شارك عديد من المستخدمين منشورات مختلفة على تطبيق Xiaohongshu (منصة صينية للتواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية)، يشكون فيها من نقصٍ في حقائب اليد الفاخرة، وكذلك الطوابير الطويلة في متاجر شانيل في مدن مختلفة، خاصة هونغ كونغ وماكاو.
تُبرز تلك المشاهد ما يُمكن وصفه بـ "الشهية المنفتحة من جديد" على السلع الفاخرة، بعد رفع قيود كورونا في بكين، وفي وقتٍ يشهد فيه قطاع "الرفاهية والسلع الفاخرة" ازدهاراً استثنائيا رغم التحديات المفصلية التي تواجه الاقتصادات المختلفة في ضوء ارتفاع معدلات التضخم.
- لم تؤد الأزمات المالية والوباء والاضطرابات الجيوسياسية والتضخم المتصاعد والضغط على تكلفة المعيشة، إلى إعاقة صعود قطاع الرفاهية (الذي يشمل السلع وكذلك السفر والضيافة).
- بعد الانكماش الحاد مع إغلاق العالم في أوائل العام 2020، انتعش القطاع بسرعة إلى 1.15 تريليون يورو في العام 2021.
- وفي العام 2022 حقق القطاع نمواً بنسبة من 19 إلى 21 بالمئة (وفقاً لتقديرات شركة Bain الاستشارية).
ولكن مع استمرار المخاوف من حدوث ركود عالمي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن أن يستمر نمو القطاع دون هوادة؟
تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية أخيراً، اعتبر أن "هذا الأمر (مدى استمرار القطاع بالنمو) يتوقف على الولايات المتحدة والصين؛ باعتبارهما محركي النمو المزدوج للرفاهية وأكبر أسواقها الاستهلاكية".
- تلقت معظم شركات الرفاهية ضربة لأعمالها في الصين في نهاية العام الماضي بسبب قيود كورونا.
- لكن أرقام مبيعات الربع الأول لكل من LVMH وHermès تشير إلى أن التعافي في الصين من الآثار المتبقية لسياسات مكافحة فيروس كورونا الصارمة جارٍ بالفعل، ومن المتوقع أن يتسارع في النصف الثاني من العام من ازدياد السفر.
وبعد سنوات من النمو غير العادي، يعتقد المحللون والمستثمرون بأن بعض الاعتدال في القطاع أمر متوقع فقط (بحسب إروان رامبورغ ، الرئيس العالمي لأبحاث المستهلكين والتجزئة في HSBC). لكن حتى هذا الاعتدال من المرجح أن يكون متواضعاً.
القطاع ظل قوياً.. لهذه الأسباب:
مدير كلية الضيافة والسياحة في جامعة تورنتو متروبوليتان، فريدريك ديمانش، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": لقد أثر التضخم على الأسر بشكل كبير، ويكافح الكثيرون لتعديل نفقاتهم، وهذا يؤثر على أنماط حياة الناس.
ومع ذلك، يرى أن:
- الأشخاص يكيفون سلوكهم دون بالضرورة إلغاء جميع عمليات الشراء.
- في أعقاب الوباء هناك رغبة قوية في السفر على سبيل المثال.
- عديد من البلدان على وشك العودة إلى مستويات العام 2019 فيما يتعلق بالوافدين.
لكنه على الجانب الآخر يشير إلى أن المستهلكين المتأثرين بالتضخم يغيرون بشكل طفيف سلوكيات سفرهم، موضحاً أنهم "سوف يتحكمون في ميزانيتهم من خلال قضاء أيام أقل في الوجهة، أو سيتسوقون للعثور على وجهات بسعر يمكنهم تحمله".
ويلفت ديمانش إلى أن السفر الجوي لم يعد بعد إلى مستويات العام 2019 بسبب أزمة العمالة (تحتاج شركات الطيران والمطارات إلى مزيد من الموظفين) ولأن المسافرين يختارون وسائل نقل أرخص وبديلة. عندما يستطيعون ذلك، يختار الكثيرون السفر بالسيارة أو بالقطار، ويميل الناس إلى السفر إلى وجهات أرخص وأقرب.
وتبعاً لذلك، يشدد مدير كلية الضيافة والسياحة في جامعة تورنتو متروبوليتان، في معرض حديثه مع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" على أنه "من المؤكد أن قطاع الرفاهية ظل قوياً؛ بسبب الجاذبية المستمرة لتجارب الرفاهية، وأيضاً لأن الأشخاص الذين لديهم الوسائل لشراء المنتجات الفاخرة والتجارب لا يتأثرون كثيراً بالتضخم".
إلى جانب ذلك هناك جيل جديد من المشترين على استعداد للانغماس في تجربة الرفاهية، على الرغم من التكلفة بين الحين والآخر.
