"حان وقت الاستعداد جدياً لعودة ترامب إلى البيت الأبيض" هكذا استقبل صناع القرار في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، الانتصار الساحق الذي حققه دونالد ترامب بالانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية "أيوا".
فبينما كان الساسة والممولون والرؤساء التنفيذيون، يجتمعون حول المقبلات والمشروبات في الحدث الافتتاحي للمنتدى الاقتصادي العالمي، في دافوس لعام 2024، كان دونالد ترامب وعلى بعد نحو 7500 كيلومتر منهم، يحقق فوزاً تاريخياً في ولاية "أيوا" مسجلاً رقماً قياسياً لهوامش النصر أمام باقي منافسيه، مع حصوله على نسبة 51 بالمئة من الأصوات.
وبتحقيقه هذا الفوز الكبير، يخطو ترامب خطوة إضافية، باتجاه خوض مبارزة نهائية مع الرئيس الديموقراطي جو بايدن، في نوفمبر 2024، للفوز بأرفع منصب في أكبر اقتصاد في العالم، حيث ساهمت هذه النتيجة بتصدّر الحديث عن ترامب واحتمال عودته كرئيس لأميركا، لجزء كبير من المناقشات التي دارت طوال فترة انعقاد دافوس 2024.
الحديث عن ترامب يطارد قاعات دافوس
فطيلة الأيام الخمس للمنتدى، لم تغب أبداً عن شفاه عدد كبير من الحاضرين، تعابير القلق من احتمال عودة ترامب إلى السلطة، معتبرين أنه سيكون أكثر معاداة للعالم، وفي حديثه لـ CNBC، قال رئيس معهد التمويل الدولي تيم آدامز، إن جميع الأسئلة التي تلقاها أثناء سيره ذهاباً وإياباً في منتجع دافوس، بعد ظهور نتائج انتخابات ولاية "أيوا"، كانت تتمحور حول موضوع واحد وهو "هل سيعود ترامب؟".
والثرثرة حول الانتخابات الأميركية في دافوس، ذهبت إلى مكان أبعد من مجرد طرح أسئلة، حيث أكدت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية فيرا جوروفا، لـ CNBC أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تعزز شهية بوتين، للاستيلاء على المزيد من الأراضي، وهذا ما سيعرض أمن دول الاتحاد للخطر بشكل مباشر، مشيرة إلى أن الاتحاد يستعد لأي خيار.
بدورها أثارت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، المخاوف بشأن احتمال إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، مؤكدة الحاجة إلى سيناريو سياسي مُجهز، ففي تصريحات لها في بلومبرج هاوس في دافوس، شددت لاغارد على ضرورة النظر في جميع السيناريوهات، مشجعة أوروبا على الوقوف بقوة، ومذكّرة بأن التحالفات العالمية يمكن أن تتغير.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، سلّطت لاغارد الضوء بالفعل، على "التهديد الواضح" الذي يمكن أن تشكله إعادة انتخاب ترامب لأوروبا، مشيرة إلى صراعات محتملة حول الحماية التجارية، والدعم العسكري لحلف شمال الأطلسي، وذلك بالنظر إلى الطريقة التي أدار بها ترامب السنوات الأربع الأولى من ولايته.
وهذه ليست المرة الأولى التي يعرب فيها القادة الأوروبيون عن قلقهم، بشأن عودة ترامب المحتملة إلى السلطة، إذ أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز في وقت سابق، عن عدم حماسه لإعلان ترشح ترامب للرئاسة، وسبق أن تعرض الاتحاد الأوروبي، المنظمة السياسية والاقتصادية التي تضم 27 دولة، لانتقادات من قبل خبراء سياسيين لعدم أخذ انتخاب ترامب على محمل الجد في عام 2016. وقد اختلف الاتحاد الأوروبي وترامب خلال رئاسته لأميركا حول العديد من البنود، أبرزها فيما يتعلق بالتجارة والناتو والبيئة.
