مع اقتراب نهاية العام المالي الجاري بنهاية هذا الشهر، وهو العام الذي لم تحصل فيه مصر سوى على شريحة واحدة فقط بدلاً من شريحتين من برنامج التمويل المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، فإن معضلة السيولة الدولارية لا تزال تمثل المشكلة الأبرز أمام الاقتصاد المصري.
ورغم تأخر صرف مورد دولاري مُهم ممثلاً في الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد، والتي كان من المفترض أن تكون في مارس الماضي، تواصل الحكومة المصرية السير في عدة اتجاهات متزامنة من أجل التغلب على معضلة السيولة وحل الإشكاليات المرتبطة بذلك قبل نهاية الشهر الجاري ونهاية السنة المالية 2022-2023.
تتبنى الحكومة المصرية خطة هادفة للتغلب على التحديات الراهنة، وإحداث التوازن المطلوب للوفاء بالتزاماتها الداخلية والخارجية.
كما تستهدف الخروج من الأزمة الاقتصادية بنهاية العام الجاري 2023، طبقاً لما أكده وزير المالية الدكتور محمد معيط، الذي قال في تصريحات إعلامية له الشهر الماضي: "نحن مدركون الأزمات ولأجل هذا نحاول بكل الوسائل الممكنة أن نخفف من آثارها الاجتماعية قدر الممكن إلى حين الخروج منها.. وإن شاء الله نخرج منها أقوياء ونقدر نتعافى ونعوض المواطنين عن الأثر السلبي لهذه الأزمة".
- في ديسمبر الماضي، وافق صندوق النقد على برنامج مدته 46 شهراً لمصر.
- تبلغ قيمة التمويل 3 مليارات دولار، على 9 شرائح، كل شريحة تقدر بنحو 347 مليون دولار.
- حصلت مصر على الشريحة الأولى في ديسمبر 2022. وكان من المقرر استلام الشريحة الثانية في مارس 2023 والثالثة في سبتمبر من العام نفسه.
- تأخر إجراء المراجعة الأولى، التي كانت مقررة في مارس. وطبقاً لمدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور، فإنه لم يتم الاتفاق بعد على موعد للمراجعة الأولى.
وخفضت مصر سعر صرف الجنيه 3 مرات منذ بداية العام الماضي (الأولى في مارس 2022، والثانية في أكتوبر، والثالثة في يناير 2023) لتفقد العملة المصرية أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار. ويُتداول الجنيه في حدود 30.9 جنيه للدولار حالياً في السوق الرسمية.
يتوقع "سوسيته جنرال" أن تهبط العملة المصرية 16 بالمئة إلى 37 جنيه للدولار الواحد، بنهاية العام الجاري، قرب المستوى الذي يتم التعامل به في السوق الموازية.
برنامج الطروحات
وتتبنى الحكومة المصرية خطة للتعامل مع تلك التحديات، يبزغ فيها برنامج الطروحات الحكومية (بيع شركات أو طرح حصص من شركات مملوكة للدولة بالبورصة أو على مستثمرين استراتيجيين). كما يقترح خبراء ومحللون التوسع بقوة نحو أدوات الدين وكذلك جذب "الأموال الساخنة"، بالتوازي مع تسريع وتيرة زيادة حصة القطاع الخاص بشركات الحكومة عن طريق الطروحات.
وتبعاً لذلك، يقول خبير أسواق المال، المحلل المالي مصطفى شفيع، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن انتظام شرائح برنامج صندوق النقد الدولي يرتبط بشكل أو بآخر بمدى التقدم المحرز في صفقات الطروحات التي أعلنت عنها الحكومة المصرية.
- في فبراير الماضي، كشفت مصر عن قائمة تضم 32 شركة ستبيع منها حصصاً في غضون عام، وسط إمكانية زيادة هذا العدد بحسب تصريحات لوزير المالية محمد معيط.
- وكان صندوق النقد الدولي، قد توقع أن تجمع مصر ملياري دولار من بيع حصص مملوكة للدولة خلال السنة المالية الحالية التي تنتهي بنهاية يونيو.
ويضيف خبير أسواق المال: "التأخر في هذا الإطار، وعدم حسم تحرير سعر الصرف، هي أمور كانت لها دور فيما وصل إليه وضع شح السيولة الدولارية في قطاعات الاقتصاد المصري حالياً".
وبعد إبرام صفقتين على شركات "المصرية للاتصالات" و"باكين"، أعلن المركزي المصري أن "بنك باركليز"، سيعمل كمستشار مالي دولي، بجانب المستشار المالي المحلي "سي أي كابيتال" لبيع "المصرف المتحد" الذي تبلغ أصوله 60 مليار جنيه (1.9 مليار دولار)، وفق بيان رسمي من المركزي.
وعزا شفيع التأخر في الاستجابة لمتطلبات الصندوق، إلى معدلات التضخم المتسارعة، نتيجة تخفيض الدعم على سلع أساسية.
- تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، إلى أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية في أبريل انخفض إلى 30.6 بالمئة على أساس سنوي مقارنة مع 32.7 بالمئة في مارس.
- جاء ارتفاع التضخم السنوي مدفوعا بزيادة أسعار الطعام والمشروبات بنحو 54.7 بالمئة على أساس سنوي في أبريل.
