بلغت عمليات شراء الهند للخام الروسي رغم الضغوط الغربية المرتبطة بأوكرانيا أدنى مستوى لها منذ 11 شهرا في ظل ارتفاع كلفة هذا النفط المخفّض، وفق ما أظهرت آخر البيانات.
منذ اندلاع الحرب الأوكرانية قبل نحو عامين، اشترت الهند مئات الملايين من براميل الخام الروسي بأسعار مخفّضة، لتدّخر مليارات الدولارات مع تعزيز خزينة الحرب الروسية.
وضعتها عمليات الشراء في المرتبة الثانية ضمن زبائن روسيا بعد الصين. ولم يخف المسؤولون الهنود قرارهم منح أولوية للمصلحة الوطنية على العقوبات الدولية المفروضة على موسكو.
لكن سعر الخام الروسي ارتفع في مواجهة خفض تحالف "أوبك بلس" الإنتاج وازدياد الطلب من الصين، وفق ما يؤكد محللون، ما يجعله أقل جاذبية بالنسبة للزبائن الهنود، بحسب تقرير "فرانس برس".
واشترت مصافي التكرير الهندية 1.45 مليون برميل من النفط الروسي يوميا الشهر الماضي، في أقل كميّة منذ يناير العام الماضي وأقل بنحو 16 في المئة عن نوفمبر، بحسب منصة استخبارات تجارة الطاقة العالمية "كبلير".
وقال كبير المحللين المتخصصين في الخام لدى "كبلير" فيكتور كاتونا لـ"فرانس برس" إن "التأثير المتبادل بين الهند والصين" كان محرّكا رئيسيا للتغيير "فيما يتنافس البلدان للحصول على ذات البراميل".
تعد روسيا المستفيد الأكبر من التغيير إذ يتم تداول الخام الروسي بسعر يبلغ أكثر من 85 دولارا للبرميل، بحسب تقارير، رغم أن ائتلاف مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وأستراليا فرض سقفا للأسعار عند 60 دولارا قبل عام.
وستحظى واردات نيودلهي المخفّضة بترحيب بعض صانعي السياسات الأوروبيين الذين أعربوا عن قلقهم حيال الطريقة التي عالجت من خلالها المصافي الهندية الخام الروسي لتحويله إلى وقود للسوق الأوروبي، في التفاف على عقوبات الاتحاد الأوروبي.
براغماتية لا سياسة
ترتبط نيودلهي وموسكو بعلاقات تعود إلى حقبة الحرب الباردة، وما زالت روسيا أكبر مزوّد للأسلحة للدولة الأكثر سكانا في العالم.
تجنّبت الهند التنديد بشكل صريح بروسيا على خلفية حربها ضد أوكرانيا، فيما تسعى لتعزيز العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة.
لكن بدلا من المضي قدما على خطى الغرب، عززت شراكتها التاريخية مع روسيا لضمان الحصول على طاقة زهيدة الثمن لمساعدتها على تعزيز النمو من دون مفاقمة عجز الموازنة.
أصبحت روسيا أكبر مزوّد نفط للهند، متجاوزة أكبر المصدّرين التقليديين في الشرق الأوسط، وما تزال كذلك بفارق كبير رغم تراجعها مؤخرا.
وتعد الهند ثالث أكبر مستورد ومستهلك للنفط في العالم وتستورد حوالى 80 في المئة من احتياجاتها.
وفي الشهور العشرة التي أعقبت الحرب الروسية الأوكرانية، ادخرت الهند 3.6 مليار دولار عبر استيراد نفط مخفّض إلى حد كبير من روسيا، وفق بيانات نشرها نائب عن الحزب الحاكم.
ومباشرة قبل الحرب، كانت الهند تستورد 67500 برميل فقط من الخام الروسي يوميا، بحسب بيانات "كبلير".
وارتفعت الكميات التي تشتريها لتبلغ ذروتها عند أكثر من مليوني برميل يوميا في مايو 2023، لكنها تراجعت بشكل ثابت مذاك.
ويفيد مسؤولون حكوميون بأن التغيير الأخير براغماتي محض ومدفوع بالأسعار، أكثر من كونه سياسيا.
وقال وزير النفط الهندي هارديب سينغ بوري للصحافيين الأسبوع الماضي "لمَ قد نشتري منهم إن لم يعرضوا علينا تخفيضا".
وأضاف أن "القيادة الهندية لديها شرط واحد فحسب: أن يحصل الزبون الهندي على الطاقة بأكثر سعر اقتصادي ومن دون اضطراب" الإمدادات.
تغيّر مسار شحنات
دفعت المصافي الهندية ما معدله 85.90 دولار للبرميل في نوفمبر، وفق تحليل لبلومبرغ لبيانات حكومية، وهو مبلغ أعلى بقليل من ذاك الذي عرضه العراق والبالغ 85.70 دولار وأعلى بـ25 دولارا من سقف السعر المحدد من قبل مجموعة السبع.
تسعى موسكو بدورها لزيادة عائداتها النفطية.
وفي مايو، ألقى وزير المال الروسي أنتون سيلوانوف باللوم "على كل هذه التخفيضات" في تراجع عائدات الطاقة في البلاد بنسبة 50 في المئة.
وأفاد الأستاذ في جامعة "ييل" جيفري سونينفلد الذي قدّم الاستشارة لوزارة الخزانة الأميركية في ما يتعلق بسقف الأسعار فرانس برس عن "انخفاض في فعالية سقف الأسعار" لكنه أشار إلى أن الخطوة ما زالت ترفع تكاليف الشحن والتأمين على روسيا.
ويقر مسؤولون هنود بوجود تحديات لوجستية.
تفضّل نيودلهي وزبائن آخرون للنفط الروسي تجنّب تسديد ثمنه بالدولار الأميركي إذ أن القيام بذلك يمكن أن يعرّضهم لعقوبات ثانوية.
وما تزال الصين أكبر زبون للنفط الروسي فيما تظهر بيانات تعقّب من "كبلير" بأنه على مدى الشهرين الماضيين، بدّلت 10 ناقلات تحمل شحنات نفط "سوكول" كانت متوجّهة إلى الهند مسارها أو توقّفت فجأة.
لكن الوزير بوري شدد على أن مشاكل الدفع ليست وراء تراجع الواردات، مشيرا إلى أن الأمر يتعلّق فقط "بالسعر الذي توافق مصافينا على الشراء به".