يعتبر الملياردير الأميركي وارن بافيت، مؤسس إمبراطورية "بيركشاير هاثاواي" التي تضم تحت مظلتها أكثر من 65 شركة، من أشهر المستثمرين في العصر الحالي، وهو يوصف بحكيم مدينة أوماها الأميركية ومعجزتها، لكونه يتبع نمطا اقتصاديا ذكيا ساعده في بناء إمبراطورية استثمارية ضخمة.
وقد صنع بافيت اسمه وثروته من خلال استراتيجية "استثمار القيمة"، التي تعطي الأولوية للتوقعات المالية طويلة الأجل، وليس للأرباح قصيرة الأجل، إضافة إلى سياسة تملك أسهم الشركات الجيدة والمربحة.
ورغم امتلاكه لثروة يقدر حجمها بـ 106 مليارات دولار أميركي في 2023 بحسب فوربس، فإن بافيت الذي يبلغ من العمر 92 عاما، يعيش بعيداً عن مظاهر البذخ والإنفاق المفرط، وقد أصبحت أحاديثه وتوقعاته، مصدر إلهام ومحطة يترقبها عالم المال والأعمال، لمعرفة ما هي نظرة "حكيم الاقتصاد" لمستقبل الأعمال بعد أكثر من نصف قرن أمضاها في الاستثمارات الناجحة.
الأوقات الجيدة ولّت
يبدو أن بافيت، الذي يُنظر إلى إمبراطوريته "بيركشاير هاثاواي" على أنها مقياس لصحة الاقتصاد الأميركي، متشائم من المستقبل الذي ينتظر عالم الأعمال في البلاد، فقد أعلن منذ أيام خلال الاجتماع العام السنوي لمجموعة "بيركشاير هاثاواي"، أن الأوقات الجيدة قد ولّت، وأن "الفترة الاستثنائية" للإنفاق المفرط قد انتهت، مشيراً إلى أن أنشطته التجارية تعاني تراكما في المخزون، وهي إشارة لا تبشر بالخير، خاصة بالنسبة للذين يعتقدون أن الولايات المتحدة ستتجنب الركود.
من هي مجموعة بيركشاير هاثاواي؟
وتمتلك "بيركشاير هاثاواي" مجموعة متنوعة من الشركات، من بينها Borsheims Fine Jewelry و Duracellو See’s Candiesو Dairy Queenو Nebraska Furniture Mart، ويتطلع المستثمرون دائما إلى بافيت، للحصول على رؤى اقتصادية لكون أعماله مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالإنفاق والطلب العام. كما أن امتلاكه لشركة "بي أن أس أف" للسكك الحديدية، وهي أكبر شبكة للشحن في أميركا الشمالية، يمنحه رؤية واسعة وأدلة على مستوى البضائع التي يتم شحنها في جميع أنحاء البلاد.
تباطؤ اقتصادي
وتوقع أيقونة الاستثمار العالمي وارن بافيت، أن تتراجع أرباح العديد من أعماله في ضوء التباطؤ الاقتصادي، وذلك رغم أن الأرباح التشغيلية لـ "بيركشاير هاثاواي" قفزت خلال الربع الأول من 2023، بنسبة 12.6 في المئة إلى 8.065 مليارات دولار، وذلك مقارنة بـ 7.16 مليارات دولار في الفترة نفسها من العام السابق، بدعم من انتعاش أعمال التأمين الخاصة بالمجموعة.
مقارنة بافيت
ويقول الخبير الاقتصادي أحمد الخطيب في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن وارن بافيت يقارن الفترة الحالية بالفترة التي شهدتها الأسواق الأميركية ما بعد كوفيد-19، والتي حصل خلالها إنفاق مفرط من قبل المستهلكين، بسبب السيولة الكبيرة التي كانت موجودة في السوق، على خلفية ضخ الحكومة لحزم المساعدات المالية، إضافة إلى الخطوات التي قام بها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لتحفيز الاقتصاد في ظل الجائحة، وهذا التوجه ساعد كثيراً في زيادة أرباح الشركات، حيث ترافق ذلك مع عودة الحياة لطبيعتها، بعد فترة طويلة من الإغلاقات المتتالية واستعداد أكبر من المستهلكين للإنفاق.
سبب النظرة التشاؤمية
وبحسب الخطيب فإن سبب النظرة التشاؤمية لـ وارن بافيت يعود إلى تبدل الأوضاع في السوق، حيث ارتفعت نسبة التضخم بشكل كبير، ما انعكس ضغوطاً على الأسعار والرواتب، وأثّر في مستوى المعيشة وفي قدرة الناس على التكيف مع الأوضاع، في الوقت الذي قام فيه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع الفائدة لمحاربة التضخم.
أسباب ستخفف الطلب على السلع
ويشرح الخطيب أن ما يقوله بافيت هو أن "الإنفاق المفرط" الذي حدث في السابق، لا يمكن له أن يستمر، وأن الأوضاع بدأت تتغير وستتغير أكثر في الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن عمليات تخلي الشركات الأميركية عن عدد كبير من موظفيها، إضافة إلى أزمات البنوك في أميركا، ستدفعها إلى تغيير استراتيجياتها في منح القروض، وهذه كلها أسباب ستخفف من الطلب على كل السلع والخدمات في الفترة المقبلة.
جرس إنذار
من جهته، يقول المحلل المالي بيار خوري في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن حكيم أوماها يملك القدرة على تخمين حالة السوق، وما قاله يعد بمثابة جرس إنذار بشأن حالة الاقتصاد الأميركي، وهو يشير بوضوح إلى أن النشاط الاقتصادي في أميركا، سوف يتدهور، وهذا ما يفسر توقعاته القاتمة لأعماله التجارية.
النقد هو الملك
يلفت خوري إلى أن بافيت أعلن خلال اجتماع مساهمي "بيركشاير هاثاواي"، أن المجموعة باعت ما قيمته 13.3 مليار دولار من الأسهم، واستثمرت 4.4 مليارات دولار منها في عملية إعادة شراء أسهمها، ووضعت 2.9 مليار دولار في أوراق مالية أخرى، مشيراً إلى أن بافيت يعلم أنه عندما يلوح الركود في الأفق، فإن النقد يصبح هو الملك.
لا شيء مؤكد غداً
يضيف خوري أن السوق الأميركية تمر بمرحلة مضطربة للغاية حالياً، فقد أنهت عام 2022 على عمليات تسريح كبيرة قامت بها الشركات، ومن ثم أتت أزمة سقوط المصارف التي خلقت حالة من عدم الاستقرار وأثارت قلقا بين أوساط المودعين، في حين تتركز الأنظار حالياً على كيفية تجنب كارثة التخلف عن سداد الديون، وما قد ينتج عنها من تداعيات على الاقتصاد العالمي والاقتصاد الأميركي، ومن هنا يمكن فهم قول بافيت إن الوضع ذاهب إلى الأسوأ وألا شيء مؤكد غداً، ولا في العام المقبل بالنسبة للأسواق والأعمال.