وفي هذا السياق، كان المحلل الاستراتيجي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط لدى "كريدي سويس"، فهد إقبال، قد ذكر في تصريحات سابقة له أنه كلما طال الوقت في الشروع بخطوات الإصلاح التي طال انتظارها "زادت شدة تسعير السوق لمخاطر تخفيض قيمة العملة".
ويرجّح تقرير صادر من البنك في مايو الماضي، وصول سعر الصرف إلى المستوى المتداول حالياً في السوق الموازية التي تشير ضمنياً إلى تخفيض نسبته 30 بالمئة عن السعر الحالي.
الإصلاح الاقتصادي
من جانبه، يرجح الخبير الاقتصادي، شريف عثمان، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" حصول مصر على الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي، عقب استكمال تنفيذ الخطوات التي يطلبها الصندوق في سياق الإصلاحات الاقتصادية، موضحاً أن حل أزمة السيولة يكمن في تخفيض الواردات بشكل أساسي، وذلك باتباع سياسة هادفة للتصدير، مع تحقيق الاكتفاء في السوق المحلية.
كما يشير إلى أن بيع حصص من الشركات الحكومية يمثل حلولاً لحظية لن توفر حلاً ذو أجل طويل "ولذلك يتعين تنفيذ سياسات إصلاحية تستهدف عدم تكرار المعضلات الحالية في القريب".
تمضي مصر في خططها لطرح حصص في أكثر من 32 شركة حكومية، لكن التراجع الكبير في سعر صرف الجنيه أدى إلى وجود فجوة بين سعر البيع الذي كانت تخطط له الحكومة"، وفق "كريدي سويس".
وعدل البنك تقديراته لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه خلال 3 أشهر إلى ما يتراوح بين 45 و50 جنيهاً للدولار، كما عدل توقعاته للسعر خلال الـ 12 شهراً شهراً إلى ما يتراوح بين 33 و34 جنيهاً للدولار.
عائدات السياحة وقناة السويس
ويقول المحلل الاقتصادي، إبراهيم النمر، إن عجز الميزان التجاري يشكل أحد أهم التحديات التي تواجهها الحكومة المصرية، ويجب العمل عليها بقوة خلال الفترة المقبلة.
ويضيف: عائدات السياحة وتحويلات المصريين بالخارج، أهم الحلول قصيرة الأجل التي يمكن أن تؤدي لتخفيف وطأة الأزمة، موضحاً أن الأخيرة تأثرت بقوة نتيجة وجود السوق السوداء للعملة.
لكنه يوضح أن الانخفاض في التحويلات من المصريين في الخارج واجهه ارتفاعاً في عائدات قناة السويس، بالوقت نفسه مما سبب حالة من التوازن لكن ظلت الأزمة موجودة.
وتسعى مصر لتعظيم عوائد قناة السويس وقطاع السياحة، وكذلك تحويلات المصريين بالخارج، باعتبارها من بين أهم مصادر العملة الأجنبية بالبلاد، كما تسعى كذلك إلى رفع نسبة مساهمة القطاع الخاص بالاقتصاد إلى 65 بالمئة.
- قفزت إيرادات قناة السويس بنسبة 35 بالمئة في الربع الأول من العام الجاري لتبلغ 2.3 مليار دولار، بحسب بيان من رئاسة الجمهورية المصرية.
- أعداد السفن التي مرت من قناة السويس في الربع الأول من العام الجاري ارتفعت بنسبة 20 بالمئة.
- قناة السويس حققت العام الماضي أعلى إيرادات في تاريخها بقيمة 8 مليارات دولار، بزيادة 25 بالمئة عن عام 2021، بحسب بيان سابق من الهيئة.
ويرجح النمر أن تكون غياب الأموال الساخنة في أذون الخزانة أيضاً أحد أهم عوامل تفاقم الأزمة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن هناك ضرورة قصوى لزيادة قيم الاستثمارات الأجنبية بعملات مختلفة في البلاد.
ويقول إن برنامج الطروحات الحكومية لن يكون هو المنقذ الوحيد من الأزمة الحالية لتوفير كافة التكاليف التي تواجه فيها مصر عجزاً بالوقت الحالي. لكن توفير السيولة بات ضرورياً لتلبية الطلبات المتراكمة على العملة الصعبة من المستوردين والشركات الأخرى، وهو ما قد يخفف الضغط على الجنيه المصري ويضمن تعديلاً ناجحاً لسعر الصرف.
أربعة حلول
وحدد تقرير نشرته "بلومبيرغ" قبيل أيام أربعة سيناريوهات وحلول للتعامل مع أزمة السيولة، وهي (تحديد سعر صرف لكل صفقة على حدة ضمن برنامج الطروحات، أو تقديم خصومات على قيمة الأصول المحلية في البرنامج نفسه، أو تحديد سعر منفصل للصفقات، والسيناريو أو الحل الرابع مرتبط باحتمال ضخ وديعة خليجية بالبنك المركزي المصري).
وطبقاً لبيانات المركزي المصري، فقد ضخت دول خليجية العام الماضي ودائع بقيمة 13 مليار دولار، لكنها أوضحت أن المساعدات الأخرى ستأتي عبر استثمارات تجلب عوائد.
ومازالت احتمالية ضخ الخليج لودائع جديدة بالبنك المركزي المصري مطروحة، حسبما ذكر "بي إن بي باريبا" فى سبيل مساعدة القاهرة في إدارة أي تعديل مستقبلي في قيمة العملة.