"من شأن توسع مجموعة بريكس أن يسهم في تعزيز مواقف التكتل في مجموعة العشرين، لا سيما بعد انضمام السعودية والأرجنتين (وهما عضوان في G20)".. هذا ما ذكره وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في تصريحات له نقلها التلفزيون الروسي بعد قمة "بريكس" الأخيرة التي أقرت دعوة ست دول للانضمام إلى المجموعة.
وذكر لافروف في تصريحاته أن بلاده سوف تعمل على تنسيق مواقفها الرسمية مع الأعضاء الجدد بالمجموعة في المنصات الدولية، ومن بينها مجموعة العشرين.
يأني ذلك في وقت تشغل فيه مجموعة من الدول الأعضاء ضمن تكتل "بريكس" من بينهم عضوين من الوافدين الجدد الذين ينضمون للتكتل في يناير2024، عضوية مجموعة العشرين، وبما يساعد على تعزيز وضعية "بريكس" وفعاليتها في التجمعات الدولية، الأمر الذي يتيح لها الدفاع عن مبادئها وإعلاء صوت الجنوب العالمي.
وتضم قائمة الدول المشتركة بين تكتل بريكس ومجموعة العشرين كلاً من (الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا)، إضافة إلى اثنين من الوافدين الجدد في يناير المقبل (السعودية والأرجنتين).. فما حدود تأثير توسع بريكس على المجموعة؟ وإلى أي مدى يُمكن أن يعزز ذلك فعالية "الأعضاء المشتركين" في الدفاع عن مصالح تكتل "بريكس" ومبادئه الأساسية والأهداف التي يصبو إلى تحقيقها؟ وما انعكاسات ذلك على الاقتصاد العالمي؟
أوضاع اقتصادية ملتهبة
في البداية، تقول الخبيرة الاقتصادية، الدكتورة وفاء علي، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": تأتي قمة مجموعة العشرين المرتقبة، أو مجموعة أثرياء العالم كما يطلقون عليها، هذه المرة فى ظل تداعيات وظروف مختلفة بعد توسع عضوية تكتل بريكس واستمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية في العالم على خلفية الحرب في أوكرانيا، كذلك حالة "الإكراه الاقتصادي" التى يعيشها العالم بسبب سياسة التشديد النقدي التي أقرها سيد وول ستريت جيروم باول، والذي ترك الباب موارباً حتى نهاية العام وقد يذهب بنا إلى العام المقبل بذريعة كبح جماح التضخم.
وتضيف: "مجموعة العشرين أمامها مهمة صعبة، وهي صاحبة الاقتصادات الأكبر في العالم، أن تتعامل مع المشكلات و تضاريس الأزمة العالمية، سواء حالة التجارة العالمية وعدم العدالة فيها، والحوكمة المالية والإصلاح العالمي للمؤسسات الدولية المالية ومشكلة الأمن الغذائي وأمن الطاقة، وأن تقوم بدورها الحقيقي في محاولة إنقاذ العالم من الدول النامية والناشئة من تبعات هذه المشكلات؛ فالمجموعة تسيطر على حوالي 90 بالمئة من إجمالي الناتج العالمي و80 بالمئة من حجم التجارة العالمية و75 بالمئة في حالة عدم احتساب التجارة البينية في الاتحاد الأوروبي، وثلثي سكان العالم، وحوالي نصف مساحة اليابسة، وتعقد القمة سنوياً منذ العام 2011.
وتشير علي إلى أن القمة تنعقد في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من حالة من الهشاشة والمعاناة، خاصة بالنسبة لسلاسل الإمداد، موضحة في سياق متصل أنه بينما بالتأكيد هي (مجموعة العشرين) ليست منصة سياسية أو المنصة الرئيسية لحل المشاكل الأمنية العالمية، لكن الجميع يعلم أن القضايا الأمنية تحمل معها عواقب وخيمة بالنسبة للاقتصاد العالمي.
وحول انعكاسات توسع بريكس على المجموعة، تقول الخبيرة الاقتصادية:
- هناك دول موجودة بمجموعة العشرين ومجموعة بريكس.
- يرى أعضاء بريكس أهمية استمرار مجموعة العشرين في أداء دورها كمنتدى متعدد الأطراف للتعاون الاقتصادي والمالي الدولى، يضم الأسواق المتقدمة الصاعدة والدول النامية، وتسعى الاقتصادات الكبرى إلى إيجاد حلول مشتركة.
- يؤكد أعضاء بريكس أن المجموعة لها نهج متوازن تلتزم به، ويعمل على إعلاء صوت الجنوب العالمي وما المانع من دمجه فى اجتماعات مجموعة العشرين القادمة في سبتمبر المقبل؟
- تأمل مجموعة بريكس أن تكون حاضرة ضمن اجتماعات العشرين بفعالية؛ لبناء حالة جديدة في العالم من الزخم الكبير وأن تنجح العشرين في مساعيها لحماية الجوعى في العالم وإنقاذ العالم من أزمة الديون الخارجية وأزمة التغير المناخي وتحديات الأمن السيبراني.
- تسعى المجموعة لمحاولة إنقاذ العالم الذي يقبع على هوة الشقاق والهاوية وإعطاء الأمل في النهوض من لعبة الدمينو القاسية على الاقتصادات الناشئة، وأن تتعاون بريكس ومجموعة العشرين بفالعية، بعد أن قطعت أصوات الرصاص الطريق على العملية السياسية ودفع العالم إلى المنطقة الخضراء.
