اعتباراً من يوم الجمعة الماضي، بدأ تصعيد اتحاد عمال السيارات في الولايات المتحدة الأميركية، والذي يمثل ما يقرب من 40 بالمئة من جميع العاملين في الصناعة بالبلاد، وذلك في مدينة ديترويت، ضد شركات تصنيع السيارات الثلاثة الكبار (جنرال موتورز وفورد وستيلانتس).
وهذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها عمال الاتحاد UAW من المصانع في جميع شركات صناعة السيارات الثلاث في وقت واحد.
وتطالب النقابة بأجور أعلى لما يقرب من 150 ألف عضو يعملون في الشركات الثلاث. وتعد حملتها جزءاً من معركة أوسع لحماية العمال في ظل خطط التحول إلى الطاقة النظيفة والسيارات الكهربائية، والتي تقدر النقابة أنها قد تكلف 35 ألف وظيفة.
- تشمل مطالب الاتحاد زيادة في الأجور نسبتها 40 بالمئة للسنوات الأربع المقبلة.
- شركات السيارات تعرض حالياً زيادة نسبتها 20 بالمئة فقط.
- من ضمن المطالب الخلافية، زيادة الأجور والمخصصات لصغار الموظفين لتقليص الفجوة بينهم وبين أولئك الأكثر خبرة والذين يتلقون حالياً نحو 32 دولاراً في الساعة.
وأعلن زعيم النقابة UAW عن أن الأعضاء يعتزمون توسيع إضرابهم ضد شركات صناعة السيارات في ديترويت يوم الجمعة المقبل ما لم يكن هناك تقدم جدي على طاولة المفاوضات في النزاع حول الأجور.
وأفاد رئيس UAW شون فاين بأن شركات صناعة السيارات هي المسؤولة عن التأخير في المفاوضات، وأن النقابة لن تقف مكتوفة الأيدي " مردفاً: "نحن لا ننتظر، ولا نعبث".
يشارك نحو 12700 من 150 ألف عامل تمثلهم النقابة في الإضراب، لكن تصريحات فين تشير إلى إمكانية توسيع نطاق التحرك الذي تطال تداعياته كل القطاعات الاقتصادية الأميركية.
تصعيد محتمل
وبحسب تقرير نشرته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، فإن "من شأن هذه الخطوة (التصعيد) أن توسع الأمر إلى ما هو أبعد من 13 ألف عامل في ثلاثة مصانع الذين أضربوا عن العمل يوم الجمعة الماضي.
ويؤدي التحول إلى السيارات الكهربائية إلى انخفاض كبير في عدد الوظائف في قطاع السيارات على المدى القصير.
وبينما عادة ما تكون الإضرابات في صناعة السيارات محل اهتمام، إلا أن هذا الإضراب له أهمية خاصة، ذلك أن "النقابات لا تقاتل فقط من أجل بضعة دولارات إضافية. وقد لا تحدد هذه المعركة مستقبل التحول إلى الطاقة النظيفة في الولايات المتحدة فحسب، بل ربما تحدد نتيجة الانتخابات الرئاسية للعام 2024، ومستقبل الحزب الديمقراطي"، حسبما ذكرت الكاتبة رنا آيلين فوروهار، في صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
في هذا السياق، يقول المحلل الأميركي، حازم الغبرا، وهو مستشار سابق بوزارة الخارجية، إن هذا الإضراب يعكس وضعاً اقتصادياً صعباً في الولايات المتحدة الأميركية، رغم أنه يتم العمل على احتواء الأزمة، لكن هذا يُبرز حجم الضغوطات مع معدلات التضخم وشعور المواطن الأميركي بأن الأسعار لن تعود إلى ما كانت عليه قبل كورونا بسرعة، وفي ظل عدم تغير (ارتفاع) الدخل بشكل ملائم مع زيادة الأسعار.
تقديرات الخسائر
يتحدث الغبرا في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عن اتحاد عمال السيارات، موضحاً أنه يضم مئات الآلاف من الأعضاء (من بينهم ما يقارب الـ 600 ألف عضو متقاعد أيضاً). ويقول إن الاتحاد لديه أموالاً طائلة مخزنة تصل إلى 850 مليون دولار، من الاشتراكات التي تحصل عليها من الأعضاء، وبالتالي لديه القدرة على تمويل الأعضاء بـ 500 دولار أسبوعياً طيلة فترة الإضراب لدعم العمال المضربين.
ويضيف: "خلال إضراب سابق في العام 2019 استهدف وقتها شركة جنرال موتورز، استمر الإضراب لمدة 40 يوماً تقريباً وكانت كلفته باهظة على الشركة، بعد أن شارك فيه حوالي 34 ألف موظف"، وذلك في إشارة إلى مدى الخسائر التي يمكن أن يتسبب فيها الإضراب الحالي، لا سيما مع اعتماد شركات السيارات بشكل أساسي على اليد العاملة.
- تُنتج المصانع الثلاثة التي توقّفت عن الإنتاج بفعل الإضراب، شاحنات متوسطة الحجم تدرّ أرباحًا للشركات، لكن التوقف عن إنتاجها لا يلحق بالشركات حتى الآن أقصى قدر من الخسائر الممكنة، لذلك لا يزال التأثير محدوداً.
- سيتراوح تأثير تراجع المبيعات بين 41 مليون دولار و64 مليون دولار في الأرباح التشغيلية الأسبوعية، وفق مذكرة من دويتشه بنك. ولفت المصرف الألماني إلى أن حركة الإضراب هذه ستكلّف النقابة 6.5 مليون دولار أسبوعياً.
