ترزح غانا تحت وطأة ضائقة ديون خطيرة، يتعين عليها إعادة هيكلتها بعد توقفها عن السداد في ديسمبر الماضي، فيما تُعول الحكومة على قرض قيمته ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لدعم اقتصادها المُنهك، والعودة لأسواق المال العالمية.
تفاقم أزمة الديون (البالغة 34 مليار دولار) جاء نتيجة مجموعة من السياسات الداخلية التي أفضت إلى حالة من الانخناق المحلي مع تصاعد أزمة تكلفة المعيشة وفي ظل اللغط حول مصارف الإنفاق الحكومي التي تركزت على البنية التحتية (ومن بينها مشروع الكاتدرائية الوطنية المثير للجدل) دون مشروعات تدر عوائد استثمارية تنعش الاقتصاد.
يأتي ذلك جنباً إلى جنب وتأثير العوامل الخارجية المعروفة بدءاً من جائحة كورونا وتبعاتها الاقتصادية، ووصولاً إلى الحرب في أوكرانيا، وهو ما يمثل نصف الحقيقة المروية من جانب الحكومة في غانا لتبرير الوضع الاقتصادي الحالي، بينما النصف الآخر يشير إلى أثر السياسات الاقتصادية التي أفضت إلى هذا الوضع المضطرب في بلد كان حتى وقت قريب يعد نموذجاً ناجحاً في التنمية بالقارة، وهو البلد الذي يأتي في المرتبة الثانية على المستوى القاري في 2022 كأكثر البلدان الأفريقية إنتاجاً للذهب، ويشغل المرتبة الـ 11 عالمياً، طبقاً لبيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، وكان يطلق عليه "ساحل الذهب".
- وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، الأربعاء، على برنامج قرض بقيمة 3 مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات لغانا.
- تسمح تلك الموافق بصرف فوري لنحو 600 مليون دولار ومسار محتمل للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة.
- وقال الصندوق، في بيان، إن تأمين اتفاقات إعادة هيكلة الديون في الوقت المناسب مع الدائنين الخارجيين سيكون ضرورياً للتنفيذ الناجح لقرض التسهيل الائتماني الممدد الذي يهدف إلى مساعدة غانا في التغلب على تحديات السياسة والتمويل الفورية.
رسالة تحذيرية
تحليل مُطول نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية الأسبوع الجاري، يشير إلى الوضع الاقتصادي في غانا باعتباره يوجه رسائل تحذيرية لعديد من البلدان الأفريقية المفرطة في الإنفاق على البنية التحتية، وجاء في التقرير:
- وافقت غانا على خطة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، بعد أن تخلفت عن سداد ديونها في ديسمبر الماضي (وهو نفس المصير الذي يهدد 19 دولة أفريقية بحسب صندوق النقد).
- أصبح خطر انعدام الأمن الآن على أعتاب غانا بسبب الاضطرابات في جارتها من الشمال بوركينا فاسو.
- كثيرون في غانا يشككون في أولويات الرئيس الحالي (الذي تنتهي ولايته العام المقبل)، ويعتقد حوالي 87 بالمئة من الغانيين أن بلدهم يسير في الاتجاه الخاطئ.. واندلعت احتجاجات العام الماضي بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
- رغم انخفاض التضخم عن أعلى مستوى له في عقدين من الزمن عند 54 بالمئة في ديسمبر الماضي، إلا أنه لا يزال عند 41.2 بالمئة. بينما تُلقي الحكومة مسؤولية المحنة الاقتصادية على الصدمات الخارجية (كورونا والحرب في أوكرانيا).
- تمت زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 10 بالمئة تقريباً في بداية العام، لكنها ليست سوى تأجيل ضئيل في مواجهة ارتفاع الأسعار الفلكي.
ونقل تقرير "فاينانشال تايمز" عن كبير الاقتصاديين في مركز النمو الدولي (مؤسسة فكرية مدعومة من جامعة أكسفورد وكلية لندن للاقتصاد) جيمس دزانسي، قوله إنه قبل جائحة كورونا كانت غانا "تسير على جليد رقيق لكنها لم تغرق".
- اقترضت الحكومة بكثافة لحماية الاقتصاد من آثار الوباء، وربما تجنبت الركود نتيجة لذلك.
- لكن دين البلاد كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي ارتفع من 62.7 بالمئة في العام 2020 إلى أكثر من 100 بالمئة في 2022.
- تستحوذ خدمة الدين الآن على حوالي 70 بالمئة من الإيرادات الحكومية.
