يترقب المصريون قرارات لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، والتي تنعقد يوم 22 يونيو الجاري، وسط تقديرات متباينة بشأن اتجاهات اللجنة فيما يخص سعر الفائدة، في وقت اقتربت فيه معدلات التضخم من أعلى مستوى لها، طبقاً لما تكشفه البيانات الرسمية عن شهر مايو الماضي.
مطلع الأسبوع الجاري، أظهرت بيانات للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، تسارع التضخم السنوي في أسعار المستهلكين بالمدن المصرية إلى 32.7 بالمئة في مايو، من 30.6 بالمئة في أبريل. وعلى أساس شهري، زاد التضخم في المدن إلى 2.7 بالمئة مقابل 1.7 بالمئة في أبريل.
وجاء التضخم السنوي قرب من أعلى مستوى له على الإطلاق الذي تم تسجيله في يوليو 2017 وبلغ 32.952 بالمئة.
- وبحسب بيانات البنك المركزي، ارتفع معدل "التضخم الأساسي" السنوي في مصر إلى 40.3 بالمئة في مايو من 38.6 بالمئة في أبريل.
- الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، المعد من قبل البنك المركزي المصري، سجل معدلاً شهرياً بلغ 2.9 بالمئة في مايو 2023 مقابل معدلاً شهرياً بلغ 1.6 بالمئة في ذات الشهر من العام السابق ومعدلاً شهرياً بلغ 1.7 بالمئة في أبريل 2023.
فهل تقود بيانات التضخم الأخيرة المركزي المصري إلى رفع الفائدة بعد أن قام بتثبيتها مرتين خلال العام الجاري تخللتهما مرّة رفع فيها الفائدة الرئيسية 200 نقطة أساس في مارس الماضي؟
ارتفاع الأسعار
تقول الخبيرة المصرفية الدكتورة سهر الدماطي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ارتفاع معدلات التضخم إلى ذلك النحو، تعود إلى عددٍ من العوامل الأساسية، على رأسها الزيادة التي شهدتها أسعار السولار، فضلاً عن الزيادات التي تشهدها مجموعة الخضروات والفاكهة والمواد الغذائية.
وفيما يقترب معدل التضخم من أعلى مستوى له، تتحدث الدماطي عن اتجاهات البنك المركزي تبعاً لذلك، إما لجهة "تثبيت أسعار الفائدة" أو "رفع الفائدة بمعدل 50 نقطة أساس" نتيجة ارتفاع معدلات التضخم.
وسجل التضخم ارتفاعات حادة خلال العام الماضي بعد سلسلة تخفيضات لقيمة الجنيه بدأت في مارس 2022 فضلاً عن نقص العملة الأجنبية لفترة طويلة والتأخير في الإفراج عن الواردات.
لكن الخبيرة المصرفية تعتقد بأن رفع الفائدة قد لا يأتي بالمردود المرجو منه في سياق كبح جماح التضخم؛ بالنظر إلى أن زيادة تكاليف التمويل تؤدي بالتاجر والمنتج إلى تمرير تلك الزيادة للمستهلك، وبالتالي الدخول في حلقة مفرّغة، كما أن زيادة التكاليف على المُنتجين تؤدي أيضاً لتباطؤ اقتصادي، علاوة على أن زيادة الفائدة تؤثر على عجز الموازنة العامة.
وفي تقديرها، فإنه ثمة حاجة إلى "فترة هدوء" لتقييم الوضع الراهن (في إشارة إلى تثبيت أسعار الفائدة)، لا سيما وأن البنك المركزي المصري قد اتخذ إجراءات مهمة من بينها إيقاف خفض العملة -كما كان متوقعاً من ذي قبل- حتى تكون هناك وفرة بالعملة الأجنبية يستطيع من خلالها فرض سعر توازني.
