لم تتوقف أصداء الاضطرابات التي نشبت في السودان منذ مساء يوم السبت 15 أبريل، عند حد التأثيرات الداخلية على الاقتصاد والوضع السياسي والأمني والمعيشي بالبلاد، إنما امتدت بشكل واسع خارج السودان بدءاً من دول الجوار التي تُواجه مخاطر توسع الصراع في السودان، السياسية والاقتصادية والأمنية على حد سواء.
يأتي ذلك تبعاً للموقع الجيواستراتيجي الذي يمثله السودان، وما يزخر به من ثروات تجعل منه "سلة غذاء" مهمة بالنسبة للعالم، وبالتالي فإن أي تطورات هناك عادة ما تصاحبها انعكاسات سواء مباشرة وغير مباشرة على وضع البلدان الواقعة في محيط البلد بشكل خاص.
كما تنعكس تلك التطورات على البنوك والمؤسسات المالية العاملة في السودان ودول الجوار. وقد نبّه إلى ذلك أحدث التقارير الصادرة عن وكالة موديز للتصنيف الائتماني، بالإشارة إلى الآثار الائتمانية السلبية المعرضة لها عدد من المؤسسات وبنوك التنمية متعددة الأطراف التي تقدم قروضاً بالسودان ودول المنطقة.
- بنك التجارة والتنمية: تشكل قروضه بالسودان 14 بالمئة من محفظته (بإجمالي 930 مليون دولار).
- 34 بالمئة من الأموال التي يخصصها البنك نفسه لأغراض التنمية موجهة إلى قروض لمشاريع وأنشطة تجارية في السودان والدول المحيطة به.
- بنك التصدير والاستيراد الأفريقي: 31 بالمئة من قروضه موجهة للسودان وجيرانه.
- المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص: 3.1 بالمئة من أصوله تتركز في الخرطوم.
- بنك التنمية الأفريقي والبنك الإسلامي للتنمية: توازي قروض كل منهما 1 بالمئة من أصوله المخصصة للمشاريع التنموية.
موقع فريد
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي السوداني، الدكتور وائل فهمي، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الموقع الجيواستراتيجي الاقتصادي للسوادن لا يهم فقط العالم العربي باعتبار أنه مصدر أمن غذائي أو مصدر ثروات وخلافه، إنما يهم دول أفريقية عديدة، ويشير إلى أن:
- استقرار السودان هو استقرار للدول الأفريقية المجاورة، وأي اضطراب سياسي أو عسكري بالتأكيد سيؤثر عليهم بشكل كبير.
- 7 دول أساسية مجاورة للسودان تتأثر بشكل كبير بالتطورات فيه، إضافة إلى دول جوار الجوار، ليصبح عدد الدول المتضررة على أقل تقدير حوالي 17 دولة تعتمد بشكل أو بآخر على استقرار السودان سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
- تعداد سكان هذه الدول مجتمعة لا يقل عن 500 مليون نسمة، تصب في مصلحتهم تنمية الاقتصاد السوداني، والسودان بالنسبة لهم مجال حيوي بعكس التصورات الحالية.
- من المتوقع أن تتسبب الأزمة الراهنة في أزمات مالية لعديد من تلك الدول، وأن تنعكس كذلك على عددٍ من المؤسسات المالية.
- يتأثر عدد من المؤسسات المالية لها استثمارات في السودان، مثل بنك التنمية الأفريقي وبنك الاستيراد والتصدير الأفريقي الذي يشجع على إنتاج وتصدير الكثير من السلع في السودان. وهي مؤسسات معرضة للمخاطر التي يواجهها السودان حالياً.
تأثير الحرب
ويتحدث الخبير الاقتصادي السوداني في الوقت نفسه عن "تأثير الحرب الحالية على تفاقم أزمة الديون بالنسبة للدول المجاورة للسودان، على أساس المهددات المرتبطة بتوقف الصادرات نتيجة الحرب الحالية، مردفاً: "السودان سيواجه عقبات في سداد أي ديون الآن في ظل المعارك الجارية.. المعركة الواحدة تستنزف يومياً أكثر من نصف مليار دولار، وهي حالة مُدمرة"، على حد قوله.
