هل سيقلب قرار أوبك+ خفض إنتاجها الطوعي أكثر من مليون برميل يومياً اعتباراً من شهر مايو المقبل وحتى نهاية العام الجاري، الطاولة على كبرى البنوك المركزية في العالم، ويصعّب مهمتها في كبح التضخم؟، سؤال بات يتردد كثيراً في أروقة الاقتصاد العالمي، ولكن لماذا؟
أعلنت أخيراً عدة دول مصدرة للنفط ضمن تحالف أوبك+، بما في ذلك السعودية والإمارات، عن خفض طوعي لإنتاج النفط، بواقع 1.657 مليون برميل يومياً، اعتبارا من مايو المقبل وحتى نهاية 2023، في خطوة تهدف إلى "تحقيق التوزان في سوق النفط"، وذلك في ضوء ما شهدته الأسعار من تراجع خلال الفترة الأخيرة.
وإثر هذه الخطوة، قفزت أسعار النفط بنحو 8 بالمئة، وتخطى برنت سعر 86 دولاراً وهو أعلى مستوى في شهر.
من جهته رفع بنك "غولدمان ساكس" توقعاته لأسعار النفط في ديسمبر عام 2023 خمسة دولارات إلى 95 دولاراً للبرميل، فيما رفع توقعاته للأسعار في ديسمبر عام 2024 بثلاثة دولارات إلى 100 دولار للبرميل، وجاء رفع توقعات الأسعار في الوقت الذي قلص فيه البنك توقعاته لإنتاج أوبك+، التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك ومنتجين آخرين منهم روسيا، بمقدار 1.1 مليون برميل يوميا بنهاية 2023.
قال بنك باركليز أيضا إنه يتوقع ارتفاعا بخمسة دولارات عن السعر المستهدف البالغ 92 دولارا للبرميل
الفيدرالي يرفع الفائدة 9 مرات
ورفع البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي معدلات الفائدة 9 مرات منذ العام الماضي، ليتراوح المعدل ما بين 4.75 و5 بالمئة، عند أعلى مستوى منذ سبتمبر 2007، أي قبل الأزمة المالية العالمية، فيما سجل معدل التضخم في الولايات المتحدة لشهر فبراير 2023 تباطؤاً من 6.4 بالمئة 6 بالمئة على أساس سنوي، وهي نسبة أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي على المدى الطويل المتمثل بالحفاظ على نسبة 2 بالمئة.
المركزي الأوروبي يرفع الفائدة 6 مرات
كما رفع البنك المركزي الأوروبي معدلات الفائدة 6 مرات ليصل إلى 3.5 بالمئة، وسجل معدل التضخم الرئيسي 5.7 بالمئة في مارس، وهو لا يزال فوق هدفه البالغ 2 بالمئة.
بنك إنجلترا برفع الفائدة 11 مرة
وكان بنك إنجلترا من أوائل البنوك المركزية الكبرى التي تحركت لرفع الفائدة للسيطرة على ارتفاع الأسعار، حيث رفع الفائدة منذ ديسمبر 2021 نحو 11 مرة وكان آخرها في مارس الماضي لتصل إلى 4.25 بالمئة، فيما ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين على أساس سنوي إلى 10.4 بالمئة في فبراير 2023، ارتفاعًا من 10.1 بالمئة في يناير الماضي، وهو أعلى بكثير من هدف البنك البالغ 2 بالمئة.
أوبك تقرأ حركة الاقتصاد العالمي بشكل صائب
ويؤكد مستشار الطاقة الدولي عامر الشوبكي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن "قراءة أوبك+ لحركة الاقتصاد العالمي منذ بداية جائحة كورونا في شهر مارس 2020، كانت صائبة أكثر من المؤسسات الدولية سواء صندوق النقد والبنك الدوليين أو البنوك المؤسسات المالية الأخرى، حيث وجدت المنظمة النفطية أن هناك حالة شديدة من عدم اليقين في الاقتصاد العالمي توجب تعميق تخفيض الإنتاج ولو بشكل طوعي، إذ أن حالة العالمي تذهب نحو الانحدار والركود ما يؤثر على الطلب العالمي على النفط وعلى المعروض في الأسواق".
وبالمقابل فإن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لم يدرك تماماً حجم الضرر في الاقتصاد العالمي حتى أن أزمة المصارف العالمية لم تردعه عن إيقاف سلسلة رفع أسعار الفائدة حيث رفعها في مارس الماضي ربع درجة مئوية، وكان المتوقع قبل قرار أوبك+ أن يبدأ الفيدرالي بتثبيت سعر الفائدة في الجلسة المقبلة بعد ثلاثة أشهر ومن ثم بعد منتصف العام يبدأ بتخفيض أسعار الفائدة لكن القرار قلب الطاولة على البنوك المركزية العالمية، بحسب الشوبكي الذي أشار إلى أن ارتفاع نسبة التوقعات بأن يستمر الفيدرالي برفع سعر الفائدة في اجتماعه المقبل.
