شهد العالم منذ أواخر العام 2022 وعلى مدار العام الجاري 2023، طفرة واسعة في تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، أدت إلى تحولات متسارعة في أسواق العمل، وخلقت مزيداً من المخاوف بشأن المنافسة حامية الوطيس بين البشر وتلك التطبيقات.
شكلت تلك الطفرة النقطة المضيئة الأبرز في عالم التكنولوجيا هذا العام، وسط سباق محموم بين عمالقة التكنولوجيا على تطوير تقنيات أكثر تطوراً، يُمكنها مواصلة الثورة التي يصنعها الذكاء الاصطناعي في الأسواق.
يأتي ذلك في وقت أبلغت فيه عديد من الشركات عن أنها قد استغنت -أو تتجه للاستغناء- عن موظفين، يُمكن أن يحل محلهم الذكاء الاصطناعي، وفي وقت توظف فيه الشركات بنحو متسارع مهارات الـ AI في أعمالها طبقاً لما تُظهره أحدث الاستطلاعات.
معارضو هذا التطور يرون أن الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يدمر سوق العمل، بينما على الجانب الآخر فإن المؤيدين يرون أن الذكاء الاصطناعي يمكن توظيفه للتكامل مع العنصر البشري لتسريع وتطوير مهام العمل، وأن الطرفين ليسا على النقيض، بل يمكن من خلال فهم تلك التطبيقات وتوظيفها في الأعمال، تحقيق نتائج إيجابية أوسع في أعمال الشركات والمؤسسات.
ومن الواضح أن هذا الجدل لن يُحسم بشكل أو بآخر، لجهة تصاعد المخاوف من طفرة الذكاء الاصطناعي.
ومع مواصلة تطوير تلك التقنيات بشكل متسارع وسط منافسة من عمالقة القطاع حول العالم ممن يتقدمون كل يوم خطوات للأمام، فأن العام المقبل ربما يكون حافلاً بالتطورات الأكثر إثارة، مع تبني الشركات -على مختلف مستوياتها- خطط لتطوير تقنيات جديدة يمكن لها المنافسة في هذا العالم الوليد، واقتناص فرص البدايات، رغم المخاوف المرتبطة بالإجراءات التنظيمية التي تفرض على تلك الشركات في أوروبا.
ماذا يحمل العام 2024؟
ومن المتوقع أن تشهد المجالات التالية منافسة حامية بين البشر والذكاء الاصطناعي في عام 2024، طبقاً لما يحدده المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- الوظائف: من المرجح أن يؤدي التطور المستمر للذكاء الاصطناعي إلى إزاحة بعض الوظائف التي يقوم بها البشر حاليًا. على سبيل المثال، قد يؤدي تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يمكنها إجراء المحادثات وكتابة النصوص إلى إزاحة بعض وظائف خدمة العملاء والكتابة.
- الألعاب: أثبت الذكاء الاصطناعي بالفعل قدرته على التفوق على البشر في مجموعة متنوعة من الألعاب. ومن المتوقع أن يستمر الذكاء الاصطناعي في التحسن في هذا المجال، وقد يصبح قادراً على التفوق على البشر في كافة الألعاب.
- الطب: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجموعة متنوعة من التطبيقات الطبية، بما في ذلك التشخيص والعلاج وتطوير الأدوية. ومن المتوقع أن يؤدي التطوير المستمر للذكاء الاصطناعي إلى زيادة استخدامه في المجال الطبي، مما قد يؤدي إلى تحسين جودة الرعاية الصحية.
- التصنيع: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجموعة متنوعة من التطبيقات الصناعية، بما في ذلك التحكم في الآلة وتحسين الإنتاجية وتطوير المنتجات الجديدة. ومن المتوقع أن يؤدي التطوير المستمر للذكاء الاصطناعي إلى زيادة استخدامه في المجال الصناعي، مما قد يؤدي إلى زيادة الكفاءة وخفض التكاليف.
مستقبل المنافسة
سيعتمد مستقبل المنافسة بين البشر والذكاء الاصطناعي على مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك وتيرة تطور الذكاء الاصطناعي وكيفية استجابة البشر له.
ومع ذلك، فمن المرجح أن تشتد حدة هذه المنافسة في عام 2024، مع استمرار الذكاء الاصطناعي في تطوير وتوسيع نطاق تطبيقاته.
