يبدو أن صناعة السيارات ستكون أمام تحدٍ كبير خلال الأشهر المتبقية من عام 2023، بسبب وفرة السيارات في السوق، وفشل الطلب في مواكبة العرض.
فقد بات من المؤكد أن عام 2023 سيكون عاماً صعباً جديداً بالنسبة لمُصنعي السيارات في العالم، وهذا ما كانت قد أكدته مذكرة، أصدرها بنك UBS السويسري في وقت سابق من العام الحالي، أشار فيها إلى أن مستوى إنتاج السيارات الجديدة خلال 2023 سيفوق حجم المبيعات بنسبة 6 بالمئة، الأمر الذي سيُبقي أكثر من 5 ملايين سيارة غير مباعة.
وحذّرت مذكرة UBS من أن الاتجاه الصعودي لجداول إنتاج شركات تصنيع السيارات، تُظهر أن هناك خطراً كبيراً في الإفراط في عمليات الإنتاج، ما يزيد الضغوط على أسعار السيارات ويدفع الشركات إلى إطلاق حرب تخفيض الأسعار، للتخلص من مخزونها الراكد، وهذا بالفعل ما بدأ يتوضح في الأشهر الأخيرة من عام 2023.
وتعاني صناعة سيارات الركاب في العالم من صعوبات منذ نهاية عام 2019، حيث تسبب وباء كوفيد-19، إضافة إلى أزمة نقص الرقائق الإلكترونية، في تعطيل سلاسل تصنيع وتوريد السيارات في جميع أنحاء العالم عدة مرات، ما بين عامي 2020 و2022، ما أجبر شركات صناعة السيارات على خفض إنتاجها، حيث ترافق ذلك أيضاً مع انخفاض كبير في المبيعات.
وتشير تقديرات المنظمة الدولية لمصنعي السيارات "OICA" إلى أن مستوى إنتاج سيارات الركاب في العالم، وصل إلى 67.1 مليون سيارة في عام 2019، في حين وصلت المبيعات إلى 64 مليون سيارة، ولكن هذه الأرقام شهدت تدهوراً كبيراً في عام 2020 مع إنتاج 55.8 مليون سيارة وبيع 53.9 مليون سيارة.
وشهدت صناعة السيارات تحسناً طفيفاً في 2021، حيث أظهرت أرقام منظمة "OICA" ارتفاع عمليات انتاج سيارات الركاب إلى 57 مليون سيارة، في حين بلغت المبيعات مستوى 56.4 مليون سيارة، حيث أدى تقارب أرقام الإنتاج من أرقام المبيعات، إلى تعزيز المخاوف من أن تصل صناعة السيارات إلى وقت يصبح فيه العرض أقل من الطلب، لينعكس هذا الخوف ارتفاعاً في أسعار السيارات، وصلت نسبته بين عامي 2020 و2021 إلى أكثر من 17 بالمئة، بحسب شركة "كيلي بلو بوك" لتقييم المركبات وأبحاث السيارات.
ومع بدء تخلص العالم من قيود كوفيد-19 في عام 2022 وعودة دورة العمل إلى مسارها الطبيعي، بدأت صناعة سيارات الركاب تستعيد عافيتها، وبدأ المعروض من السيارات الجديدة يتحسن أيضاً، إذ تم خلال 2022 انتاج 61.5 مليون سيارة وبيع 57.4 مليون سيارة، لتحافظ الأسعار على مستوياتها المرتفعة بسبب عدة عوامل، أهمها ارتفاع تكلفة مواد التصنيع والمكونات، مثل الفولاذ والبلاستيك والنحاس والنيكل والكوبالت والليثيوم، ومعادن البلاتين والبلاديوم، إضافة إلى مشاكل سلسلة التوريد وارتفاع تكاليف الطاقة.
وبلغت القيمة العالمية لسوق تصنيع السيارات حوالي 2.52 تريليون دولار أميركي في عام 2022، أي أقل من حجم السوق في عام 2019 عندما بلغت 2.88 تريليون دولار، حيث تعد الصين أكبر سوق للسيارات في العالم، سواء من حيث الطلب أو العرض، في حين تعتبر شركة تويوتا اليابانية أكبر شركة مبيعاً للسيارات في العالم، مع بيعها لـ 10.4 مليون مركبة خلال عام 2022.