مغريات "سياسية" يدفع ثمنها الاقتصاد
من جانبه، يقول عالم السياسة الأميركي، المتخصص في الاقتصاد السياسي للتنمية في قارة أفريقيا، نيكولاس فان دي وال، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": أعتقد بأن الأسباب الرئيسية لأزمة الديون الحالية هي الاقتراض المفرط بمعدلات عالية وبشكل متزايد إلى حد كبير لحماية الناخبين الغانيين من ركود لا مفر منه؛ نظرًا للظروف المتغيرة في الاقتصاد العالمي التي سببها فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا، ويأتي ذلك في سياق التقويم الانتخابي.
وهو يُلمح بذلك إلى الإفراط في الإنفاق على الانتخابات الماضية وعمليات جذب الناخبين، من خلال تقديم تسهيلات رغم أعباء الدين، ومن أهم تلك الإجراءات التوقف في وقت سابق عن فرض رسوم على المياه، وفرض تعريفة أرخص على الكهرباء، وهو ما استفاد منه الجميع بما في ذلك السكان المحليون الذين لا يحتاجون إلى دعم.
ويشير الأكاديمي المتخصص في الاقتصاد السياسي للتنمية في قارة أفريقيا، إلى أن البعض يجادل بأن العوامل الخارجية (كورونا والحرب في أوكرانيا) كانت خارجة عن سيطرة الحكومة ولا يمكن التنبؤ بها، إلا أن:
- ملف ديون غانا تحديداً كان يرتفع بشكل خطير لسنوات.
- كان من الواضح أن ملف الديون بحاجة إلى المعالجة قبل انتخابات 2020 بفترة طويلة.
- بدلاً من معالجة الأمر، استمرت الحكومة في جمع السندات في أسواق اليورو بأسعار فائدة مرتفعة بشكل متزايد حتى العام 2021، بعد فترة طويلة من إعادة انتخاب نانا أكوفو أدو.
- بالإضافة إلى ذلك، مول الكثير من هذا الدين النفقات المتكررة والمشاريع المتميزة مثل الكاتدرائية الوطنية، بدلاً من المشاريع التي من شأنها توسيع الاقتصاد أو تسهيل النمو.
ويعد مشروع الكاتدرائية واحداً من أبرز المشاريع المثيرة للجدل، ويطلق عليه في غانا بنوعٍ من السخرية (الحفرة الأكثر تكلفة في العالم) رغم أن الهدف من المشروع أن يكون رمزاً للوحدة.
- جمعت غانا ما يقرب من 17 مليار دولار من سندات اليورو، وكانت الحكومة تروج إلى أنها "تجاوزت الاكتتاب لمدة تسع سنوات متتالية.
- مع بدء وتيرة رفع الفائدة (منذ بداية العام الماضي بشكل خاص لكبح جماح التضخم) رفع بنك غانا المركزي الفائدة بمقدار 1250 نقطة أساس منذ مارس 2022.
- وجدت غانا نفسها -تبعاً لذلك المشهد- خارج أسواق الدين الدولية، في وقت تتزايد فيه المخاوف والشكوك بشأن قدرتها على الوفاء بالتزاماتها.
خدمة الدين
ويلفت الاستاذ بجامعة كورنيل الأميركية بولاية نيويورك، إلى أن "خدمة الدين تبلغ الآن ما يقرب من ثلثي النفقات المتكررة، علاوة على أن التضخم الآن يقترب في المعدل السنوي بنسبة 30 بالمئة، وتباطأ النمو الاقتصادي من 6.7 بالمئة في المتوسط بين عامي 2010 و2018، إلى 3.6 بالمئة في العام 2022 و2.8 بالمئة في العام الجاري 2023 ولا شيء من هذا يبدو مستداماً أيضاً".
وتحت وطأة تلك الضغوطات التي يواجهها الاقتصاد الغاني، ومع خروج أكرا من أسواق الدين الدولية:
- اضطرت الحكومة للاعتماد بشكل كبير على سوق رأس المال المحلية (بلغت أسعار الفائدة أكثر من 40 بالمئة، وتمويل البنك المركزي 39.9 بالمئة في 2022).
- أدخلت الحكومة ضرائب جديدة على الشركات والدخل ، وضرائب أعلى على السلع، كما رفعت ضريبة القيمة المضافة بمقدار 2.5 نقطة إلى 15 بالمئة.
ونقل تقرير الفاينانشال تايمز عن محللين قولهم إنه من المأمول أن تؤدي هذه الأزمة الاقتصادية وبرنامج صندوق النقد الدولي الوشيك إلى تحفيز إصلاحات جذرية في غانا. كما أن هناك حاجة لسد التسريبات التي تحرم الحكومة من الإيرادات الهامة.