عندما فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2016، كان رد فعل حلفاء أميركا في جميع أنحاء العالم يتسم بالذعر والصدمة. ولكن "لن يكون لديهم مثل هذا العذر إذا فاز مرة أخرى في نوفمبر".
بحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، فإن فوز ترامب في الانتخابات التمهيدية في نيو هامبشاير يجعله المرشح الرئاسي الحتمي للحزب الجمهوري. ومن الممكن أن يعود الانعزالي الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته إلى البيت الأبيض.
ووفق التقرير، فإنه ليس كل زعماء العالم منزعجين من فكرة ولاية ترامب الثانية. ولا يقتصر الأمر على قادة مثل فيكتور أوربان في هنغاريا وفلاديمير بوتين في روسيا سوف يرحبون به فحسب، لكن عديداً من ما يسمى بالقوى المتوسطة التي تقود الطريق بين الصين وأميركا، وخاصة الاقتصادات النامية، متفائلة على الأقل - وهي وجهة نظر يشاركها البعض في بكين أيضا.
على سبيل المثال، يشير بعض المسؤولين في جنوب شرق آسيا إلى أنه قد يكون من الأسهل التعامل مع ترامب "المعقد" والحازم مقارنة مع جو بايدن الأكثر استراتيجية.
- بالنسبة لأقرب حلفاء أميركا، بما في ذلك أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، فإن احتمال فوز ترامب بولاية ثانية يشكل مصدراً لقلق بالغ.
- إنهم متشككون في الحجج التي يسمعونها بأن ترامب في ولايته الثانية لا ينبغي أن يكون مزعجا للغاية. بينما تحدث المرشح الجمهوري المحتمل عن تقليص الاشتباكات العسكرية الأميركية في الخارج، وإنهاء الدعم لأوكرانيا، وتقليص التزامات الولايات المتحدة تجاه حلف شمال الأطلسي والدفاع الأوروبي.
ومهما كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، يحتاج زعماء أوروبا إلى التعجيل بالوفاء بالتعهدات العسكرية التي تعهدوا بها بعد بدء الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، والتي فشلوا إلى حد كبير في الوفاء بها.
ويشير التقرير إلى أنه ينبغي لجميع أعضاء حلف شمال الأطلسي أن يعملوا على تسريع الجهود الرامية إلى زيادة الإنفاق الدفاعي بما يتجاوز الهدف المتفق عليه وهو 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي (والذي لدى ترامب وجهة نظر بشأنه).
ويتعين عليهم أن يفكروا ليس فقط في التمويل القصير الأجل لأوكرانيا، بل في كيفية إدارة الدفاع والمشتريات في أوروبا دون دعم الولايات المتحدة. ولا يتعلق الأمر بالأسلحة فحسب، بل يتعلق بالثقل الاستراتيجي، مثل وسائل النقل والطائرات، وحتى الهياكل.
سيناريوهات مرتقبة
رئيس وحدة الاقتصاد السياسي بمركز جنيف للسياسات الدبلوماسية، ناصر زهير، قال في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه في حال فوز ترامب سوف تعود العلاقات المتوترة نوعًا ما بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وهي العلاقات التي لم تكن متوترة بالشكل الكبير مثلما كانت في فترة رئاسته الأولى.
وأشار إلى أنه بالنسبة لأوروبا، كانت هناك فترات اختبار خاضتها مع ترامب "وهم يعرفون آلية التعامل مع أميركا في وجود ترامب، وبالتالي فمسألة التوترات الاقتصادية يعرفون تمامًا كيفية التعامل معها من الجانبين". كما أن الجانبين "يشتركون في جبهة حرب أوكرانيا على الرغم من وجود توقعات بأن ترامب سيدفع نحو نهاية هذه الحرب، لكن الجانبين في خندق واحد الآن بمسألة مواجهة روسيا".
- أثارت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، المخاوف بشأن احتمال إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، مؤكدة الحاجة إلى سيناريو سياسي مُجهز.
- في تصريحات لها في بلومبرغ هاوس في دافوس، شددت لاغارد على ضرورة النظر في جميع السيناريوهات، مشجعة أوروبا على الوقوف بقوة، ومذكّرة بأن التحالفات العالمية يمكن أن تتغير.. واتفق معها وزير المالية الألماني في نفس الجلسة.
ومن جانبه، أوضح زهير أن تحذيرات وزير المالية الألماني ورئيسة البنك المركزي الأوروبي، لجهة مستقبل العلاقة بين الاتحاد الاوروبي وحليفه الأميركي "صحيحة ولكنها مبالغ فيها".
وأكد في تصريحات خاصة لموقع " اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن ما يخشاه بعض السياسيين والاقتصاديين هو وجود ترامب الشعبوي، والذي سيدعم التعاطي مع الأحزاب الشعبوية الأوروبية التي تتصاعد في أوروبا (..) وجود ترامب سيدعم هذه الحركات والأحزاب وسيؤثر على الاقتصاد بشكل سلبي.