ويرى ديمانش أن قطاع الرفاهية يعمل بشكل جيد، ويبدو أن جميع القطاعات واثقة من الأشهر القليلة المقبلة، من السفر إلى الأزياء والسيارات والمجوهرات. وقد لا تكون التغييرات التي ستحدث بسبب التضخم فقط، ولكن أيضاً بسبب عوامل مثل التقدم التكنولوجي . ويختتم حديثه بقوله: في الوقت الحالي، من منظور الترفيه والسفر، هناك شهية لتجارب الجودة، والسؤال هو: هل سيستمر ذلك؟
قطاع الرفاهية والطبقة المتوسطة
تتماشى تلك التقديرات ما يؤكده كبير المسؤولين الماليين في LVMH جان جاك جويوني، في تصريحاته التي نقلتها الصحيفة البريطانية، والتي يقول فيها: "نحن لا نبيع معظم منتجات لوي فيتون للأثرياء، بل للأشخاص الذين لديهم المال ويريدون تدليل أنفسهم (..) نعتقد أن الطبقات المتوسطة العليا ستستمر في الازدهار، وسنقوم بتصميم المنتجات والتسويق لها ".
بينما تختلف تعريفات الطبقة الوسطى، لكن نموها كان أكثر وضوحاً في الصين. وتشير تقديرات إلى أن الطبقة الوسطى تبلغ حوالي 350 مليون شخص أو 25 بالمئة من السكان، أي أكثر من مجموع سكان الولايات المتحدة في العام 2018، ارتفاعاً من حوالي 1 بالمئة من السكان في مطلع الألفية.
كما نما الأثرياء، على الرغم من قلة عددهم، بشكل كبير وطوروا ذوقاً للسلع الفاخرة، ما سمح للعلامات التجارية بما في ذلك شانيل وديور وهيرميس - التي تباع حقائبها بأكثر من 20000 يورو ولا يمكن شراؤها عادة إلا بعد مرور فترة طويلة بعد قائمة الانتظار - لتنمو بسرعة فائقة، بحسب التقرير نفسه.
قطاع ناجح
ويُعد قطاع الرفاهية "أحد القطاعات العالمية القليلة الناجحة (..) إذا كان هناك نقص في الطلب في مكان ما، فسيكون هناك طلب في مكان آخر"، طبقاً لرئيس الخدمات المصرفية العالمية الفاخرة في Citi، روبرتو كوستا، ضمن تقرير الفاينانشال تايمز.
وبينما عادة ما لا يتم تقييم العلامات التجارية الفاخرة على قدم المساواة في ظل وجود علامات أقوى وأخرى أضعف، يعتقد رئيس قسم المستهلك والبيع بالتجزئة في بنك باركليز الاستثماري، إنريكو ماسارو، بأن "الأمر لا يتعلق بالمناطق، ولكن بقوة العلامات التجارية والشركات (..)".
أولويات الاستهلاك
وفي السياق، تشير تقديرات مورغان ستانلي، إلى انخفاض الإنفاق على الرفاهية بـ "أرقام فردية منخفضة" في كل من الولايات المتحدة وأوروبا خلال العام الجاري.
وفي هذا السياق، يتحدث رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، آدم بوزين، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، عن تغير أولويات الاستهلاك للمواطنين في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، في ظل ارتفاع معدلات التضخم، ويقول:
- بالنسبة للمواطنين ذوي الدخل المنخفض، كان ارتفاع التضخم يعني خفض الاستهلاك الحقيقي الإجمالي.
- اضطر المواطنون أصحاب الدخول المنخفضة إلى إنفاق المزيد على الضروريات مثل الإيجار والغذاء والطاقة والخدمات الأساسية.
- بالنسبة للمواطنين في النصف العلوي من توزيع الدخل، كان هناك تحول إلى إنفاق أكثر نسبياً على الخدمات بدلاً من السلع؛ لأن التضخم كان أقل في الخدمات، ولأنهم اشتروا الكثير من السلع المعمرة أثناء فترة الوباء.
وبشأن ما إن كان الازدهار الاستثنائي في السلع الكمالية والفاخرة في بعض المناطق بسبب الظروف الاقتصاد الراهنة مُرشح للانتهاء، يقول رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: "قد ينتهي الازدهار في الطلب على السلع الكمالية، ومع انخفاض الطلب بشكل مستمر، وبالتالي تراجع الأسعار (في حالة الركود)".
لكنه ينبه في الوقت نفسه إلى مسألة "تغير اتجاهات وأذواق الناس" كعامل أساسي يحكم عملية الاتجاه إلى السلع الكمالية، بعيداً عن التضخم والظروف الاقتصادية.
دول الشرق الأوسط
أما بالنسبة لعدد من دول منطقة الشرق الأوسط، فإنها ليست ببعيدة عن الازدهار النسبي لقطاع الترفيه الذي عرفته بعض المناطق الأخرى، وهو ما يؤكده تقرير سابق صادر عن "بنك باركليز"، ارتكز على عوائد ارتفاع أسعار النفط والتي من شأنها دعم الظروف الاقتصادية بعدد من بلدان المنطقة.
يتوقع محللو البنك ارتفاع حصة المنطقة من مبيعات السلع الفاخرة إلى 8 بالمئة على مستوى العالم بحلول العام 2030 مقارنة بنسبة 5 بالمئة حالياً. وطبقاً للتقرير نفسه، فإن كلاً من "LVMH" و"ريتشمونت" يعتبران أكبر المستفيدين من نمو هذا القطاع في منطقة الشرق الأوسط.