تشهد بريطانيا حلقة جديدة من حلقات الخلاف الواسع والممتد بين النقابات والحكومة حول الأجور والوظائف وظروف العمل، في ظل أوضاع اقتصادية مضطربة مع أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة بالبلاد، على وقع عدد من العوامل التي يدفع الاقتصاد البريطاني ضريبتها؛ بدءاً من الخروج من الاتحاد الأوروبي ثم جائحة كورونا وتداعيات الحرب في أوكرانيا، وما صاحب ذلك من ارتفاع في معدلات التضخم.
يأتي "إضراب السكك الحديدية" بالبلاد كعنوان مُعبر عن تلك الأوضاع الخانقة بالبلاد، ضمن إضرابات عديدة شهدتها بريطانيا للمطالبة بزيادة الأجور.
ويشل توقف خدمات السكك الحديدية في أجزاء من البلاد، حركة البريطانيين، ويتسبب في ارتباك واسع بالشارع، وهو الإضراب الذي يتم على ثلاثة مراحل حتى السبت المقبل، ويتزامن مع مناسبات مُهمة، من بينها نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي.
وبحسب مشغلي السكك الحديدية في بريطانيا، فإن الخدمات سوف تنخفض بشدة، وحثوا الركاب على التخطيط لرحلتهم قبل السفر، حيث من المقرر أن يعاني ركاب السكك الحديدية من اضطرابات سفر جديدة خلال الأيام القليلة المقبلة، بسبب المزيد من الإضرابات، في سياق تلك الخلافات طويلة الأمد بين الحكومة والعمال.
وبينما من المقرر أن يتم تشغيل 40 بالمئة من القطارات، لكن "سيكون هناك تعطل كبير فى الحركة مع عدم وجود خدمات على الشبكات الأخرى"، طبقاً لتقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية.
نهائي الكأس
ويؤثر الإضراب على مشجعي كرة القدم الذين يسافرون إلى لندن، لحضور نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي بين مانشستر سيتي ومانشستر يونايتد، على ملعب ويمبلي، بالإضافة إلى الآلاف المتجهين إلى ديربي إبسوم (سباق خيول في إنجلترا يقام في السبت الأول من شهر يونيو كل عام)، بحسب تقرير نشرته شبكة "سكاي نيوز" البريطانية.
ونقل التقرير عن الأمين العام لنقابة Aslef التي تمثل سائقي القطارات، ميك ويلان، قوله إنه لا تراجع عن المطالب الخاصة بسائقي القطارات، "نحن مصممون على التوصل إلى حل.. لقد حان الوقت أن تتراجع الحكومة.. العمال يستحقون زيادة في الأجور بعد أربع سنوات دون زيادة، وبالتزامن مع التضخم المستمر على مدى الأشهر الـ 12 الماضية".
معدلات التضخم
أظهرت بيانات من مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، الأسبوع الماضي، أن تضخم أسعار المستهلكين السنوي في البلاد قد تباطأ بأسرع وتيرة منذ نحو 30 عاما.
- بلغ معدل تضخم أسعار المستهلكين السنوي 8.7 بالمئة في أبريل من 10.1 بالمئة في مارس وهي المرة الأولى الذي يهبط فيها التضخم إلى خانة الآحاد منذ أغسطس الماضي.
- جدد وزير المالية البريطاني، جيريمي هانت، الأسبوع الماضي، الحاجة إلى التمسك بخطة الحكومة لخفض التضخم، بعد أن أظهرت بيانات رسمية انخفاضًا في ارتفاع الأسعار في أبريل.
- ورغم أنه من الإيجابي أن يكون التضخم الآن في خانة الآحاد، غير أن أسعار المواد الغذائية لا تزال ترتفع بسرعة كبيرة، بحسب هانت، الذي قال: "يجب أن نتمسك بحزم بخطة خفض التضخم".
ونصح الأمين العام لنقابة Aslef، المشجعين الراغبين في السفر لحضور المباراة بالقطار، بعدم محاولة القيام بذلك في نفس اليوم.