وعن الاستعدادات التي يتعين على أوروبا القيام بها، أوضح رئيس وحدة الاقتصاد السياسي بمركز جنيف للسياسات الدبلوماسية أنها تتعلق بالاستعدادات لتوترات اقتصادية قادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك الاستعدادات بزيادة دعم الناتو كما يطالب ترامب، علاوة على خوض اختبارات تتعلق بالحروب التجارية التي تتصاعد خاصة مع الصين.
وبالعودة لتقرير الصحيفة، فإنها تشير إلى أن الحرب في أوكرانيا دفعت إلى إظهار الوحدة بشكل ملحوظ في الاتحاد الأوروبي. ومن شأن ولاية ترامب الثانية أن تهدد هذا الأمر. وربما يحاول استمالة دول بعينها.
- قد تتخذ العواصم المختلفة رهانات مختلفة حول كيفية التعامل معه إذا أصبح رئيساً.
- يتعين على المسؤولين أن يفكروا، من الآن، فيما يتعين عليهم أن يفعلوه إذا تم إضعاف نظام الدفاع الجماعي بين الولايات المتحدة وأوروبا بعد عام 1945.
- سيتعين على الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي النظر في كيفية التنسيق مع بعضهما البعض، بما في ذلك مع الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في حلف شمال الأطلسي - وخاصة المملكة المتحدة.
تحالف استراتيجي.. ولكن!
وعن تحذير وزير المالية الألماني من توتر العلاقات الأوروبية الأميركية في حال فوز دونالد ترامب بفترة رئاسية جديدة خلال الانتخابات الأميركية الجديدة، قال خبير العلاقات الدولية، أحمد سيد أحمد، إن تلك التحذيرات من أن العلاقات مع أميركا رُبما تشهد نوعًا من التوتر مع الرئيس ترامب، تعكس حقيقة التجربة الأولى التي حكم بها الرئيس ترامب ما بين 2016 - 2020 واتسمت العلاقات بين أوروبا وأميركا بالتوتر رغم وجود علاقة تحالف استراتيجية بينهما، وتجسد التوتر في سياسة ترامب تجاه الأوروبيين على أكثر من مسار، سواء المسار السياسي أو الاقتصادي، أو مسار الأمن.
وأفاد في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بأنه على المسار الاقتصادي، قيام ترامب بفرض تعريفات جمركية على المنتجات الأوروبية سواء من الصلب أو الألومنيوم وغيرها من السلع الأخرى أدى إلى لتوتر العلاقات، ودفع بدوره الأوروبيين لفرض عقبات اقتصادية ورفع التعريفة الجمركية على السلع الأميركية القادمة لأوروبا.
وتابع: على المستوى الأمني، ترامب ضغط على الدول الأوروبية لزيادة ميزانياتهم للإنفاق الدفاعي لأكثر من 2 بالمئة، ويُقال إن أوروبا عليها أن تدفع ثمن حماية أميركا لها.. أما عن المستوى السياسي، وصف ترامب أوروبا بالقارة العجوز، وبالتالي إشعار وتعظيم أميركا أولا، ما أدى للانسحاب من الاتفاقات الدولية، مثل اتفاقية باريس ومنظمة التجارة العالمية، وغيرها من المنظمات الدولية.
ولذلك هناك تحذيرات أوروبية وحالة من القلق والحذر في حالة فوز ترامب وعودته للبيت الأبيض، فإنه يُعني عودة السياسات التي اتبعها في السابق، وهذا ما يوتر العلاقات بين الجانبين التي شهدت تقاربًا كبيرًا في عهد الرئيس بايدن خاصةً وأن الحرب الروسية على أوكرانيا أسهمت في تعزيز حلف الأطلنطي وفي تعزيز التحالف الاستراتيجي الأميركي الأوروبي.
وشدد على أنه يتعين على أوروبا اتخاذ استعدادات أمنية وعسكرية؛ فالألمان بدأو في الدعوة إلى الجيش الأوروبي الموحد لكي يتخلوا عن مظلة الحماية الأميركية؛ لأن ترامب كان يطالبهم بدفع ثمن هذه الحماية، وبدأو يتجهون لإيجاد بدائل للجانب الأميركي.
كما شدد كذلك على ضرورة اتخاذ استعدادات من الناحية الاقتصادية، والعمل على تعزيز العلاقات الأوروبية مع شركاء آخرين مثل الصين أو الهند وغيرها من الدول الواعدة في إفريقيا وغيرها؛ لأن ترامب يرفع شعار أميركا أولا، منوهًا إلى ضرورة الاستعداد على المسار السياسي، ويتعلق باختلاف التباين في المواقف ما بين ترامب والدول الأوروبية خاصة قضايا التغير المناخي ومواجهة الأمراض العالمية والجوائح، ومواجهة التصحر والأزمات العالمية.
