تواجه الليرة التركية خطر التراجع بنسبة 29 بالمئة، إذا التزم الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي تولى فترة ولاية أخرى مدتها خمس سنوات، بسياسته المتمثلة في إبقاء أسعار الفائدة منخفضة.
طبقاً لمذكرة أعدّها محللو مورغان ستانلي، فإن "العملة التركية قد تتراجع إلى 26 لكل دولار واحد، في وقت أقرب مما كان متوقعاً في وقت سابق، لتقترب من الـ 28 ليرة لكل دولار بحلول نهاية العام الجاري، ما لم يكن هناك تغيير في السياسات المُتبعة".
ويتبنى الرئيس التركي نهجاً "غير تقليدي" من أجل الحد من ارتفاع معدلات التضخم، وذلك من خلال معدلات الفائدة المنخفضة. وقد ترك ذلك النهج الأسواق خاضعة لمزيج "لا يمكن التنبؤ به" من اللوائح والتدخلات الخاصة، مع اتخاذ تدابير جديدة بشكل غير رسمي وبصورة متكررة، بحسب بلومبيرغ.
ويشير محللون إلى أن ذلك النهج اضُطر معه مستثمرون أجانب إلى التخارج من السوق التركية. عبّرَ عن ذلك انخفاض إجمالي الحيازات الأجنبية من الأسهم والسندات التركية بنحو 85 بالمئة، أو ما يقرب من 130 مليار دولار منذ العام 2013.
ومن دون تغيير في إطار السياسة الكلية لإعطاء الأولوية للتضخم واعتماد سياسات صديقة للسوق، يبقى الاقتصاد التركي معرضاً لمزيد من الحساسية للصدمات العالمية.
والثلاثاء، هبطت الليرة إلى مستوى قياسي جديد، بعد أن لامست لفترة وجيزة مستوى 20.4295 مقابل الدولار، متجاوزة أدنى مستوى تم تسجيله الأسبوع الماضي عند 20.0913 مقابل الدولار.
أثر السياسات "غير التقليدية"
وأمام سلسلة التحديات التي يواجهها الاقتصاد التركي، لا يختلف الكاتب الاقتصادي التركي ناغي بكير، مع التقديرات التي تشير إلى أن الليرة التركية في طريقها للانخفاض بنسبة تصل إلى 29 بالمئة بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية جديدة، وفي ظل السياسات المالية والاقتصادية المتبعة من خلاله.
ويشير بكير في تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن "الناس يلجؤون إلى شراء العملات الأجنبية (كملاذ آمن لحفظ القيمة).. إنهم يريدون طمأنة أنفسهم"، وذلك في ظل السياسات الاقتصادية الحالية، ومع التقديرات المرتبطة بخفض قيمة الليرة.
ويتبنى المحللون نظرة سلبية لمستقبل الليرة التركية على المدى المنظور ما لم يحدث تغييراً في السياسات التركية.
- نقلت شبكة "سي إن بي سي" عن الخبير الاقتصادي في الأسواق الناشئة في ويلز فارغو، بريندان ماكينا، قوله: "لدينا نظرة متشائمة للغاية بشأن الليرة التركية نتيجة احتفاظ أردوغان بمنصبه بعد الانتخابات". ويتوقع أن تصل الليرة إلى مستوى 23 ليرة مقابل الدولار بنهاية الربع الثاني، ثم 25 ليرة في وقت مبكر من العام المقبل.
- كبير المحللين الاستراتيجيين في BlueBay Asset Management ، تيموثي آش، يقول إنه "مع احتياطيات العملات الأجنبية المحدودة وأسعار الفائدة الحالية فإن الضغط على الليرة ثقيل".
- أستاذ الاقتصاد بجامعة كوتش في إسطنبول، سيلفا ديميرالب، يرى أن "هذه التطورات تعكس اعتقاد المشاركين في السوق بأن السياسات التقليدية، التي وعدت بها المعارضة السياسية، هي الطريقة الوحيدة لإخراج الاقتصاد التركي من أزمة محتملة.
عقبات أساسية
وفي تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يرصد الأكاديمي التركي، مظفر شنيل، عدة عقبات تواجه السياسة التركية المتبعة والتي تؤثر بدورها على مستوى الليرة.
ففي وقت تركز فيه السياسة النقدية التركية على السعي لتحقيق النمو والمنافسة التصديرية بدلاً من ترويض التضخم ، ويؤيد أردوغان وجهة النظر غير التقليدية القائلة بأن رفع أسعار الفائدة يزيد التضخم، يقول شنيل إن ثمة مشكلات اقتصادية يحتاج الرئيس أردوغان التعامل معها؛ وعلى رأسها:
- ارتفاع معدلات التضخم (بعد أن بلغ مستوى غير مسبوق منذ ربع قرن، قبل أن يتباطأ أخيراً).
- أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة، بما يثقل كاهل المواطن التركي ويحمله بأعباء واسعة.
- أزمة الفقر وزيادة معدلات البطالة.
- أزمة ميزان المدفوعات.
- ملف سداد الديون قصيرة الأجل، والتقلبات المحتملة وإمكانية الركود، علاوة على الأزمات المحتملة في القطاع المصرفي.
ويلفت في سياق متصل، إلى أن الاستطلاعات تشير إلى أن حوالي 52 بالمئة من المجتمع التركي يعتبرون أن (الفقر والفساد والأزمة التي تواجه سيادة القانون والحريات وكلفة المعيشة) هي الشغل الشاغل لهم.
ومنذ بداية العام، تواصل الليرة التركية تسجيل مزيد من الخسائر، لتتراجع بنحو 8 بالمئة، وتخسر بذلك أكثر من 90 بالمئة من قيمتها على مدى عقد شهد محطات مختلفة من ما بين الكساد والازدهار الاقتصادي.
- وكان التضخم في تركيا قد وصل إلى أعلى مستوى له في نحو ربع قرن تقريباً، قبل أن تتباطأ المعدلات دون مستوى الـ 44 بالمئة، طبقاً لبيانات شهر أبريل.
- وبحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن المعهد التركي للإحصاء، فإن التضخم في تركيا قد بلغ 50.5 بالمئة على أساس في شهر مارس، بعدما ارتفع إلى 85.5 بالمئة في أكتوبر.
- يأتي ذلك في وقت يتعهد فيه الرئيس التركي بخفض المعدلات إلى خانة الآحاد، مع رفع نسبة النمو إلى 5.5 بالمئة بحلول العام 2024.
تشجيع الإنتاج والتصدير.. ودعم السياحة
من جانبه، يقول الكاتب والباحث في الشأن التركي، محمود عثمان، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الملف الاقتصادي هو الملف الأول على سلم أولويات الرئيس أردوغان والحكومة القادمة، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن تكون هناك تغييرات راديكالية تُحافظ على النهج الذي يتبعه الرئيس التركي لجهة خفض الفائدة.
- الليرة تبدو حالياً أقوى مما يجب أن تكون عليه (مُقومة بأعلى من سعرها العادل).
- المصدّرون الأتراك يشتكون من تقييم الليرة الحالي.
- الحكومة اتبعت في الأشهر الأخيرة -ربما لدواعي الانتخابات- سياسة متشددة جداً لجهة الحفاظ على سعر صرف مستقر (عالي) لليرة التركية.
- أعتقد بأن هذا الوضع هو "أمر مؤقت" إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة، وبعدها سنرى إلى أين ستذهب تلك الحكومة (فيما يخص السياسة النقدية وسعر الصرف).
- أتوقع خفض قيمة الليرة التركية من أجل فتح الأسواق الخارجية، ولكي تُعادل كلفة الإنتاج.
ويلفت عثمان إلى أن المصدرين يُصرون على خفض الليرة بما لا يقل عن 25 بالمئة، لا سيما في ظل حالة الغلاء (التي تؤثر على تكلفة الإنتاج) وكذلك الضرائب الحكومية ومع التوجه نحو زيادة الرواتب بحلول يوليو المقبل وبما يعني حملاً على الاقتصادي والمصنعين والمصدرين، موضحاً أن الاقتصادي التركي يعتمد إلى حد كبير على عوائد التصدير.
وفيما تسعى تركيا إلى أن تصبح واحدة من أكبر عشرة مصدرين في العالم، ارتفعت الصادرات التركية بنسبة 12.9 بالمئة إلى 254.2 مليار دولار في العام 2022، مسجلة أعلى مستوى لها على الإطلاق.
ويضيف الكاتب والباحث في الشأن التركي، عاملاً إضافياً يدعم الاتجاه نحو خفض سعر صرف الليرة، وهو ما يرتبط بالقطاع السياحي، على اعتبار أن "تركيا تعتمد اعتماداً واسعاً على عوائد السياحة، وهذا يقتضي أن يكون سعر صرف الليرة مناسباً لقيمتها لجذب السياح، وكذلك حتى يتمكن المُصدر التركي من المنافسة في الأسواق العالمية".
ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن "الرئيس أردوغان لديه استراتيجية عامة يطمح إلى تطبيقها بغض النظر عن النماذج الاقتصادية العالمية، فهو يريد المضي قدماً في تخفيض معدل الفائدة من أجل تشجيع الإنتاج، وهذا يواجه بعض العقبات أثناء التطبيق، لكن أردوغان مُصر على ذلك، وسيتم اختيار إدارة الاقتصاد الجديدة بناءً على تلك التوجهات وبما يتوافق مع سياسة خفض الفائدة".