فتح تعيين محمد شيمشك، وزيراً للمالية في الحكومة التركية الجديدة، باب التكهنات بشأن تغيرات مُحتملة في السياسات الاقتصادية بالبلاد، بما يُعالج الاختلالات الراهنة الناجمة عن السياسات غير التقليدية المُتبعة، ويبعث برسائل طمأنة من شأنها معالجة مخاوف المستثمرين إزاء الوضع في تركيا.
يُعوَل على شيمشك، وهو صاحب باع طويل في السياسات الاقتصادية، في أن يعيد ترتيب أوراق الاقتصاد التركي الذي تعرّض لضربات وهزّات مختلفة خلال السنوات القليلة الماضية، عبّرت عنها المؤشرات الاقتصادية، بما في ذلك معدلات التضخم والبطالة، وتهاوي سعر صرف الليرة إلى مستويات غير مسبوقة منذ سنوات.
وتبعاً لذلك، تنتظر وزير المالية التركي العائد أخيراً إلى حقيبته الوزارية السابقة، جُملة من التحديات، في خطٍ متوازٍ مع وضع اقتصادي مقلق انعكس على ثقة المستثمرين في الاقتصاد التركي. كما تنتظر الأسواق سياساته الاقتصادية وحجم التغيير المحتمل الذي قد تحمله تلك السياسات في المرحلة المقبلة.
سبق وأن تولى محمد شيمشك حقيبة وزارة المالية في حكومة أردوغان في الأول من مايو من عام 2009، ثم في حكومة أحمد داوود أوغلو حتى عام 2015، وبعدها عمل مستشاراً لرئيس الوزراء في حكومة بن علي يلدرم.
يحظى شيمشك – الذي دخل قائمة فورين بوليسي لأكثر 500 شخص مؤثر في العام 2013- بتقدير واسع بالأوساط التركية، ويعتقد محللون بأن تعيينه في الحكومة الجديدة يُعد إشارة على التراجع عن السياسات غير التقليدية التي يتبعها الرئيس أردوغان والتي تقوم أساساً على خفض الفائدة رغم ارتفاع معدلات التضخم.
مهام رئيسية
يقول الباحث المتخصص في الشؤون التركية، كرم سعيد، في تصريحات خاصة لـ"اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن تعيين محمد شيمشك، يؤشر بشكل واضح إلى سعي تركيا خلال الولاية الجديدة للرئيس رجب طيب أردوغان، لتصحيح الأخطاء الاقتصادية ومحاولة تجاوز الأزمة التى وصلت إلى مستوى غير مسبوق، وانعكست في تصاعد معدلات التضخم والبطالة، والأهم انهيار سعر العملة المحلية التي فقدت الكثير من قيمتها أمام الدولار خلال الفترة الماضية".
- منذ بداية العام، تراجعت الليرة التركية بنحو 12 بالمئة، لتخسر بذلك أكثر من 90 بالمئة من قيمتها على مدى عقد شهد محطات مختلفة ما بين الكساد والازدهار الاقتصادي.
- كان التضخم في تركيا قد وصل إلى أعلى مستوى له في نحو ربع قرن تقريباً، عندما بلغ 85.51 بالمئة في أكتوبر الماضيk قبل أن تتراجع المعدلات إلى 39.59 بالمئة في مايو، عند أدنى مستوى في نحو عام ونصف.
يأتي ذلك في وقت يتعهد فيه الرئيس التركي بخفض المعدلات إلى خانة الآحاد، مع رفع نسبة النمو إلى 5.5 بالمئة بحلول العام 2024.
السياسة النقدية
قال الباحث في الشؤون التركية: "بتعيينه (شيمشك) قد تتراجع هيمنة وسيطرة الرئيس أردوغان على مسألة رسم السياسة النقدية للبلاد، لأنه كان من بين اشتراطات شيمشك لتولي منصبه أن يكون صاحب القرار الحاسم فيما يتعلق برسم وإدارة السياسات النقدية".
وأدى أردوغان اليمين لفترة رئاسية جديدة بعد فوزه في الانتخابات الأسبوع الماضي، ليدخل حكمه عقداً ثالثاً. وحصل أردوغان، أطول زعماء تركيا بقاء في السلطة، على 52.2 بالمئة من الأصوات في جولة الإعادة في 28 مايو.
