لم يعد تركيز أسواق الغاز ينصب فقط على تدفقات إمدادات الغاز الروسية، أو ما يحدث للطلب في أوروبا أو آسيا بل باتت أنظار المتعاملين تراقب بحذر ما يجري في "أستراليا".
إضراب محتمل لنحو 700 عامل في منشآت للغاز الطبيعي تابعة لشركتي "Woodside Energy" و"Chevron" في أستراليا للمطالبة بتحسين أوضاعهم أثار مخاوف من نقص إمدادات الغاز المسال، التي زاد الاعتماد عليها بشكل كبير، بعد تراجع إمدادات الغاز الطبيعي الروسي المنقول عبر الأنابيب لأوروبا بعد الحرب الأوكرانية.
التأثير المحتمل للإضراب
المنشآت التي قد تشهد إضرابات في أستراليا تشكل نحو 10 بالمئة، من إمدادات الغاز المسال العالمية وفقا لتقديرات بنك غولدمان ساكس، مما يعني أن المضي قدما في هذه الإضرابات سيترك تداعيات مباشرة على أسواق الغاز العالمية وهو ما يمكن مشاهدته بالفعل في أسعار الغاز الأوروبية.
أسعار الغاز الأوروبية "Dutch TTF" قفزت على أثر أنباء الإضراب بأكثر من 21 بالمئة خلال الأسبوع الماضي فيما تجاوزت الارتفاعات هذا الأسبوع السبعة بالمئة.
وقد لا يقف الأمر عند ذلك فحسب، إذ أن بنك غولدمان ساكس لا يستبعد أن تصل الأسعار إلى 50 يورو لكل ميغاواط ساعي خلال الصيف الحالي إذا ما شرع عمال المنشآت الأسترالية في الإضراب أي أنها قد ترتفع بنحو 50 بالمئة من مستوياتها الحالية البالغة نحو 38 يورو لكل ميغاواط ساعي وقد ترتفع أيضا علاوة فصل الشتاء المقبل لتصل الأسعار لنطاق قد يتراوح بين 68 يورو و97 يورو.
التأثير على أوروبا
صحيح أن أوروبا نادرا ما تشتري الغاز المسال الأسترالي الذي يذهب في معظمه للمشترين الآسيويين، إلا أن تراجع إمدادات الغاز الأسترالي سيعني دخول آسيا على خط المنافسة مع أوروبا للحصول على شحنات الغاز المسال البديلة سواء تلك القادمة من الشرق الأوسط أو الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من وصول مخزونات الغاز الطبيعي في دول التكتل الأوروبي لما يقارب 90 بالمئة من سعتها الكاملة "أعلى من متوسط الخمس سنوات الماضية"، إلا أن ذلك لن يحميها من تداعيات انقطاع الغاز الأسترالي نظرا لأنها باتت أكثر اعتمادا على إمدادات الغاز المسال.
ولأن نقص إمدادات الغاز المسال الأسترالي في حال حدوث الإضرابات قد يستمر لفترة لا تقل عن شهرين فإن ذلك قد يعني تزامن نقص إمدادات الغاز مع دخول أوروبا في موسم التدفئة وارتفاع الاستهلاك مع دخول فصل الشتاء وهو سيناريو قد يؤدي لتقلبت حادة في أسعار الغاز خلال الربع الأخير من العام الحالي.
آسيا في دائرة التأثير
تأثير أي توقف محتمل لإمدادات الغاز المسال الأسترالي سيظهر بشكل واضح في القارة الآسيوية، دول مثل اليابان وتايلند وتايوان تعتمد على المنشآت الأسترالية المحتمل توقفها في تأمين نحو ربع إمداداتها خلال هذا العام وفقا لـ ICIS.
كما أن هذه المنشآت الأسترالية تعد مسؤولة عن نحو 14 بالمئة من واردات الصين، ونحو 28 بالمئة من واردات سنغافورة من الغاز الطبيعي، مما يعني أن هؤلاء المشترين قد يضطرون للبحث عن إمدادات بديلة في أسواق الغاز الفورية وهو أمر سيدفع الأسعار للأعلى كذلك.
دور أستراليا في أسواق الغاز الطبيعي
أستراليا تعد رابع أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، حيث وصل إنتاجها في العام الماضي إلى 153 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي أي ما يعادل نحو 3.8 بالمئة من الإنتاج العالمي.
لكن على مستوى صادرات الغاز الطبيعي المسال تأتي أستراليا في المرتبة الثانية عالميا وفقا لبيانات عام 2022 إذ وصل حجم هذه الصادرات في العام الماضي إلى نحو 112 مليار متر مكعب، أي أنها شكلت لوحدها نحو 21 بالمئة من صادرات الغاز المسال عالميا ومن هذه الأرقام يمكن فهم اهتمام أسواق الغاز بالتطورات الحاصلة في أستراليا.