وعلى عكس السنوات القليلة الماضية، فإن ما تعاني منه صناعة السيارات في 2023، قد يكون أمراً إيجابياً بالنسبة للمستهلكين، فبقاء أكثر من 5 ملايين سيارة غير مباعة، واحتمال انطلاق حرب تخفيض أسعار السيارات بين المنتجين للتخلص من المخزون، سيكون لصالح المستهلكين الذين سيتمكنون من العثور على صفقات رائعة على السيارات الجديدة.
بدء حرب تخفيض الأسعار
وتقول المحللة في شؤون السيارات، سينتيا ليان، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن شركات تصنيع السيارات بدأت بالفعل بخفض أسعار سياراتها، في محاولة منها للتخلص والتخفيف من مخزونها غير المباع، من سيارات الركاب الجديدة، قبل نحو 3 أشهر من نهاية العام، مشيرة إلى أن حرب تخفيض الأسعار انطلقت بالفعل، وهي تشمل السيارات التقليدية والهجينة والكهربائية، حيث يمكن ملاحظة ما يحصل في سوق السيارات، من خلال مراقبة سلوك "تسلا"، التي لجأت إلى تخفيض أسعارها عدة مرات هذا العام.
وتكشف ليان أن صالات عرض وبيع سيارات الركاب في العالم، باتت مليئة بالعروض التي تقدم حسومات كبيرة على الأسعار، وهذا الأمر بدأ في النصف الثاني من 2023، وهو مستمر حتى الآن وبوتيرة أكبر، إذ هناك عدداً كبيراً جداً من السيارات وليس هناك ما يكفي من المشترين، معتبرة أن هذه الأخبار جيدة للمستهلكين، الذين سيعتبرون أن الوقت الحالي هو الوقت المناسب للحصول على صفقة جيدة، عند شراء سيارة جديدة.
وترى ليان أن صناعة السيارات بشقيها التقليدي والكهربائي، استبدلت مشكلة قلة العرض التي عانت منها في 2021، بمشكلة قلة الطلب في 2023، فعندما تحّسن المعروض من السيارات الجديدة، تراجع الطلب بسبب عدة عناصر أهمها العنصر الاقتصادي، مشيرة إلى أن ما يحصل لا يبشر بالخير بالنسبة للوضع العام لصناعة السيارات في 2024.
وبحسب ليان فإن السيارات العائلية والسيارات التي تستهلك كمية كبيرة من المحروقات، ستكون الأكثر عرضة للمعاناة من تخفيضات الأسعار، في حين أنه من المتوقع أن تصمد شركات صناعة السيارات الفاخرة بشكل أكبر أمام موجة التخفيضات.
عوامل تضغط على المستهلكين
من جهته يقول التاجر والخبير في سوق السيارات محمد موسى في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ارتفاع تكاليف المعيشة بفعل التضخم، وتكلفة الطاقة، إضافة إلى ارتفاع أسعار الفائدة على القروض المصرفية، كلها عوامل أدت إلى الضغط على قدرة المشترين المحتملين للسيارات الجديدة، حيث أصبحت الأسعار غير قابلة للتحمل بالنسبة لهؤلاء، في حين كانت معامل الإنتاج تفرط في الإنتاج، مما سيترك فائضاً قدره خمسة ملايين سيارة، معتبراً أن المرحلة التي وصلنا إليها تتطلب تخفيض الأسعار لجذب المشترين.
ويرى موسى أن عام 2023 سيحمل أخباراً سيئة لشركات تصنيع السيارات، التي ستضطر لتخفيض اسعارها، وبالتالي تقليص أرباحها، حيث من المرجح أن تأتي التخفيضات على حساب تآكل الأرباح، لافتاً إلى أن هذه الشركات سيكون عليها في 2023 التخلي عن مستويات الأرباح القياسية، التي حققتها على مدى العامين الماضيين، مشيراً إلى أن كل من تويوتا وفولكس فاجن وبي إم دبليو ومرسيدس، حققت أرباحاً قياسية في عامي 2021 و2022.
وبحسب موسى فإن البيانات تُظهر أن أسعار السيارات انخفضت بنسب متفاوتة، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وذلك بحسب المخزون غير المباع بالنسبة لكل شركة على حدة، مشدداً على أن جميع منتجي السيارات غير الصينيين، سيسارعون الى تقديم تخفيضات، للحفاظ على حصة مبيعاتهم في السوق، وذلك لمواجهة المنافسة المتزايدة من شركات صناعة السيارات الصينية.