- يقول محللون لدى شركة "كوكس أوتوموتيف" إن مبيعات "جنرال موتورز" قد تكون "أكثر عرضة للخطر" بسبب المبيعات السريعة لدى الوكلاء، بالمقارنة خصوصًا بـ"ستيلانتيس" التي لديها مخزون أكبر من البضائع بسبب مبيعاتها "الضعيفة"، فيما شركة "فورد" تقع "بين" الشركتين الأخريين.
ولا يعتقد الغبرا بإمكانية انتقال العدوى إلى قطاعات أخرى، لا سيما وأن "نقابات قليلة لديها القدرة على فعل ذلك، مثل الاتصالات والكهرباء"، مشيراً إلى أن هناك لوماً على الرئيس بايدن الذي يشجع النقابات "وهذا خطر على نظام رأسمالي كنظام الولايات المتحدة الأميركية (..)"، متحدثاً عن الآثار السياسية لذلك أيضاً.
مطالب صعبة
ويضيف: "المشكلة أن النقابة لديها طلبات كثيرة وكبيرة، على رأسها زيادة مستوى الأجور بحوالي 40 بالمئة وهو ما يعادل نسبة زيادة المدير العام.. وفي النهاية المدير العام فرد، بينما العمال يمثلون عشرات الآلاف، فضلاً عن مطالب أخرى مثل تخفيض ساعات العمل وغيرها من المطالب التي من شأنها أن تغير بشكل كبير العلاقة بين الموظف والشركة".
في الماضي، كانت نقابة "عمّال السيارات المتّحدين" في الولايات المتحدة تستهدف واحدة من الشركات الكبيرة في إضرابها، ثمّ تستخدم العقد الذي يتمّ التوصل إليه كنموذج لإضرابها في الشركات الأخرى.
وإلى ذلك، يحذر الغبرا من إمكانية تأثر تنافسية قطاع السيارات في الولايات المتحدة، ويقول: "تنافسية الولايات المتحدة في السوق العالمية لم تعد في قوتها، إذ نرى دولاً -مثل فيتنام على سبيل المثال- تتقدم بشكل كبير في تصنيع السيارات، وبالتالي فإن "تعقيد الأمور على الشركات الأميركية على هذا النحو وفي ظل وضع دولي معقد يزيد المشهد تعقيداً، وهو أمر ليس جيداً بالنسبة للاقتصاد الأميركي عموماً وقدرة الشركات على المنافسة".
وجاء التهديد بالتصعيد في الوقت الذي واجهت فيه شركة فورد احتمال حدوث إضراب في كندا أيضاً، حيث هدد 5700 عامل بالخروج من مصانع الشركة الكندية بعد انتهاء عقدهم في منتصف ليل الاثنين.
ونقل تقرير الصحيفة البريطانية عن لانا باين، رئيسة Unifor (النقابة التي تمثل نحو 18 ألف عامل في شركات صناعة السيارات الثلاث الكبرى في كندا)، إن المحادثات مع شركة فورد كانت "بناءة"، ولكن لم يتم إحراز تقدم كاف بشأن أولويات مثل المعاشات التقاعدية وزيادة الأجور.
وعلى عكس نقابة عمال السيارات المتحدين، التي استحوذت على شركات صناعة السيارات الثلاث في وقت واحد، اتبعت Unifor نهجاً أكثر تقليدية في المساومة في صناعة السيارات في أميركا الشمالية. اختارت شركة Ford لتكون الشركة المستهدفة أولاً، وبعد التوصل إلى عقد معها، تعتزم محاولة تأمين عقود مماثلة مع GM وStellantis.
تقليل من المخاطر
على الجانب الآخر، يقلل خبير المخاطر المالية المحلل الاقتصادي من الولايات المتحدة الأميركية، محي الدين قصار، من أثر الاحتجاجات الحالية على خطط الولايات المتحدة في قطاع السيارات، وكذلك الحال بالنسبة لأرباح الشركات.
ويقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ثمة زيادة في أرباح الشركات في خطٍ متوازٍ مع زيادة الأسعار، بينما تتعرض القوة الشرائية للعاملين للضغط المستمر، وفي ضوء ما يواجهه العاملون من تهديدات بشأن وظائفهم، ومن هنا فإن المشكلة بين اتحاد العمال والشركات قد بدأت بشكل قوي، فالعمال يريدون حصصاً ملائمة من الأرباح والدخل، والشركات تريد أن تسعى لإيجاد طريقة تتجنب فيها تحمل هذه الزيادات في الدخل، وهو مشهد يتكرر بشكل دائم من آن لآخر بين العمال وأصحاب الشركات (في قطاعات مختلفة).
ويضيف: "الآن بالنسبة لقطاع السيارات تبدو الأمور مختلفة، لجهة الفارق الكبير (الفجوة) في الأجور، بينما الشركات لا تريد أن تتقاسم الأرباح بشكل حقيقي مع العمال (زيادة الدخول بالنسبة للمطلوبة من جانب العاملين)"، لكنه يعتقد بأن ذلك قد لا يهدد الشركات نفسها، والتي حتى وإن تعطل إنتاجها بسبب الإضراب فإنها تضمن أسعاراً مرتفعة نتيجة قلة العرض، فضلاً عن موقع تلك الشركات الجيد في السوق (..)، على حد تحليله للمشهد.
كما لا يعتقد بأن تداعيات ذلك الإضراب قد تمتد إلى تهديد تنافسية شركات السيارات الأميركية أمام نظيراتها الأوروبية على سبيل المثال، موضحاً أنه حتماً ما سوف يتم التوصل لاتفاق بين الشركات والعمال على حل وسط.