ويضيف مستشار الطاقة الدولي الشوبكي: "إن أسعار النفط ارتفعت 8 بالمئة منذ إعلان أوبك + عن خفض إنتاجها، ومن المتوقع ارتفاع الأسعار أكثر مع بدء موعد تنفيذ القرار في مايو المقبل ما يسهم برفع معدل التضخم ويصعّب المسالة على البنوك المركزية العالمية بمعالجته لوصوله إلى المستوى المستهدف 2 بالمئة".
قرار احترازي
الدكتور ممدوح سلامة خبير النفط العالمي المقيم في لندن قال في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن قرار أوبك+ خفض إنتاجها سيؤثر بكل تأكيد على جهود البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وكبرى البنوك المركزية بالعالم في مكافحة التضخم المالي، فرفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم المالي يؤدي عادة إلى خفض غير قليل في الطلب العالمي على النفط، وربما يخلق قرار أوبك+ جواً معاكساً لقرار البنك الفيدرالي الأميركي ما يشجع الأسعار على الارتفاع".
لكن الدكتور سلامة يرى أن خفض أوبك+ لإنتاجها هو قرار احترازي لضمان استقرار سوق النفط العالمي والأسعار ومنعها من الانخفاض بشكل أكبر في ضوء المخاوف التي مازالت مستمرة من حدوث أزمة بنكية أو أزمة مالية.
ويضيف الدكتور سلامة: " كما يأتي خفض أوبك+ لإنتاجها تزامناً مع قرار روسيا بخفض 500 ألف برميل من إنتاجها اليومي اعتباراً من مارس والذي مددته حتى نهاية 2023، وكل هذه المؤشرات تؤكد إصرار أوبك على استمرار استقرار السوق".
دورة تضخمية
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور نضال الشعار: "من الطبيعي أن يرفع إعلان أوبك + خفض إنتاجها بأكثر من مليون برميل يومياً لنهاية العام الجاري أسعار النفط ما سينعكس مباشرة على معدلات التضخم ويربك معظم البنوك المركزي في العالم التي تحاول محاربة الحالة التضخمية الموجودة في اقتصاداتها، وخصوصاً أن ارتفاع أسعار النفط ينعكس على كل الأنشطة الاقتصادية وبالتالي يدخل العالم في دورة تضخمية جديدة.
الاستمرار بالسياسة التشددية الانكماشية
أوضح الشعار أن قرار خفض أوبك+ إنتاجها وما سيؤديه من رفع لأسعار البترول بوجود الحالة التضخمية سيدفع كبرى المصارف المركزية في العالم وخصوصاً في أميركا وأوروبا للاستمرار في السياسة التشددية الانكماشية، مشيراً على أن رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة سينعكس فوراً على أسعار صرف الدولار ارتفاعاً وهذا سيؤدي بدوره إلى انخفاض سعر أونصة الذهب.
وفي الوقت ذاته يعتبر الدكتور الشعار أن مهمة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في محاربة التضخم ستكون صعبة بعد قرار أوبك إذ لن يتمكن من اتخاذ إجراءاته بالسهولة التي كان يتبعها خلال الفترات الماضية ومثله أيضاً كبرى البنوك المركزية في العالم.
تضخم مشروط بارتفاع أسعار النفط
من جهته، يوضح الخبير الاقتصادي علي حمودي "أن ارتفاع أسعار النفط سيعني ارتفاع التضخم، شريطة أن تحافظ أسعار النفط على ارتفاعاتها أو أن تتحرك فوق 100 دولار للبرميل، وخصوصاً أننا رأينا أن تخفيضات الإنتاج السابقة لم تنجح في الحفاظ على زخم الأسعار المرتفعة لفترة طويلة، وقريباً ستركز أسواق النفط على الطلب العالمي على وجه التحديد من كبار المستهلكين والمستوردين وعلى صحة التوقعات الاقتصادية العالمية، لذلك يمكننا أن نرى انخفاض أسعار النفط بسرعة بمجرد ظهور علامات على أن واحداً أو أكثر من مستهلكي النفط الكبار يتجهون إلى التباطؤ الاقتصادي أو الركود".
وبالنسبة للبنوك المركزية الكبرى، يتوقع حمودي أن تبقى على سياستها النقدية المتشددة خلال الشهر المقبل أو نحو ذلك، لكنهم سوف ينتظرون لرؤية معدلات التضخم والأرقام الاقتصادية الأخرى قبل أن يقرروا رفع أسعار الفائدة مرة أخرى أو إبقائها على حالها في الشهرين المقبلين.