أدت أزمة الطاقة التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية إلى زعزعة الأسعار في اليابان الذي شهد معدلات تضخم ثابتة وأسعار فائدة منخفضة منذ تسعينيات القرن الماضي، ما وضع نصف الأسر ضمن ظروف معيشية سيئة نتيجة ارتفاع معدل التضخم إلى مستوى لم تشهده البلاد منذ أربعة عقود.
فاق معدل التضخم في اليابان التوقعات عندما سجل 4 بالمئة للمرة الأولى منذ عام 1982 خلال شهر ديسمبر الماضي، ليرتفع إلى 4.2 بالمئة في يناير الماضي، قبل أن يتباطئ نمو مؤشر أسعار المستهلكين خلال فبراير الماضي إلى 3.1 بالمئة على أساس سنوي بشكل أكثر من المتوقع بفضل الدعم الحكومي للطاقة، طبقاً لما أظهرته بيانات مكتب الإحصاء في اليابان، الذي أشار إلى أن ضغوط التكلفة قد تستمر لفترة أطول مما يعتقد صانعو السياسة، في حين ظل التضخم ثابتاً تقريباً منذ عام 1997 عند 1.7 بالمئة.
وبحسب استطلاع أجره البنك المركزي الياباني أخيراً، فإن 53 بالمئة من الأسر في اليابان يرون أن حياتهم المعيشية قد ساءت مقارنة بما كانت عليه قبل عام، كما أشار 68.3 بالمئة من المستطلعة آرائهم أن التضخم عامل مهم فيما يتعلق بخطة الإنفاق خلال عام 2023، ومع ارتفاع الأسعار سيكون المستهلكون أكثر تردداً في إنفاق المزيد من الأموال دون زيادة الأجور.
ويرى خبراء اقتصاد أن قراءات التضخم المرتفعة ستزيد الضغوطات على أستاذ الاقتصاد كازو أويدا البالغ من العمر 71 عاماً الذي سيتولى رئاسة بنك اليابان المركزي (المحافظ) في أبريل المقبل لإحداث تحول في السياسة النقدية المتساهلة للغاية للبنك والتخلي عن ممارسته المتمثلة في خفض عائدات السندات الحكومية.
الشعب الياباني يفضل الادخار على الإنفاق
الخبير الاقتصادي الدكتور نضال الشعار، يقول في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "يشهد اليابان منذ تسعينيات القرن الماضي معدلات تضخم ثابتة تقريباً مع ثبات الأجور نتيجة طبيعة وثقافة الشعب الياباني الذي يفضل الادخار على الإنفاق، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد تضخم في اليابان، بل هناك تضخم لكنه بسيط جداً مقارنة مع الدول الأخرى، أما خلال الفترة الراهنة، ونتيجة لأزمة الطاقة المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، وصل التضخم في اليابان إلى أكثر من 4 بالمئة وهو معدل لم نشهده منذ 40 عاماً".
وأرجع الدكتور الشعار هذا التضخم المرتفع إلى سببين الأول يعود إلى ارتفاع أسعار الطاقة ليس في اليابان فحسب، بل في العالم كله على خلفية الوضع الجيوسياسي الذي يشهده العالم، في حين يعود السبب الثاني إلى انخفاض سعر صرف الين الياباني مقابل الدولار والعملات الأخرى بسبب الفجوة في معدلات أسعار الفائدة ما بين اليابان وكل من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.
رفع الأسعار يشهد مقاومة شديدة من المستهلك
إن التضخم المرتفع انعكس مباشرة انخفاضاً في مستوى معيشة الفرد الياباني، والحل يكون في تعويض هذا الانخفاض ارتفاعاً في الأجور لكن عملية رفع الأجور بالنسبة لليابانيين أمر معقد نوعاً ماً وهناك حذر في اتخاذ هكذا قرارات، بحسب الدكتور الشعار، الذي أوضح أن التضخم سيعود إلى مستوياته المنخفضة جداً في اليابان إذا شهد العالم فترة ركود.
