أصر أحد كبار مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على أن قوة سوق العمل في الولايات المتحدة مستمرة في التباطؤ، في إشارة إلى أن بيانات التوظيف القوية غير المتوقعة الشهر الماضي "لن تعرقل خطط واضعي أسعار الفائدة لخفض تكاليف الاقتراض هذا العام"، بحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز".
وقالت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند وأحد المسؤولين الذين يصوتون على أسعار الفائدة، لوريتا ميستر، إن تقرير الوظائف لشهر يناير الأسبوع الماضي أظهر أن سوق العمل "مرنة بشكل ملحوظ"، لكنها قالت إن المؤشرات الأخرى تشير إلى "بعض الاعتدال".
- أظهرت بيانات الوظائف غير الزراعية لشهر يناير، وهو مقياس حاسم لسوق العمل في الاقتصاد الأميركي، أنه تمت إضافة 353 ألف وظيفة الشهر الماضي - أي ما يقرب من ضعف التوقعات.
- وأظهر التقرير أيضا أن العامل الأميركي العادي حصل على أجر في الساعة قدره 34.55 دولارا - أي أعلى بنسبة 4.5 بالمئة عما كان عليه قبل عام.
وأضافت: "في هذه المرحلة، أظن أننا سنشهد مزيدًا من الاعتدال في نمو الأجور، مع تباطؤ تدريجي في نمو الوظائف وارتفاع معدل البطالة على مدار العام من مستواه المنخفض للغاية"، مشيرة إلى أن "حجتها الأساسية" هي أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي هدف الأموال الفيدرالية من أعلى مستوى له منذ 23 عامًا عند 5.25 بالمئة إلى 5.5 بالمئة "بوتيرة تدريجية" في عام 2024.
وتابعت: "إذا تطور الاقتصاد كما هو متوقع، أعتقد بأننا سنكتسب الثقة لخفض الفائدة في وقت لاحق من هذا العام، وبعد ذلك يمكننا البدء في خفض أسعار الفائدة".
وشددت ميستر في مؤتمر صحافي، الثلاثاء الماضي، على أنها أيدت خفض أسعار الفائدة ثلاث مرات هذا العام – بما يتماشى مع متوسط التوقعات بشأن توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي لشهر ديسمبر.
وفي حين أقرت ميستر بأن نمو الأجور لا يزال "أعلى قليلا من المستوى المتوافق مع التضخم بنسبة 2 بالمئة"، وهو هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي، فإن التحسينات في الإنتاجية تعني أن صفقات الأجور الأفضل يمكن تبريرها من خلال الأساسيات الاقتصادية.
وقالت: "تخبرنا البيانات الحالية أنه، باستثناء قطاع الرعاية الصحية، أصبح التوظيف أسهل مما كان عليه قبل عام، وأنهم يحصلون على المزيد من المتقدمين لكل وظيفة شاغرة". وأضافت أن العمال أثبتوا أيضًا أنهم أكثر ترددًا في ترك وظائفهم.
واستشهدت بمؤشر تكلفة التوظيف - الذي يعتبره عديد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي مؤشرا أفضل لصفقات الأجور - الذي أظهر انخفاض نمو الأجور السنوي من 4.75 في المائة في الربع الأول من عام 2023 إلى 3.5 في المائة في الربع الأخير.
ما الذي تعنيه البيانات الأخيرة؟
من جانبه، يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن المؤشرات الأخيرة القادمة من الفيدرالي تشير إلى نيته في الموازنة بين تحقيق استقرار الأسعار ودعم النمو الاقتصادي، حتى في ظل سوق عمل قوي يمكن أن يساهم في ضغوط تضخمية.
وأضاف أرشيد :"يمكن أن يتبع الفيدرالي نهجًا تدريجيًا في خفض أسعار الفائدة، معتمدًا على بيانات الاقتصاد الكلي ومؤشرات التضخم. سيمكن هذا النهج الفيدرالي من التعامل مع التغيرات الاقتصادية بمرونة، حيث يتيح مراقبة تأثير كل خفض على الاقتصاد قبل اتخاذ خطوات إضافية. على سبيل المثال، إذا بدأ التضخم في الانخفاض نتيجة لتباطؤ النمو الاقتصادي، فقد يختار الفيدرالي تسريع وتيرة خفض الفائدة".