وتوقع "سيتي غروب" عدم لجوء مصر لخفض قيمة العملة المحلية حتى سبتمبر المقبل على الأقل، وذلك بدعم من العائدات السياحية المتوقعة، ومبيعات الأصول الحكومية، وأثر ذلك في تخفيف الضغط الملقى على عاتق الاقتصاد المصري.
لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد ألمح إلى أنه من المستبعد خفض قيمة العملة مرة أخرى قريبا وذلك في تصريحاته خلال مؤتمر للشباب، الأربعاء، وقال إن تلك الخطوة من شأنها أن تضر بالأمن القومي والمواطنين.
وعقدت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري ثلاثة اجتماعات حتى الآن منذ بداية العام 2023. في الاجتماع الأول خالفت التوقعات وأقرت تثبيت سعر الفائدة، بينما في اجتماعها الثاني، قبل نهاية مارس الماضي، لم تخالف توقعات المؤسسات المالية وبنوك الاستثمار، وأقرت رفع أسعار الفائدة الرئيسية 200 نقطة أساس. فيما تم اتخاذ قرار بتثبيت سعر الفائدة في اجتماع مايو الماضي.
وأبقت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري في اجتماعها الأخير على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 18.25بالمئة، و19.25بالمئة و18.75 بالمئة على الترتيب، كما تم تثبيت سعر الائتمان والخصم عند 18.75 بالمئة.
خيارات محددة
من جانبها، تلفت خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن ارتفاع معدلات التضخم على ذلك النحو من شأنه الضغط على البنك المركزي لعودة رفع سعر الفائدة من جديد، بعد أن تم تثبيتها في الاجتماع الأخير، مشيرة إلى أن رفع الفائدة قد يصل إلى 100 نقطة أساس.
وتشير إلى أن المركزي استنفد الخيارات الأخرى المتاحة، فمن جهة لا يستطيع رفع الاحتياطي الإلزامي لدى البنوك إلى ما يزيد عن الـ 18 بالمئة لأن ذلك من شأنه أن يؤدي لتقليص السيولة المتواجدة بالبنوك، وكذلك ليس بوسعه أيضاً خفض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار الآن، لا سيما وأن ذلك من شأنه أن يقود لارتفاع مطرد بالأسعار، وبما يؤدي للدخول في دائرة مفرغة من ارتفاع معدلات التضخم.
وتردف رمسيس قائلة: "قد يتجه المركزي إلى السماح للبنوك بإصدار شهادات ادخارية بفائدة أعلى (..) وهناك مقترحات بطرح شهادات دولارية بقائدة 10 بالمئة لمدة ثلاث سنوات للمصريين المقيمين بالخارج ومزدوجي الجنسية".
وتشير خبيرة أسواق المال إلى أن الخيارات البديلة بخلاف رفع الفائدة، هي "أكثر إيلاماً" وقد تؤدي لانفجار في الحالة الاقتصادية، بما في ذلك زيادة عجز الموازنة حال خفض الجنيه، مشددة في الوقت نفسه على أن الحلول البديلة لزيادة النقد الأجنبي بما في ذلك زيادة الصادرات وخفض النفقات وتقليص فاتورة الواردات، لا توفر حلاً عاجلاً، بينما هناك التزامات يتعين الوفاء بها قبل نهاية يونيو الجاري، فيما يخص سداد 8.32 مليار دولار حتى نهاية الشهر (بحسب جدول سداد الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل).
وما زالت مصر تعاني من نقص في العملة الأجنبية على الرغم من انخفاض الجنيه بنحو 50 بالمئة منذ مارس وتوقيعها على حزمة إنقاذ جديدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر.
- كانت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، قد خفضت تصنيف مصر درجة واحدة من "بي +" إلى "بي"، مع تعديل النظرة المستقبلية إلى سلبية.
