تترقب الأسواق أسبوعاً حاسماً، يشهد انعقاد اجتماعات عدد من البنوك المركزية، وعلى رأسها الفيدرالي الأميركي في 25 و26 يوليو الجاري، لحسم الموقف من أسعار الفائدة ومصير سياسة التشديد النقدي المتبعة لكبح جماح التضخم.
وعادة ما تحظى القرارات المرتبطة بأسعار الفائدة باهتمام وترقب واسعين من قبل المستثمرين في مختلف القطاعات وعلى مختلف المستويات، أفراداً ومؤسسات، وقد زاد الاهتمام والمتابعة لتلك القرارات وتفاصيل السياسة النقدية في الفترات الأخيرة بالنسبة لعموم الناس، بما في ذلك غير المختصين، في ظل الضغوطات الاقتصادية الواسعة التي يواجهها الاقتصاد الدولي، وانعكاسات تلك الضغوطات على الأسعار والأوضاع المعيشية، ومع تزايد الوعي بطبيعة السياسات النقدية وتأثيراتها.
يعد "سعر الفائدة" من بين أهم المؤشرات في ذلك السياق، والتي يحرص الجميع على انتظار التحديثات المرتبطة به في الاجتماعات الدورية للبنوك المركزية حول العالم، لا سيما وأنه يبعث برسائل واضحة عن اتجاهات الاقتصاد وآفاقه.
فما هي "الفائدة"؟ وكيف يُمكن أن تؤثر أسعار الفائدة على الاقتصاد وحياة الناس؟ ومتى يتم اللجوء إلى رفع أسعار الفائدة من قبل السلطات المختصة عن السياسات النقدية والمالية؟ ومتى يتم اللجوء إلى خفضها أو تثبيتها؟ وما علاقة كل من التضخم والركود والانكماش وغيرها من الحالات الاقتصادية، بسعر الفائدة؟
ماذا تعني الفائدة.. وما علاقتها بالتضخم؟
الخبيرة المصرفية سحر الدماطي، قالت في حديثها لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- الهدف الرئيسي لدى البنوك المركزية هو "استقرار الأسعار"، وحتى تحقق هذا الهدف وتكبح جماح التضخم أو تواجه الركود تقوم باستخدام أدوات مختلفة لديها، وعلى رأسها "سعر الفائدة".
- الفائدة هي العائد على الأموال المستثمرة لدى البنوك، ويتم اللجوء لتعديل سعر الفائدة (سواء برفعها وبخفضها) بالنظر إلى معدلات التضخم.
- عندما ترتفع معدلات التضخم يتم رفع الفائدة؛ لكبح جماحه، بينما إذا وصل التضخم إلى المعدل المستهدف (الحدود الطبيعية) يتم خفض الفائدة،
- بهذه الطريقة يتم التحكم في التضخم، وهو ما لجأت إليه البنوك المركزية منذ العام الماضي، عندما اتبعت سياسة التشديد النقدي ورفع الفائدة لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة.
وعن انعكاسات خفض الفائدة، أوضحت أن سعر الفائدة المنخفض يحفز على الاقتراض، وهو ما يؤدي بدوره لمزيد من الإنفاق، ومن ثم زيادة نشاط وكذلك مبيعات الشركات وارتفاع الأرباح.
وعلى العكس في حالة ارتفاع الفائدة، فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض على مستوى الأفراد والشركات، وخفض الإنفاق والطلب على السلع بشكل عام، وهو ما يعني انخفاض أرباح الشركات وتأجيل خطط توسعتها وتطويرها بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض (وبما قد يقود إلى الركود).
تأثير أسعار الفائدة
وحول تأثير قرارات الفائدة سواء خفضها أو رفعها على الأفراد، أوضح خبير أسواق المال، المحلل الاقتصادي الدكتور حسام الغايش، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن قرار رفع أسعار الفائدة قد يكون سلبياً على المقترضين والباحثين عن تمويل لمشروعاتهم، أو إيجابيا من ناحية أخرى بالنسبة للمودعين.
وأشار إلى أن أصحاب الودائع في البنوك يستفيدون من رفع أسعار الفائدة التي ترتفع أسعارها على الودائع، ما يزيد مكاسب العملاء أيضاً، موضحًا أن الفائدة الخاصة بالبنوك سواء كانت تتعلق بالودائع أو الشهادات الاستثمارية تسمى "العائد الخالي من مخاطر الاستثمار"، وهي أقل عائد يتم الحصول عليه، ويكون خالياً تماماً من المخاطر. كما لفت إلى أنه مهم سواء للمودعين أو المدخرين أو المقترضين.
وأضاف أن كل فئة من الفئات سالفة الذكر يختلف معها تأثير الفائدة، على النحو التالي:
- إذا كانت الفائدة مرتفعة يكون لها تأثير كبير على العزوف عن الاستثمار والسعي نحو الاستفادة بمعدلات الفائد المرتفعة في البنوك.. أما إذا كانت منخفضة فهي تشجع المدخرين على زيادة حجم الاستثمارات.
- بالتالي بالنسبة للأفراد، فإن قرارات الفائدة لها مردود كبير عليهم، خاصة أصحاب الودائع المالية الكبيرة، فقد تدفعهم نحو وضع السيولة المالية المتوفرة لديهم وتوجيهها للاستثمار في البنوك عبر الأدوات أو المنتجات البنكية المختلفة سواء شهادات الاستثمار أو الودائع وغير ذلك.
