يستعد مجلس الوزراء اللبناني لدراسة مشروع قانون موازنة العام 2024، وذلك بعد أن أُحيل اليه من قبل وزارة المالية.
ولأول مرة منذ سنوات طويلة، يأتي مشروع موازنة لبنان لعام 2024 في التوقيت الصحيح، حيث أعلنت وزارة المالية أنّ إحالتها للمشروع الى مجلس الوزراء بهذا التوقيت، يأتي التزماً منها بالمهل القانونيّة، المتعلقة بتاريخ إقرار الموازنات الّتي حدّدها الدستور اللبناني، وهو ما اعتبره المراقبون خطوة إصلاحية إيجابيّة، مقارنة بكثير من السنوات السابقة التي كانت الموازنات تدرس وتقرّ بعد انقضاء المهلة الدستورية.
وفي سابقة هي الأولى بتاريخ البلاد، يعترف مشروع موازنة لبنان لعام 2024، بأن الدولرة هي السبيل الأنجح والأسرع لتأمين إيرادات للدولة، حيث تتجه الموازنة الجديدة لفرض استيفاء بعض الضرائب والرسوم بالدولار الأميركي.
وتأتي خطوة لجوء الحكومة اللبنانية إلى استيفاء بعض الضرائب بالدولار الأميركي، بعد أن أعلن حاكم مصرف لبنان المركزي بالإنابة، وسيم منصوري، أن المصرف لن يستمر بالنهج السابق، وسيتوقف عن تمويل الدولة بالعملة الصعبة، بعد أن قاربت احتياطاته بالعملات الأجنبية مستوى 8.5 مليار دولار أميركي.
عجز بنسبة 13.8 في المئة
وبحسب مشروع موازنة لبنان 2024، من المتوقع تحقيق إيرادات بقيمة 258.7 تريليون ليرة لبنانية، (2.9 مليار دولار)، ونفقات بقيمة 300.5 تريليون ليرة لبنانية (3.3 مليار دولار)، ليصل العجز بذلك الى نحو 41.7 تريليون ليرة لبنانية (458 مليون دولار)، أو ما نسبته 13.8 بالمئة.
وقد تم إعداد الموازنة على أساس سعر صرف يبلغ 85 ألف ليرة للدولار الواحد، علماً بأن سعر الصرف في السوق السوداء يبلغ حالياً 92 ألف ليرة للدولار الواحد.
وشهد مشروع الموازنة مجموعة كبيرة من التغييرات التي شملت استحداث ضرائب جديدة، إضافة لاعتماد الدولار كعملة دفع إلزامية، يتم من خلالها استيفاء بعض الرسوم، ومن هذه التغييرات:
- رفع معدّل الضريبة على القيمة المضافة من 11 إلى 12 بالمئة.
- استحداث رسم بدل خدمات سريعة وطارئة لإنجاز المعاملات الرسمية.
- فرض رسوم مقابل خدمة جمع النفايات الصّلبة ومعالجتها.
- رفع رسوم إجازات الاستيراد والتصدير وإعادة التصدير.
- فرض رسم جديد للحصول على ترخيص لاستثمار مؤسسة سياحية.
- تحصيل الرسوم الجمركية بالعملات الأجنبية.
- تحصيل الرسوم التي تستوفيها مؤسسة كهرباء لبنان بالعملات الأجنبية.
- تحصيل رسوم المطارات ورسوم المغادرة عن المسافرين بحراً وجواً بالعملات الأجنبية.
- تحصيل الضرائب والرسوم المتوجبة على الشركات صاحبة الحقوق البترولية بالعملات الأجنبية.
- تحصيل حصة الدولة من قطاع استخراج النفط والغاز بالعملات الأجنبية.
- تحصيل حصة الدولة من إيرادات كازينو لبنان بالعملات الأجنبية.
- تحصيل حصة الدولة الناتجة عن الشراكة مع القطاع الخاص بالعملات الأجنبية.
- تحصيل كافة الرسوم المرفئية لقاء استخدام خدمات محطات الحاويات ورسوم السفن الأجنبية بالعملات الأجنبية.
- تحصيل رسم الإقامة لحاملي إجازات العمل بمن فيهم الفنانون والموسيقيون بالعملات الأجنبية.
- تحصيل الضرائب المتوجب على إيرادات رؤوس الأموال المنقولة الأجنبية بالعملات الأجنبية.
وستقوم حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، برئاسة نجيب ميقاتي، بمناقشة ودراسة مشروع موازنة العام 2024 خلال الأيام المقبلة، حيث أنه وفي حال الموافقة عليه، سيحال إلى المجلس النيابي الذي سيقوم بدرسه ومن ثم إقراره عند الموفقة عليه من قبل أغلبية النواب.