- تحدثت الوكالة في بيان عن صعوبات التمويل الخارجي في ضوء الاحتياجات التمويلية للبلاد، وتشديد شروط التمويل الخارجي. لكن وزير المالية المصري، الدكتور محمد معيط، أكد قدرة بلاده على "الخروج من الأزمة الراهنة"، وذلك بدعمٍ من المؤشرات الراهنة على الصعيد الدولي، والمرتبطة بانخفاض معدلات التضخم وكذلك تراجع أسعار مواد السلع الغذائية.
- وفي أواخر أبريل أعلنت وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز" أنها أعادت النظر في تقديراتها لدرجة آفاق الدين المصري من "مستقر" إلى "سلبي" بسبب "الحاجات الكبيرة لتمويلات خارجية" تتوقعها بشأن المالية العامة.
ظاهرة الدولرة
في السياق، يشير الخبير الاقتصادي الدكتور حسام الغايش، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى استمرار ظاهرة الدولرة من خلال اكتناز العملات الأجنبية، وبما يفاقم من أزمة توافر العملة في مصر، وعليه فإنه يرجح أن يتجه المركزي المصري -وأمام ارتفاع معدلات التضخم على ذلك النحو- إلى رفع معدلات الفائدة بمعدل أعلى عند 200 نقطة أساس لمواجهة تلك الظاهرة.
ويلفت إلى الفجوة الحالية بين سعر الصرف الرسمي بالبنوك والسعر بالسوق الموازية، فضلاً عن سعر العقود الآجلة، وجميعها عوامل تضغط على المركزي من أجل رفع معدلات الفائدة في اجتماع المقبل.
ولم يستبعد الخبير الاقتصادي احتمالية لجوء المركزي إلى خفض قيمة العملة، لكنه يقول إن الأمر مرتبط بمدى التقدم المحرز في الصفقات الخاصة ببرنامج الطروحات الحكومية، فإذا ما تمت تلك الصفقات وبالتالي تغطية الالتزامات المطلوبة من مصر فقد لا يلجأ المركزي لخفض العملة خلال الفترة القصيرة المقبلة.
كما أنه يرجح في الوقت نفسه احتمالية إصدار شهادات ادخار جديدة بفائدة أعلى من أجل سحب السيولة من الأسواق ممن هم خارج الجهاز المصرفي، مشدداً على أنه عادة عند رفع الفائدة تكون هناك منتجات مالية جديدة من بينها الشهادات الاستثمارية ذات العائدا لمرتفع.
مؤشرات إيجابية
على الجانب الآخر، تُظهر البيانات الرسمية التي أعلنت عنها وزارة المالية المصرية في وقت سابق، عن الربع الأول من العام الجاري 2023، مجموعة من المؤشرات الإيجابية، على النحو التالي:
- 98 بالمئة ارتفاعاً بتدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
- 35 بالمئة نمواً بإيرادات قناة السويس (باعتبارها من أهم مصادر العملة الأجنبية) في الربع الأول (2.3 مليار دولار).
- بينما تُظهر مؤشرات السنة المالية المُنتهية في يونيو 2022 نتائج إيجابية نسبياً، رغم التحديات الخارجية واسعة النطاق. من بين تلك المؤشرات تحويل العجز الأولي بالموازنة (استمر لأكثر من 21 عاماً) إلى فائض أولي نسبته 1.3 بالمئة.
وكان وزير المالية المصري قد ذكر في بيان له في أبريل الماضي، أن مؤشرات السبعة أشهر الأولى للعام المالي الحالي بالموازنة العامة، جاءت إيجابية، وحققت الموازنة فائضاً أولياً بنحو 33.7 مليار جنيه مقارنة بـ 15.2 مليار جنيه عن نفس الفترة من العام المالي السابق، إضافة إلى زيادة الإيرادات الضريبية إلى نحو 18.9 بالمئة نتيجة أعمال التطوير والرقمنة التي مكنت من توسيع القاعدة الضريبية، وحصر المجتمع الضريبي بشكل أكثر دقة، وتحقيق العدالة بين المتنافسين.