، فالبداية قد تكون بمنع دخول السيارات الصينية الذكية إلى الأراضي الأميركية، لتنتقل بعدها أميركا إلى خطوة منع شركات التقنية الأميركية، من العمل مع شركات تصنيع السيارات الصينية، ومن ثم إلى المرحلة الثالثة، وهي انتقال القيود الأميركية إلى أسواق دول أخرى، ستمنع بدورها دخول السيارات الصينية.
ويشرح موسى أن منع السيارات الصينية الذكية، من الدخول إلى الولايات المتحدة، لن يكون له ضرر كبير على مبيعات هذه السيارات، فالشركات الصينية حذرت أصلاً تجاه هذه السوق، ولكن تمدد القيود الأميركية إلى أسواق الدول الأخرى، إضافة إلى حرمان السيارات الصينية من استخدام التكنولوجيا الأميركية، لناحية أنظمة التشغيل، مثل تلك التي تنتجها جوجل، سيؤثر على خيار الشاري في الأسواق العالمية، مشيراً إلى أن حصر القيود الأميركية بالسيارات الذكية، يأتي لعلم واشنطن أن جميع السيارات التي تطرح في الأسواق حالياً، باتت ذكية بشكل أو بآخر، فالآن لا يوجد سيارة غير ذكية.