وتابع أرشيد وقد يعتمد الفيدرالي على أدوات السياسة النقدية غير التقليدية، مثل:
- التوجيه المستقبلي.
- تعديل معدل الاحتياطي الإلزامي، لتوفير إشارات واضحة للأسواق بشأن مسار لسياسة النقدية المستقبلية. التوجيه المستقبلي يمكن أن يساعد في تعزيز الثقة في الأسواق المالية ويوجه توقعات الفاعلين الاقتصاديين، مما يسهل عملية الانتقال نحو بيئة ذات فائدة أقل.
برامج
وأشار أرشيد إلى أنه لا يمكن استبعاد أن يقوم الفيدرالي بالتركيز أكثر على دعم القطاعات الأكثر تأثرًا بارتفاع أسعار الفائدة، مثل العقارات والاستثمار، من خلال برامج شراء الأصول أو تسهيلات الإقراض المستهدفة. هذه الأدوات يمكن أن تساعد في تخفيف الضغوط على هذه القطاعات وتشجيع النمو الاقتصادي، حتى في ظل خفض أسعار الفائدة.
وأوضح أنه يمكن للفيدرالي الأميركي أيضا أن يأخذ في الاعتبار السياق الاقتصادي العالمي وتأثيره على الاقتصاد المحلي وإن كان ذلك يبدو أقل احتمالا. رغم ذلك في عالم مترابط، قد تؤثر الأحداث الاقتصادية في دول أخرى، مثل تغييرات أسعار الفائدة في البنوك المركزية الكبرى أو الأزمات المالية العالمية، على القرارات النقدية في الولايات المتحدة. لذا، قد يحتاج الفيدرالي إلى مرونة في استراتيجيته للتكيف مع التطورات العالمية.
وأكد الخبير الاقتصادي أنه في جميع الأحوال، في حال استمرار قوة سوق العمل وارتفاع التضخم فوق الأهداف المحددة، قد يتوجب على الفيدرالي إعادة تقييم خططه لخفض أسعار الفائدة لضمان استقرار الأسعار ودعم النمو المستدام. سيتطلب هذا التوازن الدقيق بين تحفيز النمو والحفاظ على استقرار الأسعار استخدام جميع الأدوات النقدية المتاحة بحكمة وبشكل استباقي.
- وكانت محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي ميشيل بومان، التي يُنظر إليها على أنها أكثر تشدداً في السياسة النقدية، قبل أسبوع، قد عبرت عن مخاوفها من أن بيانات يناير قدمت دليلاً على أن صحة سوق العمل يمكن أن تؤدي إلى بقاء تضخم الخدمات أعلى من هدف البنك المركزي البالغ 2 بالمئة.
خفض الفائدة
من جانبه، يشير المدير التنفيذي في شركة VI Markets أحمد معطي، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى حديث رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الذي استبعد فيه خفض الفائدة في مارس المقبل، حيث لا زالت هناك ضغوط تضخمية تهدد البيانات الاقتصادية بسبب التوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم حاليًا.
وأضاف أن الأحداث أثبتت صدق توقعات باول، وهذا ما ظهر جليًا في بيانات التوظيف في الاقتصاد الأميركي فقد أضاف مؤخرًا أكثر من 353 ألف وظيفة في القطاع غير الزراعي في يناير 2024، مما يدل مرة أخرى على أن سوق العمل في الولايات المتحدة قوي ومستعد لدعم النمو الاقتصادي الأوسع، كما أن معدل البطالة تراجع لـ 3.7 بالمئة، وبالتالي فكل هذه العوامل قد تؤثر على التضخم بالارتفاع.
وتابع معطي أن هذا الوضع انعكس على الذهب الذي تراجع من 2064 دولار للأونصة ليسجل 2015 دولار للأونصة، خصوصًا وأن مستويات الفائدة حاليًا المرتفعة والتي تتراوح بين 2.25 بالمئة إلى 5.5 بالمئة هي ملاذ استثماري آمن للكثير من المستثمرين.
واستطرد: هذا صاحبه ارتفاع مؤشر الدولار نقطتين فوق مستوى الـ 104، إضافة إلى ارتفاع مستوى السندات الأميركية، مؤكدًا أنه كلما ارتفعت بيانات التوظيف كلما شدد الفيدرالي موقفه من خفض الفائدة.