وهناك عدة سيناريوهات محتملة للمنافسة بين البشر والذكاء الاصطناعي في عام 2024، يحددها بانافع فيما يلي:
- السيناريو الأول: يستمر الذكاء الاصطناعي في التفوق على البشر في مجموعة متنوعة من المجالات، مما يؤدي إلى إزاحة بعض الوظائف التي يقوم بها البشر حاليًا. وقد يؤدي هذا السيناريو إلى البطالة والاضطرابات الاجتماعية.
- السيناريو الثاني: البشر قادرون على إيجاد طرق للتكيف مع الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وتحقيق النمو الاقتصادي.
- السيناريو الثالث: تطوير البشر لذكاء اصطناعي يفوق ذكائهم، مما يؤدي إلى ظهور ما يسمى "عصر الذكاء الاصطناعي".
ومن الصعب التنبؤ بالسيناريو الأكثر ترجيحًا في عام 2024؛ ومع ذلك، من المهم أن نكون على دراية بالتحديات والفرص التي تمثلها المنافسة بين البشر والذكاء الاصطناعي.
تعد المنافسة بين البشر والذكاء الاصطناعي ظاهرة معقدة ولها آثار بعيدة المدى.
من المهم أن تكون على دراية بهذه المنافسة وأن تتخذ الخطوات اللازمة للتكيف معها.
بالإضافة إلى المجالات المذكورة أعلاه، من المتوقع أيضًا أن يتنافس الذكاء الاصطناعي مع البشر في مجالات أخرى، مثل التعليم والإبداع وخدمة العملاء.
على سبيل المثال، يتم بالفعل استخدام المعلمين المعتمدين على الذكاء الاصطناعي لمساعدة الطلاب على التعلم، ويعمل الفنانون المعتمدون على الذكاء الاصطناعي على إنشاء أشكال جديدة من الفن.
في المستقبل، قد يتمكن الذكاء الاصطناعي من تقديم خدمة عملاء لا يمكن تمييزها عن خدمة العملاء البشرية.
ويضيف بانافع: "من المرجح أن تستمر المنافسة بين البشر والذكاء الاصطناعي في الاحتدام في السنوات المقبلة؛ من المهم أن تكون على دراية بهذه المسابقة وأن تستعد للتحديات والفرص التي تقدمها".
التكامل
ويشار هنا إلى النتائج التي خرج بها استطلاع حديث لـ ResumeBuilder، قبيل أسابيع قليلة، والتي كشفت عن أن نسبة تصل إلى 53 بالمئة من الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي في عديد من المهام المختلفة، وعلى رأسها دعم العملاء، والبحث وإنشاء ملخصات الاجتماعات وغير ذلك.
بينما لا تزال نسبة تصل إلى 24 بالمئة من الشركات -التي شملها الاستطلاع- تخطط لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في العام الجديد.
كشفت نتائج الاستطلاع عن أن نسبة تقارب الـ 40 بالمئة من الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في أعمالها، تعتقد بأن تلك التقنيات حلت محل عديد من الموظفين في العام 2023، كما أن أربع من كل عشر شركات ترى أنه من المحتمل أن يحل الذكاء الاصطناعي محل موظفين في العام 2024.
وضمن النتائج التي تعكس مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على التوظيف في 2024، ما خلص إليه الاستطلاع فيما يتعلق بأن نسبة تصل إلى 96 بالمئة من الشركات التي تعتزم طرح وظائف جديدة في العام المقبل "ترى أنه من الضروري أن يستفيد الموظفين من تقنيات الذكاء الاصطناعي وامتلاك مهاراتها".
تنظر تلك الشركات للموظفين أصحاب مهارات الذكاء الاصطناعي -الذين لديهم القدرة على توظيف تلك التقنيات في أعمالهم- على أنهم سوف يتمتعون بأمان وظيفي أكبر من نظرائهم ممن لا يمتلكون تلك القدرة.
وتشجع نتائج الاستطلاع المذكور على عدم الخوف من تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، والعمل في توائم معها من أجل توظيفها من أجل أداء أفضل وأسرع في الوظائف المختلفة.
وفي العام 2024، من المتوقع أن تشتد المنافسة بين البشر والذكاء الاصطناعي.
ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، فمن المرجح أن يوسع نطاق تطبيقاته ليشمل المزيد من المجالات.
وسيستمر الذكاء الاصطناعي أيضًا في التحسن، ليصبح قادرًا على أداء المهام المعقدة بكفاءة أكبر من البشر، بحسب بانافع.