موائمات جديدة
من جانبها، تعتقد خبيرة الاقتصاد الدولي، الدكتورة سمر عادل، بأن وجود دول مؤثرة في مجموعة العشرين -مثل المملكة العربية السعودية والصين- في مجموعة "بريكس" يُمكن أن يقود إلى "موائمات جديدة" تقود لاحقاً إلى توازنات بعينها داخل المجموعة بعد ذلك.
وتبعاً لذلك لا تعتقد عادل بأن ثمة صداماً محتملاً ناتج عن التباينات الراهنة. وتوضح في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن هذه الموائمات داخل مجموعة العشرين لا تتعارض وأهداف البريكس، مشيرة إلى أن مجموعة العشرين تضم مجموعتين من الدول، مجموعة دول أعضاء في بريكس (ومن بينها الصين وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم وبما لها من تأثير ونفوذ واسعين)، وهو التكتل الذي يستهدف كسر الهيمنة الغربية والأميركية وسيطرة الدولار الأميركي على التعاملات الدولية، والمجموعة الثانية هي مجموعة الدول الغربية الكبرى والولايات المتحدة (الاقتصاد الأكبر في العالم)، بما يُحتم وجود نوع من الموائمات الجديدة داخل المجموعة في المرحلة المقبلة.
وترى أن كسر الهيمنة الأميركية لن يأتي في ليلة وضحاها، وتُدرك جميع الأطراف أن هذا الأمر يستغرق سنوات وربما عقود، في ظل تغلغل الدولار في التعاملات الدولية وأهميته لجميع الأطراف بما في ذلك الصين.
الـ G20 و BRICS
ومجموعة العشرين (G20) هي منتدى دولي يجمع بين أكبر اقتصاديات العالم المتقدمة والناشئة. تأسست في العام 1999 بعد الأزمة المالية الآسيوية كمنتدى لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لمناقشة القضايا الاقتصادية والمالية العالمية، قبل أن تتم ترقيتها إلى مستوى رؤساء الدول والحكومات في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2007.
تضم المجموعة في عضويتها كلاً من (الأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي)
أما مجموعة بريكس BRICS فهي منظمة سياسية عقدت أول مؤتمر قمة لها في العام 2009، وكان أعضاؤها أربع دول ذات اقتصادات صاعدة هي البرازيل وروسيا والهند والصين وكانت تحت اسم "بريك" ثم انضمت جنوب أفريقيا إلى المنظمة عام 2010 ليصبح اسمها "بريكس"، وخلال اجتماعها الأخير دعت المجموعة لعضويتها كلاً من (مصر والإمارات والسعودية وإيران وإثيوبيا وإيران والأرجنتين).
منذ تأسيسها، يتمثل هدف "بريكس"، في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين الدول الأعضاء وتنسيق المواقف في القضايا العالمية والإقليمية وتعزيز التنمية المستدامة، فضلاً عن سعيها إلى إصلاح النظام المالي العالمي وتعزيز دورها في صنع القرار العالمي.
القمة الـ 18 لمجموعة العشرين
ومن المقرر أن تنعقد القمة الـ 18 لرؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين في نيودلهي، خلال يومي 9 و10 سبتمبر، والتي سيتم اعتماد إعلان قادة المجموعة في ختامها، والذي ينص على التزام القادة بالأولويات التي تمت مناقشتها والاتفاق عليها خلال الاجتماعات الوزارية واجتماعات مجموعات العمل المعنية.
يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن اجتماعات مجموعة العشرين تركز بشكل أساسي على المتغيرات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، والتي تؤثر بدورها على الدول الأعضاء بشكل واسع، مشيراً إلى أن الملف الذي يُتوقع أن يكون حاضرا بقوة على طاولة قمة سبتمبر 2023 هو ملف الانقلابات التي شهدتها قارة أفريقيا.
وتضاف إلى ذلك ضمن مجموعة المتغيرات الأساسية ملفات تغير المناخ وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، وكذا القضايا المرتبطة بالتحديات التي تواجه الاستثمارات المباشرة وتوجهاتها، وغير ذلك.
وحول وجود مجموعة من الدول التي تجمع عضوية المجموعتين (العشرين وبريكس)، يلفت الإدريسي، إلى أن ذلك يعكس حقيقة أن انخراط الدول ضمن تكتل بريكس لا يعني أنهم ضد الغرب، أو يعادون القوى الاقتصادية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، فالمملكة العربية السعودية على سبيل المثال وبما لها من وزن ومكانة على الصعيد الدولي، هي عضو مؤثر في مجموعة العشرين وفي الوقت نفسه من الدول التي تنضم إلى بريكس.
يؤكد ذلك سعي الدول إلى الانخراط بفعالية ضمن التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية، وتحقيق نوع من التوازن في العلاقات دون خسارة أحد، ذلك أنه ليس من مصلحة أي من الدول خسارة قوى مثل الولايات المتحدة أو الصين وروسيا.
ويشير الإدريسي في السياق نفسه، إلى أن مجموعة العشرين تتمتع بثقل اقتصادي واسع، ولها وزن حقيقي ومؤثر لكونها تجمع أكبر 20 اقتصاداً في العالم، لكنه في الوقت نفسه يشكك في فعالية الإجراءات التي يمكن اتخاذها داخل المجموعة، وفي ضوء التباينات التي تشهدها.