دخلت معظم الشركات المصنعة للسيارات في العالم في سباق مع الزمن، من أجل استكشاف الطرق، التي تتيح لها استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي في هذه الصناعة، وتسخير قوتها لتحسين تجربة السائقين داخل وخارج السيارة.
وفي الوقت الذي كان يركز فيه معظم مصنعي السيارات في العالم، على كيفية تحقيق الانتقال السلس من عصر السيارات التقليدية، إلى عصر السيارات الكهربائية، أدى ظهور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي في نهاية عام 2022، إلى وضع صناعة السيارات أمام تحد جديد، وهو كيفية التكيف بسرعة مع التغييرات التي ستحدثها هذه التكنولوجيا الثورية.
ورغم أن الكثير من السيارات التقليدية والكهربائية المتوفرة في الأسواق حالياً، تم تجهيزها بتقنيات ذكية ومتطورة، إلا أن السيارة المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، ستغدو مركبة أكثر ذكاءً وتطوراً من الناحية التقنية، وأقل حاجة للتدخل البشري عند سيرها على الطرقات.
ومع إدراك الجميع أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، ستكون أحد أهم المفاتيح التي ستغيّر وجه صناعة المركبات خلال الأعوام المقبلة، سارع أهم منتجي السيارات في العالم، مثل مرسيدس-بنز، وتويوتا، وفولكس فاغن، وتسلا، وبي.واي.دي، إلى استكشاف السبل التي تتيح لهم وضع شركاتهم على الطريق الصحيح، لناحية تبني ودمج تقنيات الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي في السيارات، وآخرها شركة جنرال موتورز التي أعلنت أنها تعمل مع غوغل، لاستكشاف فرص تنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر أعمال صناعة السيارات.
وقد يظن البعض أن تاريخ السيارات الذكية ذاتية القيادة، يعود لبضع سنوات، لكن التجارب على هذا النوع من المركبات، بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي، لتظهر أول سيارة ذكية في عام 1984، من خلال مختبرات "نافلاب" التابعة لجامعة كارنيغي ميلون في أميركا، ومن ثم مشروع مرسيدس بنز وجامعة بندسويهر في ميونيخ بألمانيا عام 1987.
ومنذ ذلك التاريخ طور العديد من الشركات الكبرى، والمنظمات البحثية، نماذج أولية لمركبات ذكية ذاتية القيادة، حيث أخذ تطوير هذا النوع من السيارات يتسارع بشكل كبير، وصولاً إلى عام 2022 بمشاركة أكثر من 35 شركة، تتنوع بين شركات سيارات وشركات تقنية، من بينها لوسيد، وجنرال موتورز، وتويوتا، وأبل، وغوغل، وإنتل، وأودي، وبي أم دبليو، وتسلا، وأوبر، وفورد، وغيرها الكثير.
وفي عام 2009 بدأت شركة غوغل بالعمل على تصنيع وتطوير تقنية القيادة الذاتية، للاعتماد عليها في إنتاج سيارة ذاتية القيادة، وفي مايو 2012 أصدرت ولاية نيفادا بالولايات المتحدة، أول رخصة لسيارة ذاتية القيادة، وفي العام نفسه، أعلنت غوغل أن سياراتها أكملت نصف مليون كيلومتر من القيادة الذاتية على الطرق السريعة بدون حوادث.
وفي عام 2015، بدأت التجارب على السيارات الذكية ذاتية القيادة، في دول أوروبية مثل المملكة المتحدة وفرنسا، كما سمحت ألمانيا وهولندا وإسبانيا باختبار هذا النوع من السيارات في الشوارع العامة.
ورغم التطور الذي شهدته السيارات الذكية ذاتية القيادة في السنوات الأخيرة، إلا أن تواجدها على الطرقات كان محدوداً، بسبب عدة عناصر منها ما يتعلق بالسلامة، ومنها بعدم قدرة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتوفرة سابقاً، على توفير تجربة قيادة رائدة في هذا المجال، وهذا ما دفع بالعديد من شركات تصنيع السيارات، للجوء إلى حل وسط يضمن تزويد السيارات التقليدية، ببعض أنظمة وخدمات الذكاء الاصطناعي المتطورة، وهي سياسة ظهرت تحديداً في طرازات السيارات التي تم طرحها بعد عام 2015.
وتقول الخبيرة بالتحول الرقمي والتنقل الجديد، سهام البحيصي، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، ستقوم بتعزيز أنظمة مساعدة السائقين في السيارات، ما سيجعل المركبات أكثر ذكاءً وأكثر قدرة على التحكم في السرعة والحفاظ على مسار سيرها، كما أن هذه التكنولوجيا ستعزز أنظمة ركن السيارات بشكل آلي، وستساعد المركبات على إدراك تفضيلات السائقين، الذين سيتمكنون من التحكم بالعديد من الأجهزة الموجودة في السيارة، عبر الأوامر الصوتية أو حتى الإيماءات أيضاً.
