وسط ما تشهده أسعار النفط من تقلبات، اندلعت حرب تصريحات غير معتادة في شكل تصريحات متبادلة بدأت شرارتها من وكالة الطاقة الدولية تجاه منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك".
في تقريرها الأخير، انتقدت وكالة الطاقة قرار خفض الإنتاج الطوعي الذي اعتمده تحالف "أوبك+"، قائلة إن القرار بخفض الإنتاج يضر بالاقتصاد العالمي، كما أنه يؤدي لنقص المعروض ويهدد نمو الاقتصاد العالمي.
وهذه ليست المرة الأولى التي تحذر فيها وكالة الطاقة من قرارات أوبك، إذ أن التحذير من قرار خفض الإنتاج جاء ليكمل ما سبقه من انتقادات مباشرة وغير مباشرة.
وفي عام 2021، دعت وكالة الطاقة الدولية إلى وقف الاستثمار بشكل كامل في مشاريع النفط والغاز الجديدة، بهدف الوفاء بأهداف المناخ العالمية.
من جانبها، أعلنت "أوبك" على لسان أمينها العام هيثم الغيص أن تصريحات وكالة الطاقة تضر بأسواق النفط، مؤكدًا أن المنظمة وحلفاءها لا يستهدفون الأسعار على الإطلاق، وإنما يتحركون بناء على أساسيات أسواق النفط.
تصريحات الأمين العام لأوبك انطلقت من استمرار حاجة العالم لمصادر الوقود الأحفوري، وتحديدا النفط والغاز، إذ يستحوذان معا على نحو 55 بالمئة من إجمالي استهلاك الطاقة في العالم.
ورغم تسارع وتيرة تبني الطاقة النظيفة حول العالم، فإن التوقعات تشير إلى أنه وبحلول عام 2030، سيستحوذ النفط والغاز على نحو 52 بالمئة من استهلاك الطاقة في العالم، بحسب "إس آند بي غلوبال".
إحجام العالم عن الاستثمار في قطاع النفط قد يؤدي إلى حدوث نقص كبير في المعروض، ما يؤدي بشكل حتمي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط.
وبحسب أوبك، يحتاج قطاع النفط إلى استثمارات بقيمة 12 تريليون دولار حتى عام 2045.
ويرى الكثيرون أنه من المستحيل إيجاد مزيج للطاقة خال من النفط والغاز، وأن الحل الأمثل هو خفض انبعاثات القطاع من خلال التقنيات الحديثة، مثل التقاط وتخزين الكربون.
الكاتب المختص في الصناعة النفطية، عبدالعزيز المقبل، قال خلال لقاء في برنامج "عالم الطاقة"، إن حرب التصريحات بين وكالة الطاقة ومنظمة أوبك هو أمر غير مسبوق كحدث، ولكن التصريحات لا يقصد بها استفزاز طرف لآخر ، بل يمثل فرصة لتوضيح مسؤوليات كل طرف.
التصريحات، وفق المقبل، دفعت منظمة أوبك لتوضيح مسؤولية كل مؤسسة، وأشار إلى أن مسؤوليات أوبك تتمثل في ضمان الإمدادات الكافية للطلب الموجود في الأسواق العالمية، بينما مسؤوليات وكالة الطاقة الدولية هي أمن الطاقة وأمن الإمدادات لدول التعاون الاقتصادي.
وأوضح الكاتب المختص في الصناعة النفطية أنه خلال السنوات الخمس الماضية، ابتعدت وكالة الطاقة الدولية عن مسؤولياتها الأساسية، وتطرقت لأمور أخرى بعيدة عن اختصاصها.
ورغم ذلك، قال عبدالعزيز المقبل إن وكالة الطاقة الدولية لم تتطرق إلى العديد من الأمور التي وقعت في الأعوام السابقة وأثرت على أسواق الطاقة، مثل الحرب التجارية بين الصين وأميركا، ثم تعطل سلاسل التوريد العالمية، ثم وباء كورونا، وطباعة لما يقارب 8 تريليونات دولار أثقلت السياسات النقدية العالمية.
"ولكن عندما رأت أوبك ضرورة الرجوع إلى البيانات، والتوقع بأن يكون هناك تراجع في الطلب، ما يستدعي الحاجة إلى الحد من الإنتاج، وجهت وكالة الطاقة الاتهامات لمنظمة أوبك وحملتها مسؤولية زيادة الأسعار"، بحسب قول المقبل.
وأضاف أنه لا يوجد مبرر لدى وكالة الطاقة الدولية لاتهام منظمة أوبك بالمسؤولية عن ارتفاع أسعار النفط عالميا، والتأثير على نمو الاقتصاد العالمي.
وأشار المقبل إلى أن العالم يحتاج بالفعل إلى نحو 12 تريليون دولار استثمارات في قطاع النفط، وأن تصريحات وكالة الطاقة أحدثت ضررا كبيرا في البيئة الاستثمارية لقطاع الطاقة، والتي تعاني في الأساس بسبب ظروف جيولوجية وإنتاجية وظروف تتعلق بالاستكشاف، لتوفير إمدادات إضافية من النفط والغاز خلال السنوات المقبلة.
وأضاف المقبل أن وكالة الطاقة ذكرت في عام 2008، خلال الأزمة المالية العالمية، أن العالم في حاجة لإنتاج يقدر بثلاثة أضعاف إنتاج المملكة العربية السعودية لتلبية الطلب المتزايد.
وأوضح أنه رغم تصريحات وكالة الطاقة حول الاستثمار بقطاع النفط، وتوجيه الأوساط الاستثمارات إلى مصادر أخرى للطاقة، إلا أنها لم تضع معايير حول كيفية الانتقال وما هي الوسيلة التي تضمن الانتقال إلى تبديل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية؟
"نرى حاليا أن العالم يتجه للعودة إلى استخدام الفحم الحجري لتعويض الحاجة إلى مصادر الطاقة، ويظل نحو 27 بالمئة من مصادر الطاقة هو الفحم الحجري رغم ما له من آثار تلوث أكبر بكثير، وذلك بسبب التقارير المفرطة في التفاؤل حول الانتقال إلى مصادر أخرى للطاقة"، بحسب المقبل.
الكاتب المختص في الصناعة النفطية يرى أن هناك مشكلة في مراجعة ما يصدر من بيانات وما وعدت به كل جهة، موضحا أن أوبك بالفعل أوفت بالالتزامات الصادرة في تقاريرها وبياناتها، إلا أنه لم يتم الالتزام بوعود الأطراف الأخرى، خاصة فيما يتعلق بالانتقال في الطاقة، "وكان حريا بدول التعاون الاقتصادي أن تراجع البيانات الصادرة عن وكالة الطاقة"، بحسب المقبل.