ترك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الباب مفتوحاً أمام زيادات أخرى لأسعار الفائدة، وذلك بعد قراره الأخير في يوليو الماضي برفع الفائدة 25 نقطة أساس، لكنّه في الوقت نفسه أظهر إشارات على احتمالية تثبيت الأسعار، انتظاراً للبيانات الاقتصادية التالية، والتي يبني الفيدرالي سياساته بناءً عليها، وفي ضوء مدى التقدم المحرز على صعيد الوصول بمعدلات التضخم إلى المستوى المستهدف عند 2 بالمئة.
وبينما أظهرت البيانات الاقتصادية الأخيرة عن شهر يوليو الماضي مؤشرات على مزيدٍ من التباطؤ بالنسبة لمعدلات التضخم، فإن ذلك ربما يعد إشارة محفزة لصانعي السياسات النقدية بالفيدرالي إلى التوقف عن رفع الفائدة، لجهة تثبيتها في اجتماع سبتمبر المقبل، فيما يرى آخرون زيادة واحدة أخرى قد يشهدها العام الجاري.
وفي تصريحات منفصلة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يشرح اقتصاديون أميركيون تقديراتهم للاتجاهات المستقبلية المتوقعة لصانعي السياسات النقدية بالفيدرالي الأميركي، مُتحدثين عن "الوقت المناسب لخفض الفائدة" في مراحل مقبلة وشروط تحقيق ذلك، وارتباطه بعديد من المؤشرات المختلفة.
احتمالات تغير أسعار الفائدة
أستاذ الاقتصاد في مدرسة Kogod للأعمال بالولايات المتحدة، جيفري هاريس، يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن:
- بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة مرة أخرى قبل نهاية شهر يوليو بمقدار ربع نقطة ويراقب الاقتصاد في الوقت الفعلي لتقييم احتمالات تغيرات أسعار الفائدة في المستقبل.
- من الواضح أن بنك الاحتياطي الفيدرالي اتخذ موقفاً قوياً ضد التضخم (بعد سلسلة رفع أسعار الفائدة).
- يعتمد تحديد موعد إيقاف هذه الزيادات (أو إبطائها) على ما نراه في أرقام تشغيل العمالة (التوظيف) والتضخم المقبلة.
وفي يوليو، رفع الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، بمقدار ربع نقطة مئوية إلى نطاق يتراوح بين 5.25 بالمئة و5.50 بالمئة، متماشيا مع التوقعات، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ نحو 22 عاماً. وهي الزيادة الـ 11 منذ بداية العام الماضي.
وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، إنه يُمكن أن يتم يرفع أسعار الفائدة في اجتماع سبتمبر المقبل "إذا كانت البيانات تستدعي ذلك"، لكنه في الوقت نفسه ذكر أنه "من الممكن كذلك أن يتم تثبيت أسعار الفائدة".
وكان الفيدرالي قد أبقى على أسعار الفائدة دون تغيير خلال اجتماع يونيو الماضي، وذلك بعد 10 زيادات متتالية بدأها في مارس 2022.
ويضيف هاريس: "لم يتم تحقيق الهدف من زيادات أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل كامل.. وأجرؤ على التنبؤ برفع أسعار الفائدة مرة أخرى على الأقل خلال العام 2023، لكنني أعتقد بأن الزيادة ستكون على غرار زيادة بمقدار 1/8 نقطة، وهو ما يمثل تقليصاً تدريجياً لهذه الزيادات في هذه المرحلة".
المعدل المستهدف للتضخم
ويشير إلى أن ثمة دلالات على أن الزيادات السابقة في أسعار الفائدة تعمل على خفض التضخم بالفعل، لكن التضخم لا يزال أعلى من المعدل المستهدف الرسمي البالغ 2 بالمئة. وتنذر هذه الحقيقة برفع أسعار الفائدة مرة أخرى على الأقل في المستقبل القريب. ومع ذلك، أعتقد بأن التأثيرات المقصودة قد بدأت تترسخ "لذا فنحن نقترب من نهاية رفع أسعار الفائدة".
ورداً على سؤال "متى يستطيع بنك الاحتياطي الفيدرالي البدء في خفض أسعار الفائدة؟"، يقول أستاذ الاقتصاد في مدرسة Kogod للأعمال بالولايات المتحدة: "أعتقد بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي يركز على التضخم في البيئة الحالية، وطالما أن الهدف لم يكتمل فلا أتوقع تخفيضات في أسعار الفائدة في السنوات القليلة المقبلة".
ويستطرد: "إذا تمكنت زيادات أسعار الفائدة الأخيرة وعلى المدى القريب من ترويض التضخم دون دفع البطالة إلى مستويات متطرفة، أتصور بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيواصل (حتى العام 2024 على الأقل) إبقاء أسعار الفائدة عند المستويات الحالية أو بالقرب منها دون اللجوء إلى التخفيضات.
- تراجع معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 3.5 بالمئة في شهر يوليو الماضي، وذلك في مقابل توقعات بأن يبقى دون تغيير عن مستواه في يونيو عند 3.6 بالمئة.
- تكشف بيانات وزارة العمل الأميركية، عن أن عدد الوظائف في القطاع الخاص قد ارتفع خلال يوليو الماضي بواقع 187 ألف وظيفة، مقابل توقعات بأن يضيف القطاع الخاص 200 ألف وظيفة الشهر الماضي.
وتترقب الأسواق خطاب جيروم باول، في الحدث المقرر عقده في الفترة من 24 إلى 26 أغسطس. وسوف يحلل المستثمرون كلماته لتوقع مسار السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.
