يتحضر قطاع السيارات في لبنان للانتقال من عصر السيارات التقليدية التي تعمل بالبنزين أو الديزل إلى عصر السيارات الكهربائية الصديقة للبيئة، التي ستصبح الخيار المنطقي لغالبية المشترين خلال السنوات القليلة المقبلة.
تدهور مبيعات السيارات الجديدة
ولكن انتقال السوق اللبنانية إلى السيارات الكهربائية، ومحاولتها مواكبة التغييرات الجذرية التي تحدث في هذا القطاع، دونها الكثير من العقبات، فلبنان الذي يعاني أزمة اقتصادية خانقة منذ نهاية 2019، يحاول تبني خيار "النقل المستدام" في عام 2023، رغم تدهور مبيعات السيارات الجديدة في البلاد، من أكثر من 23 ألف سيارة في نهاية 2019 إلى نحو 6500 سيارة في نهاية 2022، منها نسبة ضئيلة جداً تعمل بالكهرباء.
انتقال غير سلس
وبعيداً عن الأسباب الاقتصادية والمالية التي أدت إلى تدهور مبيعات السيارات الجديدة في البلاد، فإن عدم قدرة لبنان على تحقيق الانتقال السلس إلى عالم السيارات الكهربائية، مرتبط بالعديد من العناصر اللوجستية الأخرى، مثل ضعف البنية التحتية الأساسية، مع ندرة وجود محطات لإعادة شحن السيارات، وغياب الدعم الفني المختص بأعمال الصيانة في مرحلة ما بعد البيع، إضافة إلى عدم توافر نظام مناسب لإصلاح بعض أنواع السيارات بسبب الاستيراد العشوائي.
ولكن ورغم هذه العوائق فإن القطاع الخاص اللبناني يقوم بالكثير من الجهود، لمجاراة هذه الثورة التكنولوجية، مدعوماً ببعض السياسات التحفيزية التي أقرتها سابقاً الحكومة اللبنانية، من خلال توفير إعفاءات ضريبية وجمركية لمن يشتري سيارة كهربائية.
استيراد عشوائي
وتقول الصحفية المختصة بالشؤون الاقتصادية، محاسن مرسل، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن السيارات الكهربائية تقدم تجربة قيادة أفضل بكثير من السيارات التقليدية، وهي أكثر موثوقية وأسهل للصيانة، ولكن بعض العمليات العشوائية لاستيراد هذا النوع من السيارات إلى لبنان قد يضر بهذا القطاع، مشيرة إلى وجود بعض الجهات التي تقوم باستيراد أنواع معينة من السيارات الكهربائية، التي تم حظر استيرادها في دول أخرى، بسبب عدم تقديم الشركات المصنعة لها ضماناً، وعدم توافر نظام مناسب لإصلاحها أو لأعمال الصيانة في مرحلة ما بعد البيع.
استغلال لقانون تشجيع المنافسة
وبحسب مرسل، فإن ما يحدث غير مرتبط بالشركات الكبيرة التي تسعى لتنظيم استيراد السيارات الكهربائية وتوفير أفضل شروط الصيانة، بل ببعض الأطراف التي تستغل قانون تشجيع المنافسة الذي أقره لبنان العام الماضي، والذي سمح لأي شخص باستيراد أي سلعة، وهو قانون لم تُنفذ بنوده بشكل كامل، لافتة إلى أن العديد من المستهلكين يقومون بشراء هذه السيارات الكهربائية، دون أن يعلموا ما الذي ينتظرهم لاحقاً في حال تعرضت لعطل أو حادث.
نقاط ضعف لبنان
وتضيف مرسل إن لبنان يعاني من ضعف البنية التحتية الأساسية التي تحتاجها السيارات الكهربائية، وذلك مع ندرة وجود محطات لإعادة شحن السيارات، حيث يجب معالجة هذه الثغرة من خلال وضع خطة حكومية، تلزم المعنيين بتوفير عدد أكبر من محطات الشحن، على أمل أن تستأنف المصارف دورها في تمويل عمليات شراء السيارات الكهربائية، عبر منح قروض للمستهلكين ما يسهم في تسريع عملية انتقال البلاد إلى عصر النقل المستدام، إذ إنه في الوقت الراهن من المستحيل على لبنان وضع تاريخ محدد للتخلي عن السيارات التقليدية.
الانتقال إلى السيارات الكهربائية رغم الأزمة
من جهته، يقول سيمون أبي راشد مدير مبيعات في مجموعة بسول وحنينة وكلاء BMW ورينو في لبنان في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن السوق اللبنانية بدأت عملية الانتقال من السيارات التقليدية إلى السيارات الصديقة للبيئة منذ عدة سنوات، عبر ما يعرف بالسيارات الهجينة، التي تجمع ما بين محرك الوقود والمحرك الكهربائي، ولكن الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها البلاد، إضافة إلى انتشار وباء كوفيد-19، شكلا عاملين أساسين في عرقلة مساعي تحقيق نقلة نوعية في هذا التوجه، ما بين عامي 2020 و2022، ولكن هذه الجهود عادت لتستأنف في 2023، رغم استمرار الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد.
حوافز لامتلاك سيارة كهربائية
ويضيف أبي راشد أن الدولة اللبنانية أقرت العديد من الإعفاءات الضريبية التي تشجع على امتلاك سيارة كهربائية، وهذه الحوافز تستكملها العلامات التجارية الكبيرة في عالم صناعة السيارات، التي تقدم كفالة لبطارية السيارة قد تصل إلى 8 سنوات، إضافة إلى أعمال صيانة مجانية قد تصل مدتها إلى 6 سنوات، وكفالة على السيارة تصل مدتها إلى 3 سنوات، داعياً الراغبين في اقتناء سيارة كهربائية، للتأكد من جميع هذه الأمور قبل الإقدام على خطوة الشراء.
ويؤكد أبي راشد أن هناك توجهاً عالمياً نحو حظر إنتاج السيارات التقليدية في السنوات العشر المقبلة، لافتاً إلى أن لبنان لن يكون خارج هذا التحول، رغم بعض التحديات الواجب معالجتها لزيادة الاعتماد على السيارات الكهربائية، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية التي يمر بها حالياً.
خفض الإنفاق على الطاقة
بدوره يقول سلفين جوفندر Selven Govenderمدير المبيعات وخدمة العملاء في مرسيدس بنز في منطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن التشجيع على شراء السيارات الكهربائية يسهم بمزيد من التنمية الاقتصادية، عبر خفض الإنفاق على الطاقة، لافتاً إلى أن هناك اهتماماً كبيراً من قبل اللبنانيين بالسيارات الكهربائية، متوقعاً أن تشهد السوق اللبنانية نمواً كبيراً في حجم المبيعات خلال السنوات المقبلة.
ويرى جوفندر أن السيارات الكهربائية ستصبح مجدية اقتصادياً يوماً بعد يوم لمختلف سكان العالم.