ويضيف الخبير الاقتصادي الدكتور الشعار: "على الرغم من أن التضخم الذي يشهده اليابان هو حالة استثنائية، لكن أن ترتفع الأسعار في اليابان مثل باقي الدول فهذه حالة صحية، ومع ذلك هناك مقاومة كبيرة جداً من قبل المستهلك الياباني لعملية رفع الأسعار، وهو أمر يتعلق بالثقافة اليابانية التي لا تقبل ارتفاع الأسعار منذ عقود، وفي حال استمرت الأسعار بالارتفاع فإن الشعب الياباني سيتعود على ذلك تدريجياً".
من جهته، يشير الخبير الاقتصادي علي حمودي إلى أن ارتفاع التضخم إلى 3.1 بالمئة يعد أعلى من هدف بنك اليابان المركزي البالغ اثنين بالمئة منذ فترة طويلة والذي تم تجاوزه بدءاً من أبريل 2022، لكنه لا يزال أقل من معدل التضخم في الولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الأوروبية، على الرغم من رفع البنوك المركزية في معظم دول العالم أسعار الفائدة لمعالجة ارتفاع الأسعار، بينما بنك اليابان لم يرفع أسعار الفائدة.
ويوضح حمودي أن قراءات التضخم ستزيد الضغط على كازو أويدا، الذي سيتولى رئاسة بنك اليابان في أبريل المقبل، لإحداث تحول في السياسة النقدية المتساهلة للغاية للبنك والتخلي عن ممارسته المتمثلة في خفض عائدات السندات الحكومية.
تأثر الفئات الأصغر سناً لعدم وجود مدخرات
ويشرح الخبير الاقتصادي حمودي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "أن اليابانيين الأصغر سناً تأثروا بالتضخم أكثر من الفئات الأكبر سناً وذلك لعدم وجود مدخرات "فائضة" تساعدهم على الاستهلاك، ناهيك عن أن الثقافة اليابانية هي ثقافة ادخار وليست ثقافة إنفاق لذلك قد يقنع التضخم المرتفع معظم اليابانيين بوقف الإنفاق المفرط على السلع المعمرة وغير الأساسية في الوقت الحالي حتى تعود مستويات التضخم إلى الهدف المنشود 2 بالمئة".
بدورها ترى الدكتورة نيفين حسين شمت المختصة بالشؤون الاقتصادية الدولية في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن معدل التضخم الحالي في اليابان لا يزال في حدود المقبول على الرغم من تجاوزه قليلاً النسبة التي حددها البنك المركزي هدفاً له وهي اثنين بالمئة، الأمر الذي لم يدفع المركزي الياباني إلى اتخاذ إجراءات تشديدية في السياسة النقدية، وخصوصاً إلى ما علمنا أن التضخم ظل ثابتاً تقريباً منذ عام 1997 عند 1.7 بالمئة ليرتفع في يناير 2023 إلى 4.2 بالمئة (باستثناء المنتجات الغذائية الطازجة)، وذلك مقارنة مع 4 بالمئة في ديسمبر2022 وذلك بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وأسعار المنتجات الأخرى ولا سيما المواد الغذائية.
قلة الاعتماد على المنتجات المستوردة
وقد أدت الأزمة الأوكرانية وانخفاض قيمة الين إلى ارتفاع تكاليف معيشة الفرد الياباني لتبرز الحاجة إلى زيادة الأجور، حيث رفعت الدولة متوسط الحد الأدنى للأجور بالساعة بمقدار 31 ين. وهذا أعلى من الارتفاع البالغ 28 يناً في عام 2021 وستكون أكبر زيادة منذ أن بدأ اليابان في تسجيل المتوسط المرجح للحد الأدنى للأجور في الساعة في عام 2002، ومن المتوقع ان يتم رفع متوسط الحد الأدنى الوطني للأجور في الساعة إلى 961 ين، طبقاً لما قالته الدكتورة شمت، التي توقعت أن يؤدي ارتقاع معدلات التضخم إلى تغيير أنماط وخاصة استهلاك اليابانيين وخصوصاً استهلاك الطاقة مع انخفاض كبير في الاعتماد على المنتجات المستوردة.