لا تزال عدوى الإضرابات تشكل عرضاً مستمراً في المملكة المتحدة، من إضراب الأطباء، إلى إضراب السكك الحديدية الذي تم إلغاؤه أخيراً، وغيرها من الوقائع المتواصلة بشكل شبه يومي، والتي تعكس حجم الاضطرابات الداخلية الذي يعاني منها بلد يرزح تحت وطأة ارتفاع تكلفة المعيشة وسط ضغوطات تضخمية ذات انعكاسات واسعة.
وتغذي غالبية من التحركات العمالية بالبلاد حالة الغضب من جانب العاملين في القطاع العام بسبب انخفاض الأجور بالقيمة الحقيقية.
ركزت التحركات في صفوف الممرضون والأطباء المبتدئون والمدرسون، وحتى الخدمات البريدية والسكك الحديدية، وكلاهما كانا جزءاً من القطاع العام قبل خصخصتهما.
الباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية، حميد الكفائي، قال في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- الإضرابات في بريطانيا خلال السنة الماضية كانت واسعة وعميقة؛ سواء في قطاع النقل والصحة وحتى التعليم.
- السبب الأساسي في ذلك ارتفاع تكلفة المعيشة، وعدم ارتفاع الأجور بشكل يتناسب مع ارتفاع معدل التضخم.
- الحكومة من جانبها تماطل في رفع معدل الأجور؛ لأنها لا تستطيع ذلك، لكون هذا من شأنه تشجيع الاستهلاك بالتالي رفع معدل التضخم الذي تسعى لخفضه منذ مجيئها العام الماضي، فعندما ترتفع الأجور يزداد الإنفاق وحينها يؤثر هذا على معدل الأسعار، لأن زيادة الطلب دائما ترفع الأسعار.
- الحكومة مترددة في رفع معدل الأجور.. كذلك لا يمكننا إغفال أن طبيعة السنة الحالية، كسنة انتخابية، وحكومة حزب المحافظين تريد أن تدعي -على الأقل خلال الحملة الانتخابية- تمكنها من خفض معدل التضخم.
وتابع: مع ذلك الحكومة حاولت التخفيف من هذه الإضرابات؛ فهي تمكنت من شق صفوف العاملين في الصحة، وتمكنت من التوصل لاتفاق مع كبار الأطباء والعاملين في الإسعاف، لكنهم لم يتفقوا مع صغار الأطباء، وهؤلاء لهم أهمية كبرى، لأنهم يُشغّلون المستشفيات في حالات الطوارئ.
وأضاف حميد الكفائي، فيما يخص إضراب لعمال النقل أُلغي أخيراً بسبب تدخل رئيس بلدية لندن، صادق خان، الذي قدم تبرعًا من البلدية بـ 50 مليون جنيه، كي يدعم اتفاقًا بين المدراء والعمال، ولكن هذا مؤجل، لأن العرض المقدم من المدراء كان 5 بالمئة زيادة بالأجور، وهذا قليل جدًا لأن معدل التضخم في العامين الماضيين تجاوز تلك النسبة، على الرغم من انخفاضه العام الماضي لدون الـ5 بالمئة.
واستطرد: من ناحية أخرى يجب أن نذكر في هذا الصدد، أن الإضرابات خصوصاً في مجال النقل أصبحت لا تؤثر كثيراً على إنتاج الشركات؛ لأن نسق العمل من المنازل صار مألوفًا في بريطانيا، فعندما يُضرب عمال النقل عن العمل يبقى الموظفون في المنازل ويستطيعون تأدية أعمالهم من المنزل، بينما نقابات العمال بدأت تختار أوقاتًا غير مناسبة، فعلى سبيل المثال تختار يوم الخميس بدلًا من يوم الجمعة، إذ إن يوم الإضراب يوم الخميس يعرقل العمل، مؤكدًا: هذا يعد معركة سياسية لأن نقابات العمال تؤيد حزب العمال المعارض، بينما هذه المؤسسات والجمعيات والمديرين، جميعهم يؤيد حزب المحافظين.
