أنعشت الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها العالم تجارة الملابس المستعملة، فيما لا يقتصر الأمر على البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط الأكثر تأثراً بتبعات الأزمات العالمية، إنما تمتد تلك الانتعاشة أيضاً إلى الدول المتقدمة، التي عرفت ولأسباب مُتعددة نشاطاً ملحوظاً لهذا القطاع، وسط تقديرات بازدهار أوسع خلال السنوات المقبلة.
بخلاف العوامل الاقتصادية المرتبطة بتداعيات معدلات التضخم التي تضرب العالم، وانعكاسات جائحة كورونا ومن بعدها الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي، ولا سيما الاقتصادات الأكثر هشاشة، فإن أسباباً أخرى تدفع إلى نمو سوق السلع المستعملة عموماً، من أهمها تنامي الوعي بعادات التسوق المستدامة.
وفي هذا السياق، تشير تقديرات منصة إعادة البيع عبر الإنترنت ThredUp إلى أنه من المتوقع أن تتضاعف سوق الملابس المستعملة عالمياً تقريباً بحلول العام 2027، لتصل إلى 350 مليار دولار، حيث تقوم الشركات بتكييف المزيد من نماذج الأعمال الدائرية، وأصبح المستهلكون أكثر وعياً بالبيئة.
- من المتوقع أن تنمو سوق الملابس المستعملة عالمياً ثلاث مرات أسرع في المتوسط من سوق الملابس العالمية بشكل عام.
- شهدت السلع المستعملة نمواً قوياً في العام 2022 بنسبة 28 بالمئة، لتصل إلى 177 مليار دولار.
- بحلول العام 2024، من المتوقع أن يتكون 10 بالمئة من سوق الملابس العالمي من الملابس المستعملة.
- من المتوقع أن تصل تلك السوق في الولايات المتحدة إلى 70 مليار دولار بحلول العام 2027.
- ستشهد إعادة البيع في الولايات المتحدة نمواً متسارعاً في 2023، بنسبة 26 بالمئة، ويستمر الزخم حتى العام 2024 بمعدل نمو 33 بالمئة.
- إعادة البيع عبر الإنترنت هو القطاع الأسرع نمواً في سوق السلع المستعملة في الولايات المتحدة.
- من المتوقع أن تصل إعادة البيع عبر الإنترنت إلى 38 مليار دولار بحلول العام 2027، بمعدل نمو أسرع مرتين من المنتجات المستعملة بشكل عام.
بدائل أرخص في ظل الأزمة الاقتصادية
من جانبه، يُحدد الخبير الاقتصادي حسام عايش، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عدداً من العوامل الأساسية التي تدفع الكثيرين للبحث عن بدائل مناسبة وأرخص لعديد من الاحتياجات، من بينها الملابس، وأبرز تلك العوامل:
- ارتفاع معدلات التضخم.
- أزمة سلاسل الإمداد منذ جائحة كورونا وتبعات الحرب في أوكرانيا.
- تراجع معدلات النمو الاقتصادي (وقد خفض صندوق النقد توقعاته للنمو إلى 2.38 بالمئة في 2023).
ويتابع: "هذا كله يعني أن معدل دخل الناس من الناتج المحلي الإجمالي على مستوى الدول وعلى المستوى العالمي سيتراجع، خاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث الاحتياطي من العملات الأجنبية والإيرادات المحلية التي تحصل عليها بالكاد يمكن أن يسهم في توفير حد أدنى من المتطلبات الغذائية، بل وفي بعض الأحيان تكون هناك مجاعات ووفيات ناجمة عنها لأسباب تتعلق بأن هذه الدول تجد نفسها عاجزة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة الكبير وفي ظل تراجع قدرتها على الاستدانة لارتفاع التكلفة وارتفاع تكلفة مديونتها التي يفترض أن تفي بها".
ويشير الخبير الاقتصادي الأردني إلى أن "هناك دولاً ومجتمعات تعاني من الإفلاس وربما التوقف عن السداد والدخول في المجهول المعيشي، ويتجلى ذلك بانخفاض قدرتها على توفير احتياجاتها الغذائية، وبالتالي يأتي قطاع الملابس المستعملة ليكون أحد أشكال الإنقاذ فيما يخص توفير حاجة الناس للملابس".
أسعار الملابس المستعملة
لكن العايش يلفت في الوقت نفسه إلى أن الأمر ليس مقتصراً فقط على الدول النامية، إنما ربما كذلك في الدول المتقدمة، حيث يشكل القطاع نوعاً من البدائل للاحتياجات في هذا المجال، على رغم أن القطاع لم يسلم من زيادات الأسعار، على النحو التالي:
- أسعار البالات أو الملابس المستعملة ارتفعت في العالم بالنظر إلى ارتفاع تكلفة النقل.
- بعض الدول تفرض رسوماً جمركية وضرائب خاصة بالنظر لحاجاتها إلى هذه الإيرادات لدعم مواردها.
- لكن بالنسبة للماركات والمنتجات الأخرى من الملابس في الأسواق تظل "الملابس المستعملة" أو "البالات" أرخص وبالإمكان الإقدام على شرائها.
ويوضح أن تجارة الملابس المستعملة هي تجارة عالمية، وهناك أسواق رئيسية في العواصم والمدن المختلفة، سواء كانت في بلدان منخفضة الدخل والفقيرة والنامية وكذلك الدول المتقدمة، حيث هناك أسواق تبيع هذه المنتجات والسلع وهناك مشترون وهناك من يتسابقون على شراء بعض ما هو موجود في هذه البالات بالنظر إلى أن بعضها يكون من ماركات عالمية أو "ستوكات" ربما لم يتمكن البائعون في الدول المتقدمة من تسويقها في موسمها وحاجتهم لتجديد هذه المنتجات، وبالتالي يقدمون على بيعها إما بسعر التكلفة وأحياناً بأقل من ذلك، وبالتالي فتحت سوقاً عالمية للبالة.. ويلخص حديثه بقوله:
- سوق البالات هي سوق عالمية نشطة.
- لا أعتقد بأن دولة تخلو منها في العالم كبيرها وصغيرها.
- باعتقادي أن هذه النوعية من التجارة ربما تزدهر أكثر في الفترات المقبلة، بالنظر إلى عدد من العوامل (المخاوف من الركود، وانخفاض الدخول، وتراجع فرص العمل).
تأثيرات بيئية
على الجانب الآخر، وبينما يُعتبر الإقبال على السلع المستخدمة ضمن البدائل التي يلجأ إليها البعض في ظل تراجع القدرة الشرائية ومع ترتيب أولويات الإنفاق بالنسبة للأسر، فإن تقرير ThredUp المشار إليه نبّه إلى تأثير آخر لنمو هذا القطاع، وهو تأثير مرتبط بالناحية البيئية.
يشرح التقرير كيف يقلل شراء الملابس المستعملة من التأثير البيئي لشراء الأزياء، وأن ارتداء الملابس المستعملة بدلاً من الملابس الجديدة يقلل من انبعاثات الكربون بمعدل 25 بالمئة، لا سيما أن إعادة البيع لديها أيضاً القدرة على خفض إنتاج الملابس الجديدة. ويميل كثير من الشباب إلى هذا الاتجاه في الآونة الأخيرة.