"تشير جميع مؤشراتنا إلى أن أزمة تكلفة المعيشة في المملكة المتحدة سوف تستمر"، هذا ما ذكره الرئيس التنفيذي لمؤسسة Citizens Advice الخيرية في بريطانيا، كلير موريارتي، والذي شدد على أن "هذه هي القضية المركزية لعديد من الناخبين بينما يتطلع البريطانيون إلى إجراء انتخابات عامة بعد أشهر قليلة فقط".
وبينما يدعي السياسيون أنهم يعالجون مشاكل الأمة، فإن ما يراه مستشارو المؤسسة المذكورة كل يوم هو كيف تفشل السياسات المؤقتة في إصلاح القضايا الكبرى، وفق موريارتي.
في مقال له بصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أفاد موريارتي، روى قصة أحد الأشخاص في بريطانيا، فقد وظيفته في الخريف الماضي، ويكافح منذ ذلك الحين لتعبئة عداد الدفع المسبق الخاص به. حيث يعاني من ضعف المناعة ويحتاج إلى البقاء دافئًا للمساعدة في تجنب التهابات الجهاز التنفسي وإدارة التهاب المفاصل الذي يعاني منه.
لذا فهو يواجه خيارًا مستحيلًا: إما أن يمرض بسبب البرد أو يقع في الديون. في السابق كان قادرًا دائمًا على تدبير أموره، والآن أصبح لديه 1500 جنيه إسترليني ديونا على بطاقات الائتمان.
قصة هذا الشخص ليست متطرفة أو غير عادية، فرسمياً تبلغ ديون الطاقة الاستهلاكية رقماً قياسياً يبلغ 2.9 مليار جنيه استرليني.
ولكن هذا يشمل فقط الأموال المستحقة لأكثر من ثلاثة أشهر. والرقم الحقيقي أعلى بكثير لأن الناس يغرقون في الديون الشخصية لدفع فواتيرهم وإبقاء الأضواء مضاءة.
- فواتير الطاقة هي المؤشر الأكثر وضوحاً.
- يشير أحدث تحليل للمؤسسة إلى أن أكثر من 5 ملايين شخص يعيشون في أسر متخلفة عن سداد فواتير الطاقة.
- في ربيع هذا العام، من المتوقع أن تنخفض فاتورة الطاقة الشهرية النموذجية بنحو 20 جنيهًا إسترلينيًا، لكنها تظل مرتفعة بشكل مثير للقلق.
وأضاف: "أصبحت ديون الطاقة الآن هي الدين الأكثر شيوعًا الذي ندعم به الأشخاص في Citizens Advice - نساعد هذا الشتاء أعدادًا قياسية من الأشخاص الذين يكافحون من أجل الحفاظ على التدفئة.. ويبلغ متوسط حجم ديون الطاقة التي نراها حوالي 1835 جنيهًا إسترلينيًا، وهو أعلى بمقدار الثلث مما كان عليه في هذه المرحلة من عام 2019".
- في هذا العام الانتخابي، يمكن أن تنخفض مستويات المعيشة بشكل أكبر بالنسبة للعائلات التي تواجه بالفعل خيارات يائسة.
- سيرى البعض تحسنا مع وصول الطقس الأكثر دفئا، لكن الأزمة لن تنتهي بعد نظرا لمدى خروج تكلفة الأساسيات والإسكان عن السيطرة.
- "إن الأشخاص الذين نراهم يتوازنون على حافة الهاوية - إذا حدث شيء آخر ضدهم، فقد يكون ذلك بمثابة الدفعة الأخيرة نحو خط الفقر".
وأفاد كاتب المقال بأن معالجة العوامل الدافعة التي تدفع ميزانيات الأسر إلى المنطقة الحمراء ستكون ضرورية لأي حكومة في المستقبل المنظور.
ومع ذلك، فإن السياسات التي كان من شأنها أن تساعد في الحد من العجز الشهري للناس هذا العام لا تزال مفقودة.
ووعدت هذه الحكومة باتباع نهج جديد للدعم بحلول شهر أبريل، ولكن لم يتم طرح أي شيء على الطاولة بعد - وقد نفد الوقت للتشاور قبل الموعد النهائي الخاص بهم.
ومن المقرر أن تنتهي خطط الدعم المتبقية التي تم تقديمها لمساعدة الأسر في الأزمة في أبريل. تمثل ميزانية 6 مارس فرصة لإعلام أولئك الذين يكافحون أنهم لن يتركوا في وضع حرج.
أزمة طاقة
من جانبه، قال خبير اقتصادات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن بريطانيا تعاني من أزمة في الطاقة حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022 والتي نتج عنها أزمة طاقة عميقة في أوروبا عموماً، لافتًا إلى أن الأسعار بدأت في التصاعد في بريطانيا منذ العام 2021.