واختتم تصريحاته لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قائلاً: في كل الأحوال حزب العمال لا يود أن يرى إضرابات، لأن ذلك يُحسب عليه، فهو لا يستطيع أن يسيطر على أو يتحكم بـ قرارات نقابات العمال التي تسعى لخدمة أعضائها، وفي الحقيقة يتم التعاطف مع العمال ومع الموظفين وصغار الأطباء لأن أجورهم منخفضة، فالطبيب يأخذ 15 جنيهًا إسترلينياً في الساعة.
- أظهرت إحصاءات رسمية، تراجع التضخم في المملكة المتحدة- وفقا لمؤشر أسعار المستهلكين- إلى أدنى مستوى منذ أكثر من عامين، وهو تطور من المرجح أن يعزز التكهنات بأن بنك إنجلترا قد يبدأ في خفض أسعار الفائدة في وقت أقرب مما كان متوقعا.
- ووفق مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، فإن التضخم انخفض إلى 3.9 بالمئة في نوفمبر، وهو أدنى مستوى له منذ سبتمبر 2021، من 4.6 بالمئة المسجلة في أكتوبر.
- وذكر المكتب إن الدافع الأكبر لهذا الانخفاض هو انخفاض أسعار الوقود بعد زيادتها في نفس الفترة من العام الماضي.
والأسبوع الماضي، بدأ الأطباء في مستشفيات إنجلترا، أطول إضراب متواصل لهم منذ 7 عقود من تاريخ هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، وبدأ الأطباء المبتدئون (أي أقل من المستوى الاستشاري) إضراباً مدته 6 أيام في تصعيد كبير لخلافهم القائم منذ مدة طويلة مع الحكومة البريطانية بشأن الأجور. وتسببت احتجاجات الأطباء في إلغاء أو تأجيل أكثر من 1.2 مليون موعد طبي.
من لندن، قال الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- بريطانيا تحولت إلى بلد الإضرابات الأول في العالم، لتشمل جميع مناحي الحياة الاقتصادية وكل القطاعات الحيوية في البلاد.
- يكاد لا يمر يوم دون إضراب في مصلحة حكومية، وهو بدوره شكل ارتباكاً غير مسبوق في حركة النقل وفي قطاعي الصحة والبريد خلال فترات مهمة.
- كلما توقف إضراب انطلق آخر في قطاع حساس يؤثر على حياة الملايين من المواطنين. .
- بريطانيا خسرت أكثر من 3.5 مليون يوم عمل إضافي، منذ أن بدأ مكتب الإحصاء الوطني بجمع البيانات حول الإضرابات في يونيو الماضي، خلال انتشار الوباء.
واستطرد الخبير الاقتصادي يقول:" لن نكشف سراً اذا قلنا إن بريطانيا أصبحت فقيرة، فحسب كبير الاقتصاديين في بنك إنكلترا الذي صدم مؤخرا مواطنيه قائلا: مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتراجع الجنيه الإسترليني لأدنى مستوياته التاريخية في سبتمبر 2022، وتراجع حجم بورصة لندن إلى ما وراء بورصة الهند، مستعمرتها السابقة، فإن بريطانيا العظمى أصبحت فقيرة، وعلى المواطنين البريطانيين تقبل حقيقة فقرهم".
وأيضاً، أكد القاسم أن الحكومة تعرض تسويات وزيادة في الأجور بين 5 إلى 8 بالمئة، بينما يرى المضربون أن ذلك لا يعدل ربع نسبة التضخم وتآكل الرواتب بين25 إلى 35 بالمئة.
ومع تعدد الإضرابات، يرصد موقع strikecalendar قوائم محدثة يومية بمواعيد الإضرابات وتفاصيلها في قطاعات مختلف، وكيف يمكن أن تؤثر على الناس. و يستعرض قوائم زمنية لجميع الإضرابات الإقليمية وعلى مستوى الدولة المخطط لها حاليًا.