قادة الأعمال يستعدون لعالم ترامب
والاستعداد لعالم ترامب لا يقتصر فقط على الاتحاد الأوروبي، بل يمتد ليشمل الصين التي عانت خلال رئاسته لأميركا من سياسته، التي ترتكز على نهج العقوبات الاقتصادية، والتعريفات الجمركية، كما أن شبح عودة ترامب إلى البيت الأبيض، طارد قادة الأعمال في دافوس 2024، حيث أعلن البعض منهم أنهم يقومون بالفعل بإعداد أعمالهم للتعامل مع هذا السيناريو، من خلال التركيز على ميزانيات الربع الرابع من 2024 والخطط الشاملة التي تنطوي على مزيد من الحذر.
وقال تاكيشي نينامي، الرئيس التنفيذي لشركة سنتوري اليابانية لصناعة المشروبات، لشبكة CNBC، إنه بالنظر إلى ما حدث عندما كان الرئيس ترامب في منصبه، فإن اهتمامه الرئيسي هو التجارة، لذلك فإن شركة سنتوري تخصص المزيد من الموارد لعملياتها في الولايات المتحدة، حتى تتمكن من حماية نفسها من أي نزاعات تجارية، وذلك من خلال تعزيز الإنتاح المحلي في الولايات المتحدة.
أما بالنسبة لبيل وينترز، الرئيس التنفيذي لبنك ستاندرد تشارترد، فإن العلاقة بين الصين وأميركا، تشهد "إعادة ارتباط طفيفة" خلال إدارة بايدن، ما يمكن تفسيره بأنه إشارة الى أن الولايات المتحدة تتطلع إلى تحقيق الاستقرار في العلاقات مع الصين، وبالتالي فإن أحد الأسئلة الرئيسية حالياً، هو كيف يمكن لزعيم أميركي جديد، أن يتفاعل مع الصين، لافتاً إلى أنه إذا أصبح ترامب رئيساً، فمن المحتمل أن تكون هناك صفقة في مكان ما، من شأنها أن تبقي الاقتصاد في حالة توازن، مع إدراك امكانية أن تكون هناك عواقب غير مقصودة أو حوادث.
الرأي العام يتقبل نهج ترامب
ويقول كبير استراتيجي الأسواق في BDSwiss ME مازن سلهب، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الى البيت الأبيض قد لا تكون مفاجئة للجميع، السياسيين وصناع القرار حول العالم، وأيضاً الأسواق المالية، وذلك ليس بسبب تراجع شعبية الحزب الديمقراطي مثلاً، أو عدم قدرة المنافسين الآخرين في الحزب الجمهوري، الذي ينتمي إليه ترامب، على منافسته، بل لأن الرأي العام الأميركي بات أصلاً يتقبل نهج ترامب، مستفيداً من صعود ثقافة ما بعد العولمة وديناميكيات العالم الليبرالي، التي لم تقنع الملايين بما فيها الدول الكبرى وعلى رأسها الصين وروسيا.
أسباب الخوف من عودة ترامب
وبحسب سلهب فإنه لطالما كان الجمهوريون أقرب الى الأسواق المالية من الديمقراطيين، فالحزب الجمهوري يفضل اعتماد نهج ضرائب أقل على الشركات، وتخفيضاً للفائدة الفيدرالية، وهذه سياسات تدعم الأسواق المالية عموماً، ما يدفع للاعتقاد بأن خوف الأسواق من عودة ترامب مرتبط بحالة الجهل، وعدم القدرة على التنبؤ بقراراته وأفعاله، لأن ترامب لا يأتي من داخل المؤسسة الأميركية البيروقراطية المعروفة، وعليه سيصعب التكهن بأفعاله، كما أن الخوف يأتي من الاحساس بالعجز عن ايقاف سياساته الاقتصادية، التي تلقى دعماً كبيراً من الأميركيين العاديين، وحتى النقابات.