ويعلق على التقارير الصادرة بخصوص تأثر تصنيف الدول المجاورة، بالإشارة إلى أنه "عندما يذكر السودان تذكر الخيرات الموجودة به وأنه من أغنى الدول بالموارد الطبيعية التي تهم السودان والعالم كله (..) السودان تحيط به عدد من الدول المغلقة اقتصادياً أو تجارياً، وهي تعتمد عليه خصوصاً عبر ميناء بورتسودان في توفير احتياجاتها من الخارج، ويشكل السودان معبراً لتجارة تلك الدول المغلقة مع العالم الخارجي، مثل تشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا ودول أخرى".
وتبعاً لذلك، يشدد على أن "الحرب في السودان حالياً تنعكس على دول الجوار وجوار الجوار، وبما يؤثر سلباً على موازين مدفوعاتهم، وبالتأكيد على الملاءة الائتمانية الخاصة بكل منها لمختلف المؤسسات التمويلية.. هذا يشمل السودان أيضاً والذي ما زال اقتصاده في حالة انكماش مستمر خاصة بعد هذه الحرب الجارية حالياً".
ويختتم حديثه بقوله: "ربما تنعكس أزمة السودان الحالية في أزمة ديون للمؤسسات الإقليمية والدولية".
أزمة الديون
يتسق ذلك مع ما ذهبت إليه وكالة موديز للتصنيف الائتماني، في أحدث تقاريرها، عندما حذرت من أن امتداد الازمة في السودان للبلدان المجاورة وفي ضوء تدهور البيئة الأمنية، من شأنه زيادة المخاوف بخصوص تفاقم أزمة القروض المتعثرة لدى بنوك التنمية التي تركز على تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا ومصر".
وفي سياق متصل، يشير الباحث والمحلل الاقتصادي السوداني، الدكتور هيثم فتحي، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن "السودان دولة محورية ومؤثرة لكثير من دول الجوار، لذلك فإن أي تأثير على الاقتصاد السوداني سلباً أو إيجاباً سيؤثر على تلك الدول بذات التأثير".
ويضيف: "التصنيفات الخاصة بالسودان مرتبطة بالعجز المالي الكبير وارتفاع الدين المحلي ومستويات الدخل المنخفضة، مع هشاشة النمو الاقتصادي في السودان"، مشدداً في الوقت نفسه على أن الحكومة الانتقالية نجحت في تطبيق إصلاحات هادفة لدعم الأسعار وإزالة الدعم عن كثير من السلع والخدمات الأساسية لكنها فشلت في جذب الاستثمار الأجنبي، كما لم تقدّم دول كثيرة ما وعدت به الحكومة لدعم للسودان.
ويوضح أن "المؤسسات المالية الدولية والإقليمية والجهات المانحة لا تجيد التصرف دائماً، فلقد خطط السودان للاعتماد على قروض الدول، خاصة دول الخليج؛ لكي تضطلع بالدور الذي كانت تؤديه المؤسسات المالية الدولية في السودان".
ويقول فتحي إن "نشوب الحرب الحالية، واستمرارها خلال الفترة المقبلة، سيعقد الأوضاع الاقتصادية مع مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية، وستكون أولوية الإنفاق الحكومي هو الانفاق العسكري والأمني.. كما سيزداد الأمر تعقيداً بالنسبة لعلاقات السودان مع مؤسسات التمويل، خاصة مع تعطل المرافق القادرة على إنتاج الغذاء، ومرافق استيراد الغذاء، فضلاً عن صعوبة تدبير النقد الأجنبي، وزيادة نسب البطالة بين الشباب".
ويختتم حديثه بالإشارة إلى أنه "تصاعد الحرب الحالية يمكن أن يدفع الناتج المحلي الإجمالي للتراجع من حيث القيمة ومعدلات النمو، مما يخلق أثراً سلبياً على المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، مثل بنك التجارة والتنمية وبنك التصدير والاستيراد والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص وبنك التنمية الأفريقي، والبنك الإسلامي للتنمية".