بيانات إيجابية تُرجح كفة "التوقف عن رفع الفائدة"
من جانبه، يقول أستاذ الاقتصاد بكلية ويليامز، كينيث كوتنر، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن المشاركين في سوق العقود الآجلة للأموال الفيدرالية يتوقعون أن يبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة ثابتة، وربما يبدأ في خفض أسعار الفائدة تدريجياً بدءاً من أبريل أو مايو 2024، وهذه النتيجة معقولة، ولكنها ليست مؤكدة على الإطلاق.
وفي تقديره، فإن "ما سيفعله بنك الاحتياطي الفيدرالي في هذه المرحلة سوف يعتمد إلى حد كبير على بيانات التضخم القادمة".
ويضيف: "لا شك أن التضخم انخفض، ولكن إذا لم يكن هناك تقدم ملحوظ نحو هدف 2 بالمئة، فإن رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس أخرى ليس مستبعداً أيضاً، وسيتم تأجيل أي تخفيضات نهائية في أسعار الفائدة، وحتى مع استمرار الاقتصاد في إظهار قدر كبير من المرونة لا أتوقع أن يتحرك بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى النقطة التي يبدأ عندها خفض سعر الفائدة".
وارتفع معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة بأقل من المتوقع في شهر يوليو الماضي، وهو ما يعتبره بعض المحللين بمثابة ضوء أخضر مُحتمل للفيدرالي من أجل تثبيت الفائدة في الاجتماع المرتقب في سبتمبر.
- سجل مؤشر أسعار المستهلكين السنوي في الولايات المتحدة 3.2 بالمئة في يوليو.
- بلغ مؤشر أسعار المستهلكين 0.2 بالمئة في يوليو (على أساس شهري)، دون تغيير عن مستواه في شهر يونيو الماضي، وبما يتفق مع التوقعات.
- تراجع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي السنوي، والذي يستثني التغير بأسعار الغذاء والطاقة، إلى 4.7 بالمئة في يوليو، بعكس توقعات بأن يبقى دون تغيير عن مستواه في يونيو عند 4.8 بالمئة.
زيادة واحدة مُنتظرة
المفكر الاقتصادي، أستاذ الاقتصاد بجامعة ويسترن، مايكل باركين، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن اتجاهات نمو الأموال ومعدلات التضخم في الولايات المتحدة "تدفع بآمال في أننا سنرى زيادة واحدة فقط بمقدار 25 نقطة أساس في أسعار الفائدة".
لكنه يرى أنه "لن يكون من الحكمة أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة حتى يكون هناك دليل واضح على أن التضخم من المرجح أن يعود إلى الهدف (2 بالمئة)".
وفيما يُجمع أعضاء الفيدرالي على أن القرارات المستقبلية المرتبطة بالسياسة النقدية تتوقف بالأساس على البيانات الاقتصادية المُسجلة التي تقود تحركات الفيدرالي، استمر معظم مسؤولي مجلس الاحتياطي الفيدرالي في رؤية مخاطر صعودية كبيرة للتضخم، والتي قد تتطلب مزيدًا من التشديد في السياسة النقدية،" وفقاً لمحضر اجتماع السياسة النقدية للبنك المركزي الأميركي في الفترة من 25 إلى 26 يوليو والذي نُشر قبل أسبوع.
وبحسب بلومبيرغ، فإن البيانات الاقتصادية الأخيرة الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل بخصوص مؤشرات أسعار المستهلك، من شأنها أن تزيد التوقعات المرتبطة بتوقف صانعي السياسة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن رفع الفائدة في اجتماع سبتمبر، في ضوء تباطؤ معدلات التضخم.
وكان جيروم باول قد ذكر أنه في الوقت الذي يبطئ فيه الفيدرالي وتيرة زيادات أسعارالفائدة مع اقترابها من الذروة، فإنه لا يستبعد إمكانية زيادات أخرى في اجتماعات متتالية.
التوقعات صعبة
وإلى ذلك، يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، أريس بروتوباباداكيس، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أنه من الصعوبة بمكان التوقع باتجاهات المستقبل أو التنبؤ بها في هذا السياق، مشيراً إلى أن "بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يتوقف في نهاية المطاف عن رفع أسعار الفائدة ولكن ليس بعد". لكنه يعتقد بأن ثمة احتمالية لمزيد من الزيادات في أسعار الفائدة خلال هذا العام، في اجتماع سبتمبر القادم.
ويضيف: "سوف تحدد بيانات الأشهر المقبلة المتبقية من العام 2023 ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي سيواصل رفع أسعار الفائدة في العام 2024"، موضحاً أن "الفيدرالي لا يريد أن يُنظر إليه على أنه يؤثر على الانتخابات الوطنية، لذلك إذا رفع أسعار الفائدة في العام 2024، فسيكون ذلك في وقت مبكر من العام".
ويرى أنه "من المبكر بعض الشيء الحديث عن خفض أسعار الفائدة"، مردفاً: "أعتقد بأن أقرب وقت، إذا كانت البيانات مواتية للغاية ووصل التضخم إلى 2 بالمئة أو نحو ذلك، سيكون بعد الانتخابات الوطنية".
وسجل الاقتصاد الأميركي في الربع الثاني من العام الجاري 2023 نمواً بـ 2.4 بالمئة، وذلك وبوتيرة أعلى من التوقعات التي كانت تشير لنمو بـ 1.8 بالمئة.