- أما عن تأثير الفائدة على المستثمرين من شركات وأفراد، فأوضح خبير أسواق المال أنهم يتأثرون بصورة كبير، فجميعهم يسعون نحو أعلى درجة من الربحية وتعظيم الربح؛ فحينما تكون أسعار البنوك مرتفعة يحاول المستثمرون بقدر الإمكان أن يوجهوا سيولتهم المالية لتلك البنوك بحيث يحصدون أرباحاً من الفوائد المرتفعة.
- وفي حال كان المستثمر يرغب بالاقتراض بينما الفائدة مرتفعة فهو يبتعد عن تلك الخطوة خلال فترة الارتفاع لما تمثله من مخاطر عليه.
- الاستثمار والقطاع الحر حتى يتم تشجيعه على الاقتراض من البنوك لابد وأن يكون سعر الفائدة منخفض أو على أقل يكون هناك توازن بين العائد على الاستثمار في السوق وبين الفائدة الموجودة في البنوك.
وأضاف الخبير الاقتصادي: أيضاً يتأثر المواطن العادي بقرارات تغير الفائدة، ذلك أن رفع الفائدة يكون ناتج عن محاولة البنوك المركزية استهداف التضخم، فبالتالي يكون هناك تضخم موجود بالفعل له تأثير على الأفراد، يرفع من حجم إنفاقهم واستهلاكهم، فبالتالي وجود جزء من السيولة في البنوك يمكن أن يعوضهم عن جزء من التكلفة التي ينفقوها على الاستهلاك.
ولفت إلى أنه دائماً حينما يكون لدى البنوك المركزية حجم كبير للقطاع العائلي في البنوك وودائعهم واستثماراتهم، فإنها تراعي أنه في حال ارتفاع التضخم ترفع الفائدة بهدف تعويض المستهلك عن جزء من التكلفة نتيجة ارتفاع الأسعار في موجات التضخم الموجودة، مع اتباع أدوات امتصاص السيولة من الأسواق.
وأوضح خبير أسواق المال أن تغيير الفائدة ليس له تأثير على الأسعار، لأن الفائدة تكون عبارة عن رد فعل على ارتفاع الأسعار وليس العكس، موضحاً أن ارتفاع الأسعار يكون مؤشر لوجود ارتفاع في معدلات التضخم، وهو ما يدفع البنوك المركزية لرفع الفائدة حتى تستطيع استهداف التضخم الموجود.
كيف يتأثر الاقتصاد؟
وإلى ذلك، قال الخبير المصرفي، محمد عبد العال، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أوروبا وأميركا ومختلف دولة العالم مروا بعد الحرب في أوكرانيا بحالة شديدة من ارتفاعات الأسعار أدت لارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق في تاريخها، وهو ما انعكس على السياسة النقدية في كل الدول، وبدأت البنوك المركزية اتخاذ سياسات متشددة أو فائقة التشدد في أبسط أدواتها وهو رفع سعر الفائدة المستمر.
وأوضح أن:
- الاقتصاد العالمي يتسم بأنه يرتبط ببعضه البعض، وأن قرارات تغيير الفائدة عموماً وخاصة في الولايات المتحدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي عادة ما يكون لها تأثير على اقتصادات دول العالم.
- على سبيل المثال بالنسبة للدول النفطية، ففي حالة رفع الفائدة بأميركا وأوروبا، يؤثر ذلك على تلك الدول التي تقوم برفع معدلات الفائدة أيضاً، خاصة مع ارتباط عملات معظمها بالدولار الأميركي، وبالنظر إلى أن العقود الآجلة للبترول يتعين سدادها بالدولار.
- ليس هناك انعكاس كبير للفائدة على اقتصادات الدول النفطية، حيث يتوفر لديها احتياطيات نقدية جيدة، وبالتالي لم تتأثر قيمة العملة كثيراً، ولا معدلات النمو، ولكنها تؤثر تأثيراً غير مباشر في حالة تكاليف الاقتراض الداخلي للمستثمرين فيكون التأثير على القطاعات غير النفطية كالقطاع العقاري والإنشائي.
- بينما في الدول النامية فإنها الأكثر تأثراً بقرارات الفائدة، فحينما ترتفع أسعار الفائدة على الدولار أو تستقر ترتفع أسعار السندات وأذون الخزانة الأميركية، وتكون أكثر جاذبية من الاستثمار الأجنبي غير المباشر (بالتالي هروب الأموال الساخنة من تلك الدول، وبما يؤثر بشكل كبير عليها).
- تتأثر الاستثمار الأجنبية غير المباشر في الدول النامية مثل السندات وأذون الخزانة قصيرة الأجل، بارتفاع الفائدة، حيث يتخارج المستثمرون من تلك الدول بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض بها، وبالتالي ينخفض العائد الحقيقي للاستثمارات في ظل المخاطر الكبيرة.
وقال الخبير المصرفي إن ارتفاع أسعار الفائدة يؤدي إلى ارتفاع كلفة الإقراض للشركات والمستثمرين ورجال الأعمال، وبالتالي أسعار السلع المتجهة للمستهلك النهائي ترتفع، ما يؤدي لاستمرار ارتفاع التضخم ودخول الاقتصاد لما يسمى بالتضخم الركودي أو الانكماشي، وهو تضخم مصحوب بركود أي ارتفاع أسعار السلع لأعلى من متوسط الدخل، وبالتالي يتم العزوف عن شرائها فيحدث ركود في مراحله الأولى يكون صحياً لأنه يعالج التضخم إنما إذا زاد وارتفع تشهد السوق ركودا وتزيد معدلات البطالة فيدخل الاقتصاد في ركود يكون من الصعب الخروج منه.