تحتفل العاصمة الهندية نيودلهي منذ أيام باستضافة قمة مجموعة العشرين حيث تنتشر الملصقات واللوحات الإعلانية وسط العاصمة وعلى السيارات والدرجات النارية التي تعلن رئاسة الهند للقمة.
نجح الرئيس الهندي ناريندرا مودي في التسويق للقمة، لكنه لم ينسى التسويق لنفسه حيث تعرض القنوات التلفزيونية المحلية صورته مصحوبة بالكلمة الهندية "فيشواجورو"، ومعناها "زعيم عالمي".
يأتي انعقاد القمة بعد أيام من هبوط المركبة الهندية تشاندرايان-3 غير المأهولة على سطح القمر، وبهذا الإنجاز تنضم الهند إلى نادي الدول القليلة التي تمكنت من النزول على سطح القمر بعد أربع سنوات على المحاولات.
لا يمكن عزل هذا الإنجاز عن نجاحات كثيرة تحققها الهند في السنوات الأخيرة وخصوصا في هذا العام، بالتزامن مع تعثر النمو الذي تعيشه الصين.
اقتصاد الهند الأسرع نموا في العالم
الهند أصبحت لديها القوة لتشكيل النظام العالمي الجديد، هذا ما قاله رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في عيد الاستقلال السابع والسبعين للهند. وتتزامن هذه التصريحات مع بداية ظهور الهند كمنافس للصين التي يعاني اقتصادها من ضعف في النمو وتصدعا في عدد من القطاعات المركزية في البلاد.
تمكنت الهند خلال أقل من 10 سنوات أن تقفز عشرة مراتب لتصبح خامس أقوى اقتصاد في العالم كما أنها تستعد لتصبح المصنع الجديد للعالم بعد الصين والسيطرة على سلاسل التوريد العالمية.
أصبحت الهند من الاقتصادات الأسرع نموا في العالم حيث نما اقتصادها بنسبة 7.8 بالمئة في الربع الثاني من هذا العام في حين حققت نموا بنسبة 9.1 بالمئة في السنة المالية 2021-2022. كما أنها الأكبر في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، فقد نقلت أبل نحو 5 بالمئة من إنتاجها إلى الهند وتسعى لرفع النسبة إلى 25 في المئة كما أعلنت شركات أخرى مثل "سامسونغ" و"إل جي" و"والمارت" الانتقال إلى الهند خوفا من الأضرار الناجمة المحيطة بالمنافسة بين الولايات والصين إضافة إلى استثمارات متوقعة لغوغل وإيرباص وبوينغ وشركات أخرى.
كما تمتلك الهند بورصة تتجاوز قيمتها السوقية 3.6 تريليون دولار ومن المتوقع أن تشهد نموا قويا في السنوات الخمس القادمة. وبحسب تقديرات مورغان ستانلي فإن قيمة اقتصاد الهند من الممكن أن تتضاعف لتصل إلى 7.35 تريليون دولار بحلول العام 2031 لتصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم.
منافسة اقتصادية
بدأ التنافس بين الهند والصين بمنطقة في الحدود متنازع عليها. ولعقود من الزمان، كان لدى البلدين العديد من الخلافات على طول حدودهما التي تصل إلى 2100 ميل، وتمتد عبر نطاق جبال الهيمالايا بأكملها تقريبا.
تطور هذا الصراع الحدودي شيئا فشيئا ليصبح منافسة اقتصادية مباشرة. ربما ليست واضحة بالشكل الكافي حاليا لكن جميع المؤشرات تؤكد أنها قد اندلعت بالفعل.
يعمق رئيس الوزراء الهندي علاقته مع الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي تخوض بلاده حربا تجارية مع الصين لم تتوقف منذ 2016. حيث اُستُقبل خلال زيارته الأخيرة لواشنطن بحفاوة وشهدت الزيارة توقيع البلدين على اتفاقيات كبرى في قطاعي الدفاع والتكنولوجيا، في وقت تراهن فيه واشنطن على نيودلهي كقوة موازية للصين. كما اتفقت الدولتان على إنهاء ستة نزاعات بينهما في منظمة التجارة العالمية والبدء بحقبة جديدة في العلاقات الأميركية الهندية.
في مقابل ذلك تسعى الصين إلى تعزيز استثماراتها في باكستان في محاولة لتطويق الهند، حيث ارتفعت قيمة مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني من 46 مليار دولار في 2015 إلى 65 مليار دولار في 2022. كما وقعت بكين وإسلام أباد اتفاقا بقيمة 4.8 مليار دولار لبناء محطة للطاقة النووية بقدرة 1200 ميغاوات إضافة إلى مشاريع الطاقة المتجددة المبرمجة.
مؤشرات الصين تُبهج الهند
كشفت الصين عن نمو دون المتوقع خلال الربع الثاني من 2023، في وقت يواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم تباطؤا في الاستهلاك وأزمة في القطاع العقاري ومخاوف من انكماش مالي.
ورغم الإجراءات التي أقرتها الحكومة وبنك الشعب الصيني بقي نمو اقتصاد الصين متعثرا وبقي الطلب ضعيفا. كما أن أزمات قطاع العقارات خاصة بعد تعثر عملاق العقارات الصيني كانتري غاردن من الممكن أن تأخذ البلاد نحو أزمة عميقة.
من جانب أخر تعاني القطاعات الاقتصادية في الصين وخاصة القطاعات التي تعتمد على الرقائق الإلكترونية من تداعيات الحرب التجارية المنفتحة مع الولايات المتحدة منذ 2016 والتي لم تتوقف حتى بعد مجئ الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى السلطة.
النمو المتعثر تسبب أيضا في تراجع العملة المحلية، ورغم دعم الحكومة إلا أن اليوان الصيني سجل أدنى مستوى له أمام الدولار منذ 2007 بعد البيانات المخيبة التي صدرت هذا الأسبوع.
منذ سنة تقريبا خسرت الصين المرتبة الأولى عالميا في عدد السكان لصالح الهند، وهي نقطة القوة التي لطالما دعمت اقتصاد بكين كما أن سياسة الطفل الواحد جعلت الشيخوخة تتسلل إلى الصينيين مما يهدد بضربة قاسية لسوق العمل والطلب المحلي، وهو ما تسبب في ارتفاع معدل الأعمار إلى 38 سنة في الصين في مقابل 28 سنة فقط في الهند.
أزمات الصين زادت حدة بعد تفجر أزمة البطالة بين الشباب الصيني الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 سنة والتي بلغت 21.4 بالمئة.
تقول التوقعات إن اقتصاد الهند من الممكن أن يتجاوز 25 تريليون دولار بحلول نهاية 2050 وأن بورصة الأوراق المالية لنيودلهي من الممكن أن تصل 10 تريليونات دولار بحلول 2030 وربما تكون مؤشرات الاقتصاد الصيني الحالية تخدم طموحات الهند لكن بزوع شمس "هند جديدة" كما يقول رئيس وزارئها ناريندرا مودي وإزاحة الصين من المنافسة سيصطدم بتعقيدات سياسية واجتماعية ومشاكل في البنية التحتية وضعف في المؤشرات الاجتماعية على نيودلهي يجب العمل عليها قبل احتدام المنافسة.