وأضاف إسماعيل: "في الشهور التي تلت بدء الحرب تضاعفت أسعار الغاز والكهرباء وخلقت طبقة جديدة في بريطانيا وهي فقراء الطاقة، أي عدم القدرة على تسديد فواتير الغاز والكهرباء، فما يزيد عن 5.3 مليون بريطاني يرزحون تحت مديونية طاقة تبلغ -حسب تقديرات مركز دراسات الطاقة كورنوول انسايت Cornwall Insight- رقمًا قياسيًا عند حوالي 2.9 مليار استرليني أي تقريبا 3.8 مليار دولار".
وتابع إسماعيل: بحسب مكتب الإرشاد للمواطنين Citizen Advice تم قطع خدمة الكهرباء والغاز على الأقل مرة واحدة عن 1.7 مليون مواطن لعدم تمكنهم من تسديد فواتير الطاقة، موضحًا أن إدارة أمن الطاقة الحكومية كشفت عن إدراك الحكومة التحديات التي تواجه العائلات ولهذا تنفق الحكومة 104 مليار استرليني على دعم التكلفة.
وذكر الخبير الاقتصادي في لندن، أن توقعات العام الجاري 2024 تشير إلى انخفاض فواتير الطاقة سنويا 16 بالمئة اعتبارا من إبريل المقبل، على أن تبقى الأسعار منخفضة خلال 2024، حيث سيكون معدل فاتورة الطاقة سنويا 1497 استرليني سنويا اعتبارا من يوليو المقبل.
ولفت إلى أن:
- القلق الآن من تصاعد التوترات في البحر الأحمر وخطر تشدد الإمدادات وارتفاع تكلفة الشحن، ما سيرفع أسعار الطاقة العالمية.
- رغم فرض سقف على التكلفة للمستهلك من قبل من هيئة تنظيم سوق الطاقة البريطاني والدعم الحكومي إلا أن المواطن العادي لا يزال يعاني من تكلفة الطاقة في ظل أسعار مواد الغذاء وغلاء المعيشة بشكل عام ويضطر للاقتراض لتسديد فواتير الغاز والكهرباء خاصة في فصل الشتاء البارد وارتفاع استهلاك الطاقة للتدفئة.
أزمة ملحة
من جانبه، قال مستشار الطاقة الدولي، عامر الشوبكي ، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- أزمة أسعار الطاقة في المجتمع البريطاني أصبحت ملحة على المجتمع وعلى السياسين المطالبين بضرورة إيجاد حلولًا لها.
- رغم انخفاض أسعار الطاقة في 2023 بنسبة 10.5 بالمئة إلا أنها مازالت مرتفعة عن متوسط الخمس سنوات التي سبقت الحرب في أوكرانيا.
- رغم وعود الحكومة البريطانية بحدوث انخفاض في أسعار الطاقة بنسة تبلغ 16 بالمئة تقريباً منذ أبريل المقبل إلا أن الأسعار لازالت مرتفعة وتجبر البريطانين على الاقتراض.
وأرجع سبب توقع الحكومة بانخفاض الأسعار إلى:
- بسبب المخزون المرتفع من الغاز.
- عدم تأثير مخاطر البحر الأحمر على مخزون الطاقة حتى الآن.
وشدد الشوبكي على أن هذه الوعد قد لا تحدث بسبب اختلاط الأوراق، وإمكانية تصاعد الأزمات واضطرابات أسعار الطاقة، مدللًا على ذلك بمعدل التضخم الذي ارتفع في بريطانيا للمرة الأولى منذ 10 شهور حيث بلغ خلال الشهر الحالي 4 بالمئة.
وتابع :" 41 بالمئة من البريطانين غير قادرين على دفع قيمة فواتيرهم، وحوالي 4 من كل 10 أسر بريطانية غير قادرة على دفع فواتيرهم، وهناك 2.9 مليار جنيه استرليني ديون لدى شركات الطاقة عند الأسر البريطانية ممن تراكمت فواتيرهم لأكثر من 3 شهور".
وأكد الشوبكي أنه حال استمرار هذه الأزمة ستكون لها توابع سلبيىة على المجتمع البريطاني كلية:
- قد يشكل ذلك حائلاً بين استمرار حصول البريطانين على التدفئة أو حتى التنقل.
- انخفاض معدل إنفاق الأسر على مجالات أخرى كالصحة والتعليم .
- تقلص القدرة الشرائية والنشاط الاقتصادي بشكل عام.
- أسعار الطاقة تجعل السلع البريطانية المصنعة أقل قدرة على المنافسة داخليًا وخارجيًا وهذا ما يعقد الوضع الاقتصادي في بريطانيا امام واضعي السياسة المالية والاقتصادية في بريطانيا.