وبحسب البحيصي فإن العالم يعيش الآن لحظة الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي سيعمل على تعزيز القيمة الكاملة لقطاع السيارات، بدءاً من مرحلة هندسة وتصميم وصنع الهيكل الخارجي، مروراً بتطوير أنظمة المعلومات والترفيه داخل المقصورة، وصولاً إلى تكنولوجيا القيادة الذاتية، مشيرة إلى أن برمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، سيكون لها دور في مساعدة المهندسين، على إنشاء تصميمات السيارات، واستخلاص المواد المناسبة لصناعة هياكلها، إضافة إلى تسخير قدرات هذه التكنولوجيا في إنشاء التعليمات البرمجية داخل السيارة.
وشددت البحيصي على أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، يمثل قفزة كبيرة إلى الأمام في صناعة السيارات، ولكنه لا يعني بالضرورة نهاية السيارات التقليدية، فرغم أننا قد نشهد ظهوراً كبيراً للسيارات ذاتية القيادة في المدى المنظور، إلا أن الاحتمال الأكبر، يبقى بأن نكون أمام مشهد تتعايش فيه السيارات المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي مع السيارات التقليدية، مشيرة إلى أن المناطق التي تفتقر إلى البنية التحتية، اللازمة لتأمين السير الآمن للمركبات ذاتية القيادة، ليست سوى أمثلة قليلة على الأسباب التي تجعل السيارات التقليدية تحافظ على أهميتها في المشهد العالمي للسيارات.
من جهته يقول الكاتب والمحلل في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، ألان القارح، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن صناعة السيارات وصلت إلى مفترق طرق في 2023، والاتجاه الذي ستسلكه بات معروفاً وهو لن يقتصر على تحولها للكهرباء بل أن السيارات ستصبح أكثر ذكاءً من السابق، اعتماداً على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي ستدخل تغييراً جذرياً ليس فقط لناحية طريقة تصنيع السيارات، بل أيضاً لناحية طريقة تعامل السائق مع مركبته، وتقليص دوره، والمهام المناطة به عند سيرها على الطرقات.
وبحسب القارح فإنه من المعروف أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، ستلعب دوراً في تسهيل عملية تصميم وإنتاج السيارات، ولكن التغيير الأكبر الذي ستدخله هذه التكنولوجيا، سيكون في تراجع دور البشر تدريجياً، في تشغيل وقيادة السيارة التي ستتحول إلى مركبة ذكية، مرتبطة بشبكة الإنترنت وتستطيع التواصل مع الركاب وإشارات المرور والفرامل، ونظم الملاحة والخرائط وتحديد السرعة المناسبة وغيرها الكثير من المهام من دون تدخل بشري.
ويرى القارح أن البعض قد يعتقد أن ما سيقال مجرد كلام من الخيال العلمي، ولكن في الحقيقة هو أمر سيحدث خلال السنوات الـ 15 المقبلة، حيث ستضعنا برامج وأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي، أمام سيارة مختلفة تماماً عن تلك التي نقودها حالياً، فهذه الأنظمة ستكون قادرة على تحليل وفهم ما يجري داخل وحول السيارة، ورؤية المخاطر المُحتملة ومساعدتها على تفاديها بسرعة كبيرة، وذلك اعتماداً على الكاميرات وأجهزة الاستشعار الموجودة بالسيارة، مشيراً إلى أن السيارات الذكية المستقبلية، ستكون قادرة على تحقيق القيادة الذاتية، بشكل آمن وأفضل من تلك المتوفرة الآن، وهو الأمر الذي سيتيح للشركات طرح هذا النوع من السيارات على الصعيد التجاري بشكل أكبر.
وشدد القارح على أن توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في عالم السيارات، سيؤدي إلى ظهور مركبات تشخص بنفسها المشكلات التي تعاني منها، لتقوم بحلها ذاتياً عندما يكون ذلك ممكناً، كما ستعمل أجهزة الاستشعار الموجودة في السيارة، بالتفاعل مع الأحداث غير المتوقعة بشكل أسرع من البشر، وبما يضمن تشغيل المكابح أوتوماتيكياً عند الضرورة، لافتاً إلى أن النظام الذكي الجديد للسيارات، قد يتيح لإشارات المرور الإلكترونية، توجيه نصيحة للسيارة بالبقاء على سرعة معينة، في حين أن القفزة النوعية ستكون بقدرة قائد المركبة على التحكم من خلال الأوامر الصوتية، بالعديد من الأمور المرتبطة بالسيارة.
ويضيف القارح إن أنظمة الجيل القديم من الذكاء الاصطناعي كانت قادرة بالفعل على تشغيل وقيادة السيارات ولكن بقدرات مقبولة وجيدة، إلا أن الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي وهو الذكاء الاصطناعي التوليدي، يملك قدرات تحليلية أكبر وأسرع، وهذا ما سيتيح للسيارة تحليل وفهم ما يجري حولها بشكل فائق، وهذه تحديداً ستكون نقطة تحول في عالم السيارات، معتبراَ أن انتشار الذكاء الاصطناعي التوليدي في عالم السيارات، يجب أن يترافق مع انتشار المدن الذكية، فإنتشار السيارات الذكية بشكل كبير، لا يمكن أن يتحقق في المدن التقليدية البعيدة عن التكنولوجيا.