غالباً ما تبذل الشركات العالمية كل ما في وسعها، لإتمام أعمالها بشكل يواكب اتجاهات السوق وبما يضمن تعزيز حصتها في هذه السوق، ففي عالم الأعمال أي خطأ ترتكبه شركة ما، يكون تكلفته باهظة عليها.
وعلى مر التاريخ، كانت هناك عدة نماذج لشركات عملاقة، تضاءل وجودها في السوق، إما لأنها اقترفت خطأً استراتيجياً، أو لأنها تجاهلت تطوير أعمالها. وبين هذه الشركات موتورولا، التي كانت قاب قوسين أو أدنى، من بيع جميع أعمالها إلى شركات أخرى، إلا أن أمراً حدث، بدلّ المصير الأسود الذي كان ينتظر الشركة التي تخلت عن الهواتف المحمولة ووجدت عملاً آخر مربحاً، لتصبح حاليا واحدة من أكبر قصص التحول التكنولوجي.
عدم استسلام موتورولا
في الماضي، هيمنت موتورولا وإلى جانبها شركة نوكيا على سوق الجوالات عالميا، ولكن الشركتين فقدتا السيطرة على هذه السوق لصالح أبل وسامسونغ، ما دفع بموتورولا في عام 2008، إلى التخلص من وحدة الهواتف التي أصبحت حالياً ملكاً لشركة Lenovo، إلا أن هذا لم يدفع موتورولا للاستسلام، بل توسعت في أعمال جديدة لتصبح في السنوات القليلة الماضية لاعباً كبيراً، في مجال الأعمال الأمنية والسلامة العامة.
وفي الوقت الذي عانت فيه العديد من شركات التكنولوجيا من تراجع في أعمالها خلال 2022، كانت مبيعات وأرباح وأسهم "موتورولا" تحقق ارتفاعات بنسب مضاعفة، ما أعاد الشركة إلى المرتبة 418 في قائمة Fortune 500 لأكبر الشركات في العالم.
الشخص الذي يقف خلف إعادة موتورولا الى سكة النجاح، هو الرئيس التنفيذي للشركة جريج براون، الذي تولى منصبه في عام 2008، وقاد تحول الشركة إلى واحدة من أعظم قصص التحول التكنولوجي في تاريخ السوق الحديث، معتمداً على نظرته القائلة إنه يمكن لموتورولا، أن تفعل الكثير من خلال عمل أقل، وأن أفضل جزء في الشركة هو الجزء الذي يهتم به القليلون.
مبيعات موتورولا تفوق 9 مليارات دولار
تقول أخصائية التقنية، دادي جعجع، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن إيرادات موتورولا تجاوزت حاجز الـ 9 مليارات دولار في 2022، كما زادت أرباحها بأكثر من الضعف، لتصل إلى 1.3 مليار دولار، مع توقعات بارتفاع الأرباح بنسبة 10 في المئة خلال العام الحالي 2023، مشيرة إلى أن سهم الشركة ارتفع بنسبة تفوق الـ 145 بالمئة في السنوات الخمس الماضية، ليتجاوز مستوى 279 دولارا حاليا ارتفاعا من 114 دولارا في 2018.
قيمة موتورولا 48 مليار دولار
وتوضح جعجع أن قيمة موتورولا وصلت في أوائل يونيو 2023، إلى نحو 48 مليار دولار، أي أكثر مما كانت تساوي عندما كانت تنتج هواتف، في حين أن جميع الشركات التي تنافست معها موتورولا في السابق، بما في ذلك بلاكبيري ونوكيا، غير قادرة على التحول إلى مشاريع جديدة.
وأضافت أن التحول الذي طرأ على موتورولا لم يحدث بين ليلة وضحاها، بل بدأ من عام 2008 وهو مستمر حتى الساعة، إذ أنه في عام 2014 كانت لا تزال موتورولا تعاني مالياً، وقد شهدت تلك الفترة محاولات لبيع جميع أعمال الشركة ووصل سعر سهمها إلى أدنى مستوياته عند حوالي 60 دولاراً.
امتلاك 35 شركة
وبحسب جعجع فإن تخلي موتورورلا عن وحدة الهواتف المحمولة إضافة لأعمال أخرى، حررها وجعلها تركز بشكل كامل على الخدمات الأمنية، كاشفة أن موتورولا اشترت 35 شركة منذ عام 2015 وحتى الآن، كان أبرزها صفقة الاستحواذ على Avigilon بمبلغ مليار دولار في عام 2019، وهي الصفقة التي لعبت دوراً أساسياً في النمو والازدهار الذي تحققه موتورولا حالياً.
بماذا يرتبط نجاح الشركة؟
من جهته يقول المحلل في شؤون التكنولوجيا، ريان مرتضى، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن النجاح الذي تحققه موتورولا حالياً، مرتبط بمبيعات الحلول وأجهزة السلامة الأمنية، التي توفرها الشركة للمدارس والمستشفيات، والأماكن العامة وإدارات الشرطة والإطفاء، ومراكز اتصالات 911 ، وغيرها من إدارات السلامة في أميركا، كاشفاً أن الشركة باتت تملك العديد من المنتجات الأمنية، التي تتبناها الشرطة والسلطات المحلية، عبر عقود تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات وتمتد لعشرات السنوات.
ويكشف مرتضى أن موتورولا، تملك أجهزة الراديو الذكية، والتي يتم خلالها الاتصال بين أفراد الشرطة، وأجهزة قراءة لوحات السيارات التي تستخدمها الشرطة، وأنظمة الكاميرات التي تستخدمها سيارات الشرطة، والتي تفحص عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، أي شخص يقترب منها بحثاً عن أسلحة، إضافة إلى نظام زر الذعر المستخدم في آلاف المدارس، وكاميرات تعمل بالذكاء الاصطناعي، لاكتشاف النشاط غير المعتاد في الأماكن العامة والمؤسسات الخاصة والإبلاغ عنه للشرطة كطريقة وقائية.
ويضيف مرتضى أن عمليات إطلاق النار الجماعية، وارتفاع معدلات الجريمة التي شهدتها أميركا في السنوات القليلة الماضية، جعلت من موتورولا لاعباً كبيراً في مجال السلامة العامة، فالقلق العام من هذا الوضع، أدى إلى زيادة الإنفاق على الحلول الأمنية، ولذلك فإن التوقعات تشير إلى أن موتورولا ستحقق إيرادات بنحو 10 مليارات دولار في 2023.