سجّلت الولايات المتحدة نموا في إجمالي الناتج الداخلي تجاوز التوقعات بينما ازداد التوظيف وواصل المستهلكون الإنفاق رغم ارتفاع معدلات الفائدة، لتنجح بذلك في تجنب الركود عام 2023.
وبينما بلغت معدلات الفائدة أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقدين، وهو وضع يترافق عادة مع ارتفاع في معدلات البطالة وتراجع في الاستهلاك، إلا أن الوضع كان مغايرا هذه المرة.
في ما يلي عرض لأبرز العناصر التي ساهمت في هذه البيانات المفاجئة:
"قيمة المواهب"
لعبت معدلات البطالة المنخفضة وزيادة الأجور والتوظيف دورا مهما في دفع المستهلكين للإنفاق.
ينبع ذلك من الاضطرابات التي شهدتها الأعمال التجارية خلال فترة انتشار كوفيد-19 عندما واجه المدراء صعوبات في التوظيف والتدريب والمحافظة على المواهب.
وأفاد كبير خبراء الاقتصاد لدى شركة "إرنست آند يانغ" (EY)، غريغوري داكو، بأن ذلك دفعهم للتردد في اللجوء إلى تسريح الموظفين حتى لدى مواجهتهم احتمال التباطؤ الاقتصادي، كما انهم فضلوا بدلا من ذلك خفض التوظيف.
وقال داكو في تقرير لوكالة فرانس برس "نتيجة ذلك، رأينا قوة أكبر في سوق التوظيف".
ولفت إلى أنه "من بين الجوانب الفريدة لدورة التجارة هذه أن قيمة المواهب شهدت تحوّلا".
في الأثناء، حتى مع تراجع وتيرة التوظيف في القطاع الخاص، "ساهم (التوظيف) غير الدوري في الحكومة والرعاية الصحية والتعليم في الجزء الأكبر من النمو الاقتصادي"، وفق ما أفادت كبيرة خبراء الاقتصاد لدى شركة "نيشنوايد"، كاثي بوستيانتشيتش.
القوة الشرائية
أفادت كبيرة خبراء الاقتصاد لدى ZipRecruiter جوليا بولاك أن نمو الأجور الحقيقية سنويا كان إيجابيا منذ مايو 2023.
وقالت إن "تراجع التضخم وازدياد القوة الشرائية يغذيان الإنفاق القوي للمستهلكين".
ورغم تراجع أعداد الوظائف المعلن عنها على الإنترنت بشكل مطّرد بعد ذروة سجلت في نوفمبر 2021، قالت بولاك إن المستوى ما زال مرتفعا إلى حد قياسي.
لكنها لفتت إلى أن سوق العمل يتراجع مع ازدياد الطلبات المقدمة لكل إعلان وظيفي بنسبة 30 في المئة من عام لآخر في يناير بناء على بيانات ZipRecruiter.
الإنفاق الحكومي
يتمثل عامل آخر بسلسلة إجراءات تشمل قانون CARES عام 2020 والبالغة قيمته 2.2 تريليون دولار وخطة الإنقاذ الأميركية (1.9 تريليون دولار) بعد عام والتي أقرت الحكومة من خلالها مساعدات اقتصادية للتعافي من وباء كوفيد.
وقال خبير الاقتصاد البارز لدى "أليانز للتجارة - أميركا الشمالية، دان نورث، إن الدفعات كانت بالتأكيد "فعالة في توفير ضغوط تضخمية".
وبعد مدة قصيرة، وقّع الرئيس جو بايدن على "قانون البنى التحتية المتفق عليه من الحزبين" عام 2021 والذي يسمح بإنفاق قدره 1.2 تريليون دولار على النقل والبنى التحتية، وأطلق خطته التاريخية للتحرّك من أجل المناخ: "قانون خفض التضخم" عام 2022.
وبينما كافح الاحتياطي الفيدرالي لإبطاء الاقتصاد والسيطرة على التضخم عبر رفع معدلات الفائدة، قال نورث إن "السياسة المالية قامت بعكس ذلك تماما".
وأشارت بولاك إلى أن "الدعم الحكومي للمركبات الكهربائية والرقائق الإلكترونية الدقيقة والاستثمارات في البنى التحتية تدعم جميعها الاستثمار التجاري في وقت كان من الممكن لمعدلات الفائدة المرتفعة لولا ذلك أن تؤدي إلى هبوطه".
وقال داكو إن نحو 30 في المئة من نمو إجمالي الناتج الداخلي العام الماضي جاء من القطاع الحكومي الذي يمثل حوالى 14 في المئة من الاقتصاد.
الاستفادة من المعدلات
كان أداء الاقتصاد جيدا رغم رفع معدلات الفائدة بشكل كبير بسبب بقائها أكثر انخفاضا بكثير على مدى السنوات السابقة.
وعام 2020، وصلت معدلات الفائدة إلى الصفر تقريبا قبل أن يعاود الاحتياطي الفدرالي رفعها في مارس 2022.
وقال نورث إن ذلك "سمح للشركات بتقديم قروض بمعدلات فائدة منخفضة للغاية"، وهو ما قامت به العديد منها بالفعل.
وأضاف "الآن في المجمل، تدفع الشركات أقل دفعات من الفوائد على الإطلاق".
واستفاد المستهلكون أيضا من انخفاض معدلات الرهن العقاري ما خفف تأثير زيادات الاحتياطي الفيدرالي.
تأثير متأخر
يشير خبراء الاقتصاد إلى أن تأثير رفع المعدلات على الاقتصاد يستغرق وقتا.
أُعلن عن آخر رفع للمعدلات في يوليو ويتوقع نورث بأن يستغرق ظهور التأثير الكامل على شكل تباطؤ ستة فصول أي عام ونصف العام.
لكن التوقعات لهذا العام ما زالت إيجابية مع توقعات بأن يتم خفض المعدلات نظرا إلى تراجع التضخم، وهو أمر ينعش عادة النشاط التجاري.
وأظهر استطلاع أجرته "الرابطة الوطنية للاقتصاد التجاري" نشر هذا الشهر أن ربع المستطلعين فقط يعتقدون أن العام 2024 سيشهد ركودا.