من جانبه، يشير الباحث المتخصص في الشؤون التركية، إلى أنه "يُتوقع أن تسفر تلك التغيرات المحتملة عن طمأنة الأسواق المالية الخارجية وأسواق الاستثمار، وربما في المرحلة المقبلة نشهد تلقي تركيا بعض الاستثمارات الجديد على خلفية التغيير المحتمل في السياسات بتعيين شيمشك وتراجع قبضة الرئيس التركي على السياسات النقدية".
ولا يعتقد سعيد بإمكانية حدوث تصادم بين الطرفين لاحقاً، مبرراً ذلك بقوله: "الرئيس التركي يدرك أن المرحلة الحالية هي آخر عهده، وربما هناك ضغوطات جديدة تسفر عن تفاهمات وملامح جديدة لسياسة حزب العدالة والتنمية لضمان الاستمرار فيما بعد أردوغان، فقد صار تفكير الحزب حالياً في مرحلة ماذا بعد السنوات الخمس المقبلة".
تغيرات ملحوظة
ويوضح أن التغيير الحادث في تشكيل الحكومة التركية وتصعيد هاكان فيدان، من الاستخبارات إلى وزارة الخارجية، فضلاً عن إزاحة وزير الداخلية سليمان صويلو، إضافة إلى تعيين شيمشك للمالية، جميعها مؤشرات تشير لاحتمال تغيرات واضحة للسياسات التركية على المستوى الاقتصادي وعلى صعيد العلاقات الخارجية".
ويرى مراقبون أن تعيين شيمشك قد يضع حداً للسياسات الاقتصادية غير التقليدية المستمرة منذ سنوات تحت حكم أردوغان التي اتسمت بخفض أسعار الفائدة رغم ارتفاع معدلات التضخم وسيطرة الدولة على الأسواق. ونقلت تقارير عن الوزير الجديد قوله:
- إن الشفافية والاتساق وقابلية التنبؤ والامتثال للمعايير الدولية ستكون من مبادئه الأساسية لتحقيق هدف رفع مستوى الرفاه الاجتماعي.
- سيكون هدفنا الرئيسي دعم البنك المركزي في مكافحة التضخم من خلال الإصلاحات الهيكلية.
- لم يعد هناك خيار إلا عودة تركيا لسياسة اقتصادية عقلانية.
- خفض التضخم إلى خانة الآحاد على المدى المتوسط وتسريع التحول الهيكلي الذي سيقلل من عجز الحساب الجاري، لها أهمية حيوية بالنسبة لبلدنا.
فريق مؤهل لإدارة الملف الاقتصادي
من جانبه، يقول الأكاديمي التركي، مظفر شنيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن "محمد شيمشك خبير اقتصادي معروف، لكن مثل هذه المشكلة الكبيرة (الوضع الاقتصادي في تركيا) تحتاج إلى فريق مؤهل بشدة للتوصل إلى حل مستدام".
ويتابع: "ومن ثم لا يمكن أن يكون شيمشك منقذاً بمفرده.. ويجب الإجابة على هذا السؤال: ما مقدار الحرية التي سيمنحها أردوغان لشيمشك من حيث السياسات الاقتصادية وتكوين فريقه الخاص؟".
ويشير الأكاديمي التركي في الوقت نفسه إلى أنه "بغض النظر عن الفريق الاقتصادي، فإن تركيا بحاجة إلى سيادة القانون والقضاء المستقل"، موضحاً أن "هناك ثقة قليلة في السوق بأن أردوغان لن يرفض شيمشك في وقت قصير بسبب التجارب الأخيرة"، وهو أمر موضع شك في تقديره.
وتعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السبت، بتنفيذ رؤية قرن تركيا خلال ولايته الجديدة، قائلاً: "خلال السنوات الخمس المقبلة سنواصل العمل بكل عزيمة من أجل تنفيذ رؤية قرن تركيا"، وذلك خلال تدوينه رسالة في الدفتر الخاص بضريح مؤسسة الجمهورية التركية الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك، أثناء زيارته للضريح عقب أدائه للقسم الدستوري بالبرلمان.