تغيير لصالح المواطن الأميركي
ويرى سلهب أن سياسات ترامب الانعزالية، تأتي ضد العولمة التي ابتدعتها أميركا أصلاً، ولكنها قد تؤدي فعلاً الى تغيير جذري في بنية الاقتصاد الأميركي مجدداً، والسياسات الاقتصادية مع الصين والعالم، وهذا التغيير قد لا يكون سلبياً بالمطلق، بالنسبة للمواطن الأميركي العادي، لافتاً إلى أن براغماتية ترامب تعمل لصالح قطاع الأعمال، فعودته مجدداً الى البيت الأبيض لو حدثت، ستؤدي الى تغيير في وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يالين حالياً، وكذلك تغيير رئيس الفيدرالي الأميركي جيروم باول، حيث يرغب ترامب في تخفيض الفائدة مجدداً لدعم قطاع الأعمال والإنفاق، ولا ننسى دعم قطاع العقارات الذي بنى ترامب ثروته منها.
عودة الرسوم للتجارة الدولية
وشدد سلهب على أن عودة الرئيس ترامب للبيت الأبيض، ستضع مسماراً جديداً في نعش العولمة الأميركية، وعليه فقد تعاني التجارة الدولية مجدداً، من رسوم وتعريفات جديدة مرتفعة، ترفع تكاليف الإنتاج والتضخم مجدداً، كاشفاً أن الخوف من عودة ترامب، تأتي من عدم القدرة على التعامل مع قراراته، لأنها قرارات تحمل طابعأً شخصياً في كثير من تفاصيلها، مع اعتماده على بناء علاقات شخصية، مع صنّاع القرار، مباشرة خارج إطار المؤسسات وهذا يربك صانع القرار عموماً.
ردة فعل الأسواق
ويرى سلهب أن ردة فعل الأسواق على عودة ترامب، قد تكون سلبيةً في البداية، ولكن هذا الأمر سيكون مؤقتاً، فعدو الرئيس ترامب لن يكون سياسياً بل قد يتمثل بالدورة العادية للاقتصاد الأميركي، التي قد لا تساعده في بداية حكمه في حال عودته.
زعيم جمهوري مغامر
من جهته يقول عضو اللجنة التنفيذية في المنتدى الاقتصادي العالمي الدكتور ألفرد رياشي، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن المخاوف المتعلقة بالأمن والتجارة والمناخ، هي أولوية بالنسبة للعديد من حلفاء الولايات المتحدة، ومع الأخذ في الاعتبار النهج الذي اعتمده ترامب خلال فترة رئاسته لأميركا، فإن احتمال عودته إلى هذا المنصب تقلق هؤلاء، فترامب أزعج الدول بالأنظمة الضريبية الجديدة، التي اعتمدها حتى مع الدولة الحليفة له، كما أنه حاول التملص من العديد من الاتفاقات والمعاهدات التجارية التي تربط أميركا بالدول، محاولاً إدخال تعديلات عليها لصالح بلاده، مشيراً إلى أن المحادثات في دافوس دقت جرس الإنذار لضرورة إعداد الأعمال للتعامل مع زعيم جمهوري مغامر في البيت الأبيض.
ويشرح رياشي أن القلق الأوروبي الكبير من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لا يرتبط فقط بالتجارة والعلاقات الاقتصادية، فالعودة المحتملة للزعيم الجمهوري، تأتي في لحظة حاسمة من الحرب الروسية الأوكرانية، ومن المعروف أن ترامب لا يرغب باستمرار هذه الحرب، وهو سيسعى لتحقيق حلّ سلمي تخشى أوروبا أن يكون لغير مصلحتها، ما قد يعزز نفوذ الرئيس الروسي بوتين، ويدفعه للقيام بمزيد من الخطوات التي تؤثر سلباً على أمن أوروبا.
ضربة للجهود البيئية
ويكشف رياشي أن الولايات المتحدة الأميركية، كانت الدولة الأولى في العالم، التي تنسحب من اتفاقية باريس للمناخ، وذلك خلال عهد الرئيس دونالد ترامب، ليأتي الرئيس بايدن ويعيد بلاده إلى هذا الإتفاق، الذي يهدف إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فترامب يملك رأياً حاداً فيما يتعلق بالخطوات التي يدعمها نشطاء المناخ، الذين وصفهم بـ"أنبياء الشؤم"، وذلك في خطاب ألقاه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في 2020، لافتاً إلى أن احتمال عودة ترامب، ستربك جميع مخططات التحوّل إلى الطاقة النظيفة، في ضربة للجهود العالمية في هذا المجال.