خيبة أمل
وبحسب متحدث باسم مجموعة النقل بالسكك الحديدية (RDG)، فإن إضرابات السكك الحديدية "لن تؤثر فقط على تنقلات ركابنا اليومية، ولكنها ستؤثر أيضاً على المسافرين من وإلى نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي وغيرها من الأحداث في جميع أنحاء البلاد، مما تسبب في خيبة أمل وإحباط لعشرات الآلاف من الناس".
كما أن تلك الإضرابات ستزعج العائلات التي كانت لديها خطط للعطلة، علاوة على أنها "ستزيد العبء على شعبنا الذي فقد بالفعل آلاف الجنيهات في وقت يعاني من ضائقة مالية."
من جانبه، فإن الباحث المقيم في لندن عضو حزب العمال البريطاني، مصطفى رجب، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الوضع شديد الصعوبة، والحياة شبه متوقفة في ضوء ذلك الإضراب وتأثيره على خطط الناس وتنقلاتهم، لا سيما في أيام العطلة التي تشهد مناسبات مختلفة، منها نهائي الكأس وحفلات غنائية، موضحاً أن هناك حالة غضب شديدة في بريطانيا، علاوة على الغضب الواسع في صفوف العمال المطالبين بزيادة الرواتب.
ويشير إلى أن "الحكومة تتعامل بتعنت مع مطالب العمال"، مشبهاً تلك السياسة التي تتبعها الحكومة في التعامل مع المطالب بسياسة رئيسة الوزراء الراحلة "مارغريت تاتشر" بعنوان "NO Offers" أو لا عروض، حيث تبدي الحكومة عناداً في مواجهة تلك المطالب وترفض التفاوض.
وكانت وزارة النقل البريطانية، قد ذكرت أنها "سهلت عرضاً عادلاً ومعقولاً للأجور"، لكنّ النقابة تقول إنه "لا توجد مفاوضات تهدف إلى حل الخلاف المرير بعد أن عرضوا اتفاقاً يحتوي على جميع الخطوط الحمراء".
إصرار على المطالب
ويضيف رجب، "النقابات مستمرة في موقفها، والعمال مصرون على المضي قدماً في هذه الإضرابات حتى تحقيق مطالبهم"، مشدداً على أن تزامن هذه الإضرابات مع نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي بين فريقين من خارج لندن، وبينما يسعى جماهيرهما إلى الوصول والتوافد إلى ملعب ويمبلي السبت المقبل لحضور هذه المناسبة، فإن ذلك من شأنه أن يحمل مخاطر واسعة"، فضلاً عن كون الإضراب أيضاً يشمل عطلة نهاية الأسبوع ويؤثر على خطط الأسر البريطانية في قضاء إجازتهم خارج المنزل.
ويلفت إلى أن "الوصول إلى الملعب بالحافلات لن يحل المشكلة ولن تكفي تلك الحافلات لاستيعاب كل هذه الجماهير الوافدة من مانشستر.. وبالتالي سيكون هذا اليوم في تقديري يوماً مشهوداً في بريطانيا في ظل الأزمات التي قد تشهدها تبعاً لذلك"، محذراً في الوقت نفسه من مغبة تصاعد الغضب في صفوف الجماهير والشرطة، وإمكانية حدوث تصادم.
الاقتصاد البريطاني
يأتي ذلك في وقت يتعرض فيه الاقتصاد البريطاني لمجموعة من الضغوطات الواسعة، وفي ظل ارتفاع معدلات التضخم التي لا تزال مرتفعة رغم تراجعها لخانة الآحاد أخيراً، ورغم التقديرات الإيجابية نسبياً الصادرة عن صندوق النقد الدولي.
وقال الصندوق إنه لم يعد يتوقع أن يقع الاقتصاد البريطاني في ركود هذا العام، حيث قام بتحديث التوقعات التي نشرت الشهر الماضي، لكنه حذر من أن التوقعات لا تزال ضعيفة.
وتوقع في هذا السياق نمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بنسبة 0.4 بالمئة في العام الجاري 2023، بعد أن كان يتوقع انكماشه بنسبة 0.3 في توقعاته السابقة في أبريل، لكن هذه التوقعات تعتبر أضعف من أي اقتصاد رئيسي.