المملكة المتحدة
وأفاد تقرير الفاينانشال تايمز بأنه بالنسبة للمملكة المتحدة، التي تعد إلى جانب فرنسا واحدة من القوتين النوويتين في أوروبا، قد تكون هذه لحظة اختيار. ولن يرغب أي زعيم بريطاني في تقويض العلاقات التاريخية بين المملكة المتحدة وأميركا. ولكن إذا فاز زعيم حزب العمال السير كير ستارمر في انتخابات المملكة المتحدة، المتوقعة هذا العام، فقد تكون إعادة انتخاب ترامب ذريعة للنظر في تقارب أكثر جوهرية مع الاتحاد الأوروبي.
ستكون الدبلوماسية حساسة، لأسباب ليس أقلها أنه لن يرغب أحد في التلميح علنًا إلى أنه يعتقد أن بايدن قد يخسر. ومن المفهوم أن الحلفاء الأوروبيين سوف يستكشفون بشكل سري الأعضاء المحتملين لفريق ترامب الثاني. لكن يجب عليهم التخطيط لجميع الاحتمالات. وحتى لو أعيد انتخاب بايدن، فلن يضيع هذا هباءً. لقد طال انتظار إعادة النظر في دفاع أوروبا.
علاقات متوترة
خبير العلاقات الدولية، محمد الديهي، رأى أن هناك مخاوف كثيرة لدى الأطراف الأوروبية من فوز ترامب خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، ليس على الصعيد الألماني فقط، ولكن على الصعيد الإيطالي والدول الأوروبية الأخرى، فهناك تخوفات وتحذيرات من وصول ترامب للحكم مرة أخرى، لعدة أسباب منا بينها أن العلاقات الأوروبية الأميركية في ظل حكم ترامب السابق لم تكن على أفضل حال، ولم يكن هناك وفاق متبادل.
وقال الديهي في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن تصريحات ترامب رُبما تهدد مسار العلاقات الأوروبية الأميركية التي بُنيت خلال فترات كبيرة؛ فتصريحه السابق بأن الدول الأوروبية إذا ما تعرضت لتهديدات عسكرية أو هجوم عسكري لن تهب الولايات المتحدة لنجدتها، بالإضافة إلى طلبه من الدول الأوروبية برفع ميزانياتها العسكرية، والانسحاب من اتفاقية التغير المناخي، وغيرها من القرارات التي اتخذت في عهد الرئيس الأميركي السابق والتي هددت العلاقات بين الولايات المتحدة الأميريكية وأوروبا.
كما أشار إلى أن ذلك دفع عديد من القيادات الأوروبية للإشار إلى ضرورة صياغة سيناريوهات في التعامل ما بين أميركا والاتحاد الأوروبي في حال فوز ترامب.
وأيضا في ظل الإدارة السابقة لترامب كان هناك توجها بضرورة الخروج عن مظلة الولايات المتحدة الأميركية والبحث عن تحالفات جديدة، والدول الأوروبية تسعى الآن لبناء تحالفات جديدة وعلاقات جديدة، وفقًا لما صرح به قادة أوروبين.
وأكد خبير العلاقات الدولية، أن فوز ترامب بفترة حكم جديدة سيكون له تداعيات أخرى على مسار الدعم الأوروبي لأوكرانيا، والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، خاصة أن الدول الأوروبية ستكون بمفردها في مواجهة روسيا، لا سيماً إذا وُجد تهديد في الأمر.
وتابع: لا شك أن هذه التحذيرات ستؤدي لمزيد من توتر العلاقات في حال فوز ترامب لأنه لديه قناعات بأن عدداً من القيادات الأوروبية تعامل مع إدارة بايدن ودعمه للفوز في الانتخابات الرئاسية السابقة، وكان هناك استقبال حافل من الدول الأوروبية بفوزه، ووصول ترامب للحكم مرة أخرى سيؤدي لحدوث تباعد في العلاقات وعدم الاتفاق في وجهات النظر بين الدول الأوروبية وأميركا خاصة في بعض الملفات التي تتعلق بالتجارة والعلاقات الاقتصادية.
وعن الاستعدادات الأوروبية التي يجب على الدول اتخاذها، قال إنه لا بُد من ضرورة توحيد الصف الأوروبي، خاصةً وأن لديه عديد من الأزمات، وحل الإشكاليات الاقتصادية بالداخل، بالإضافة إلى البحث والتوسع في شبكة العلاقات الأوروبية وتحسين علاقاتها مع العديد من الدول الأخرى في المجتمع الدولي، وبناء تحالفات جديدة بعيدًا عن التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، التحرر من الهيمنة الأميركية والسير بعيد عن مظلة أميركا بصورة وأخرى، والبحث عن شركاء وتعاون إقليمي جاد في المظلة الأوروبية.