موازنة 2024 تستكمل المسار التصحيحي
ويكشف مصدر مسؤول في وزارة المال اللبنانية في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن موازنة عام 2024 تأتي لتستكمل المسار التصحيحي، الذي بدأت به الوزارة منذ موازنة 2022، والذي ساهم في رفع وتعزيز واردات الخزينة، وأعاد الإمكانية التمويلية للخزينة، كاشفاً أن هذا المسار لا يؤدي فقط إلى تصحيح وضع المالية العامة للدولة، بل يؤثر أيضاً إيجاباً على الوضع النقدي العام، من خلال خلق حالة من الاستقرار إلى حد ما، بسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، وهو الأمر الذي تم تحقيقه في الأشهر الأخيرة.
ويضيف المسؤول في وزارة المال اللبنانية، إن مشروع موازنة 2024 ومن خلال المواد والإجراءات التصحيحة المهمة التي يتضمنها، سيكمل المسار الإيجابي المالي في البلاد، حيث سيكون لدى خزينة الدولة قدرة تمويلية أكبر فيما يخص دفع رواتب وأجور القطاع العام دون اللجوء الى مصرف لبنان كما جرى سابقاً، كما أن هذه الموازنة ستتيح للبنان، تنفيذ جميع إلتزاماته على صعيد الاستحقاقات التي تنتظره.
ويقول كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن جزءاً كبيراً لا يستهان به من إيرادات الموازنة اللبنانية لعام 2024، ستتم جبايته بالعملات الصعبة، وهذا ما لم يكن يحدث بالسابق، لافتاً إلى أن سلوك الموازنة هذا المسار، أتى بعد تأكيد مصرف لبنان أنه لن يقوم من الآن وصاعداً بتمويل وإقراض الدولة اللبنانية، إن كان بعملة الدولار الأميركي أو بالليرة اللبنانية، وهذا ما دفع الحكومة الى البحث في كيفية رفع إيراداتها، عبر فرض ضرائب ورسوم جديدة، إضافة إلى البحث عن مصادر تؤمن لها مداخيل بالعملات الصعبة.
وبحسب غبريل فإن مشروع قانون موازنة 2024، يعمد إلى تغذية خزينة الدولة، عبر فرض إيرادات ورسوم على الأشخاص والمؤسسات التي تمتثل ضريبياً، في حين أنه لم يلحظ أي محاولة لإيجاد مصادر تمويل جديدة أو مهملة، مثل إلغاء الوظائف الوهمية بالقطاع العام، وتفعيل جباية الكهرباء، وتطبيق قانون سلامة السير، الذي يدر الكثير من الإيرادات، ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي ومكافحة التهريب عبر الحدود، ومحاربة الاقتصاد غير المنظم.
ويضيف غبريل إن أسوأ ما في مشروع موازنة لبنان لعام 2024، هو أنه يهمل مصادر يمكن للدولة تحقيق إيرادات منها، ويركز على زيادة الضرائب والرسوم، وكأن الدولة في وضع طبيعي مليء بالنمو والانتعاش الاقتصادي، في وقت تستمر معظم الدوائر الرسمية بالإقفال، وعدم العمل بشكل منتظم ما يتسبب بفقدان الدولة للكثير من الإيرادات، التي يمكن لها أن تحصّلها.
من جهته يقول رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن إقرار أي نوع من الموازنات في الوضع الراهن الذي يمر به لبنان، هو أمر صعب من دون أدنى شك، ولكن المفارقة تكمن في أن مشروع موازنة لبنان لعام 2024، تغيب عنه الخطط والمشاريع الإستثمارية غياباً تاماً، وتحضر فيه الرسوم والضرائب، مشيراً إلى أن الموظفين في القطاعين العام والخاص سيكونوا أمام سلة من الضرائب والرسوم من الطراز الأول في حال تم إقرارها.
ورأى الأسمر أن رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة VAT بواقع 1 بالمئة، سينعكس ارتفاعاً بالأسعار بنسبة 9 بالمئة في المئة في الأسواق، حيث سيتحمل المستهلكون وزر هذه الزيادات، إضافة إلى تحملهم وزر رفع رسوم المخاتير والبلديات، مشدداً على أن الإتحاد العمالي سيتابع المسار الذي ستسلكه عملية إقرار الموازنة كما هي، وذلك للتحرك في حال دعت الحاجة، حيث سيؤدي رفع الأكلاف إلى مزيد من الفقر في ظل عدم وجود بنود تحفز الاقتصاد ووسط غياب تام لكل الخدمات.
وقال الأسمر إن الأمر الإيجابي بموازنة لبنان لعام 2024، هو أنها تلتزم بالمهل الدستورية لأول مرة منذ زمن طويل، معتبراً أن تحصيل الدولة اللبنانية بعض الرسوم بالعملات الأجنبية دون المرور بمصرف لبنان، هي خطوة متقدمة تساهم في الحفاظ على ما تبقى من أموال المودعين.