"مرحباً بك في عالم حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُقيّم منزلك"، كان ذلك عنواناً لمقال نشره الاستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كارلو راتي، عبر صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، يسلط فيه الضوء على الدور الذي يُمكن أن تقوم به تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تقييم المنازل وتثمينها وقياس تغير أسعارها مع القيام بدور "وكيل العقارات".. فكيف يحدث ذلك؟
يقول راتي إنه "يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي الآن إلقاء نظرة واحدة على منزل، باستخدام غوغل ستريت فيو على سبيل المثال (خاصية في خرائط غوغل وغوغل إيرث تقدم صوراً بانورامية لمستوى الشارع) والتنبؤ بسعره بدقة مذهلة.
ومع ذلك، فإن ما ستراه التكنولوجيا، وما ستفقده، يمكن أن يؤدي إلى انحراف سوق العقارات، في تقديره. وتعد عمليات الفحص والتفتيش البصري عاملاً رئيسياً في العقارات، فبينما يستخدم الوكلاء البيانات لتقييم المنزل (تخطيط المبنى وأسعار العقارات المماثلة ووسائل الراحة المجاورة) لكنهم يحتاجون أيضاً إلى الزيارة المباشرة على أرض الواقع، حيث يرى المحترفون المهرة أدلة في كل مكان (..). ويعتقد كاتب المقال بأنه على نحو متزايد يمكن للذكاء الاصطناعي المرئي اتباع نفس العلامات على نطاق أوسع بكثير.
وتعد تلك المهمة جزءاً من العوامل التي يمكن لتطبيقات الـ AI أن تقدمها في قطاع العقارات، جنباً إلى جنب وإسهامات مختلفة واسعة النطاق.
الـ AI وثورة في عالم العقارات
وفي هذا السياق، يقول المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز الأعمال العقارية بشكل كبير من خلال تبسيط وتحسين الجوانب المختلفة للصناعة.
من خلال تحليلات البيانات المتقدمة، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل اتجاهات السوق وقيم العقارات وتفضيلات العملاء لتقديم تنبؤات دقيقة لتقييم العقارات وفرص الاستثمار. كما يمكن أن توفر جولات العقارات الافتراضية المدعومة بالذكاء الاصطناعي تجارب غامرة للمشترين المحتملين، بما يوفر الوقت والموارد.
ويضيف: يمكن لروبوتات الدردشة وأنظمة خدمة العملاء التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي معالجة الاستفسارات وإدارة المواعيد بسرعة، وتحسين تفاعلات العملاء. بالإضافة إلى ذلك ، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في تقييم المخاطر من خلال تحليل البيانات التاريخية والتنبؤ بتقلبات السوق المحتملة، وتمكين المتخصصين في العقارات من اتخاذ قرارات مستنيرة.
تجربة عملية
وفي تجربة عميلة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أوردها المقال المذكور في صحيفة "فاينانشال تايمز":
- التقط المختبر الخاص بالمعهد صوراً لـ 20 ألف منزل حول بوسطن، بالإضافة إلى بيانات تقيس كيفية تغير أسعارها بمرور الوقت.
- استخدم نموذج "التعلم العميق" الخاص بالمختبر هذه المعلومات لتحديد الارتباطات بين السمات المرئية للمنازل والتغيرات في قيمها.
- عندما تمت إضافة متغيرات أخرى - مثل المعلومات الهيكلية ووسائل الراحة في الحي - تمكنت الخوارزمية الخاصة بالمختبر من تقديم تنبؤات دقيقة للغاية لكيفية تغير الأسعار بمرور الوقت.
يضيف كاتب المقال: هذه ليست سوى البداية؛ ففي بحث حديث قمنا بتوسيع نطاقنا باستخدام 27 مليون صورة من صور التجوّل الافتراضي في جميع أنحاء الولايات المتحدة.. اكتشفنا أن الذكاء الاصطناعي المرئي فعال أيضاً بشكل ملحوظ في التنبؤ بعديد من جوانب الملف الشخصي للجيران، بما في ذلك الفقر والجريمة والصحة العامة. وستكون الخطوة التالية هي استخدام الصور المتاحة للجمهور من مواقع العقارات ووسائل التواصل الاجتماعي لتطبيق نفس التحليل في الداخل، مثل اكتشاف مطبخ فاخر أو حمام تم تجديده.
ومن ثم، فإن مثل هذه التقنيات - إلى جانب مؤشرات أوسع، مثل معدلات الرهن العقاري - يمكن أن تنمو قريباً لتصبح أصلاً قوياً للصناعة.
تحليل دقيق وفعال
ويعلق المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، لدى حديثه مع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بقوله إنه يمكن أن يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً مهماً في تقييم الأصول العقارية من خلال توفير تحليل دقيق وفعال للمعلومات المتعلقة بالممتلكات. ويرصد بعض الطرق التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم بها في هذا المجال، على النحو التالي:
- تحليل البيانات: يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة كميات هائلة من البيانات المتعلقة بالعقارات؛ مثل الأسعار التاريخية والموقع والميزات والتقارير الجغرافية. من خلال تحليل هذه البيانات يمكن للذكاء الاصطناعي تطوير نماذج تقدير دقيقة لقيم الممتلكات.
- توقع الأسعار: باستخدام الأسعار التاريخية وتغيرات السوق، يمكن للذكاء الاصطناعي تطوير نماذج تنبؤية تقدر كيفية تطور أسعار العقارات في المستقبل بناءً على عوامل مثل الاقتصاد والسياسة والطلب والعرض.
- عمليات تقييم محسّنة: يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز عمليات التقييم من خلال تقديم تحليلات أكثر دقة وموثوقية، ومساعدة الخبراء في تقييم القيمة العادلة للعقارات بشكل أفضل.
- التحليل الجغرافي والبيئي: يمكن للذكاء الاصطناعي توفير تحليل متعمق للجوانب الجغرافية والبيئية المحيطة بالممتلكات، والمساهمة بنقاط بيانات قيمة حول البنية التحتية والمرافق والاتجاهات في المنطقة.
- التقارير المخصصة: يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء تقارير عقارات مخصصة بما في ذلك تفاصيل شاملة حول تقدير القيمة ومعلومات السوق والتوقعات المستقبلية ومساعدة المستثمرين والمطورين ومالكي العقارات في اتخاذ قرارات مستنيرة.
- تحسينات في الإجراءات القانونية والإدارية: يمكن للذكاء الاصطناعي تبسيط المعاملات العقارية من خلال توفير تحليلات للوثائق القانونية والإجراءات الإدارية المتعلقة بالتقييم والبيع والشراء.
- الإشراف والصيانة: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لمراقبة الممتلكات وصيانتها عن طريق إرسال تنبيهات بشأن المشكلات المحتملة، مثل تدهور البنية التحتية أو الأعطال المحتملة في الممتلكات.
مخاطر وتحديات رئيسية
ومع ذلك، يرى الخبير والأكاديمي المتخصص في تكنولوجيا المعلومات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، الدكتور أحمد بانافع، في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن هناك مخاطر وتحديات مرتبطة بدمج الذكاء الاصطناعي في تثمين العقارات، ويرصدها على النحو التالي:
- جودة البيانات: تعتمد دقة الذكاء الاصطناعي بشكل كبير على جودة وملاءمة البيانات التي يعالجها. يمكن أن تؤدي البيانات غير الدقيقة أو المتحيزة إلى نماذج تقييم معيبة.
- تعقيد النموذج: يتطلب تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي خبرة في التعلم الآلي وعلم البيانات. قد يكون من الصعب فهم النماذج المعقدة وتفسيرها، ما يجعل من الصعب على المتخصصين في العقارات الوثوق بها واستخدامها بفعالية.
- ديناميكيات السوق: تتأثر أسواق العقارات بعوامل مختلفة، بما في ذلك الظروف الاقتصادية والأحداث غير المتوقعة. قد تواجه نماذج الذكاء الاصطناعي صعوبة في حساب التغييرات المفاجئة أو الصدمات الخارجية.
- الخصوصية والأمن: تثير معالجة بيانات الممتلكات الحساسة مخاوف بشأن الخصوصية والأمان. يعد ضمان حماية البيانات من الانتهاكات وسوء الاستخدام أمرًا بالغ الأهمية.
- الخبرة البشرية: بينما يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في التحليل، تظل الخبرة البشرية ضرورية لفهم الفروق الدقيقة في أسواق العقارات واتخاذ القرارات السياقية.
- الاعتبارات القانونية والأخلاقية: يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم العقارات أسئلة قانونية وأخلاقية. تحتاج الشفافية والمساءلة والإنصاف في القرارات التي يحركها الذكاء الاصطناعي إلى دراسة متأنية.
- أثر الاعتماد على التكنولوجيا: قد يؤدي الاعتماد بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي في التقييم إلى تقليل المشاركة البشرية، مما قد يؤثر على ديناميكيات الصناعة والقوى العاملة.
ويختتم بانافع حديثه بالإشارة إلى أهمية الموازنة بين مزايا التقييم القائم على الذكاء الاصطناعي وبين هذه المخاطر والتحديات وبما يتطلب تخطيطًا دقيقاً ومراقبة مستمرة ونهجاً تعاونياً يجمع بين القدرات التكنولوجية والخبرة البشرية.
تحيزات في تقدير قيمة المنازل!
وبالعودة لمقال "فاينانشال تايمز" في هذا السياق، فإن الكاتب يرى أن "الاعتماد على ذلك النمط لا يخلو من المخاطر.. غالباً ما يتم المبالغة في تقدير قيمة المنازل وتقليل قيمتها بشكل غير متوقع، ويمكن للذكاء الاصطناعي تأكيد هذه التحيزات - ضد الممتلكات التي تنتمي إلى الأقليات العرقية (..)".
مصدر قلق آخر هو أن التنبؤات يمكن أن تتحول إلى نبوءات، ويفسر ذلك بقوله: "إذا كنت تعتقد أن جيرانك يحكمون على حالة حديقتك الأمامية، فاستعد للروبوتات.. يعيد كل شخص طلاء منزله بلون معين للتلاعب بالنظام وإثارة إعجاب Google Street View Car!".
ويختتم مقاله بالإشارة إلى أنه "حان الوقت لاتخاذ قرار بشأن استخدام هذه التقنيات من عدمه". بدلاً من ذلك، من أجل الاستخدام الأفضل للذكاء الاصطناعي المرئي الذي يأتي إلى شوارعنا، سنحتاج إلى كل من التنظيم والتجريب. ويأتي بعض الأمل من مضاعفة عدد الروبوتات، الأمر الذي يجب أن يمنع خوارزمية واحدة غير كاملة من التأثير بشكل كبير. ولكن في النهاية سيكون الأمر متروكاً لنا (..) يمكن للذكاء الاصطناعي المرئي أن يتنبأ بالكثير عن العالم ، لكن البشر فقط هم من يمكنهم تخيل عالم مختلف وأفضل.