بعد محاولات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي محاصرة أزمة انهيار بعض البنوك وتهدئة الأسواق، وبعد إقدام البنك المركزي الأوروبي على رفع معدل الفائدة 50 نقطة أساس، يبرز السؤال الأهم ..هل سيلتزم الفيدرالي في اجتماعه المرتقب يومي 21 و22 مارس الجاري بتعهده بمواصلة رفع سعر الفائدة أم سيجمد هذه الخطوة؟
سؤال بات يتردد كثيراً في أسواق العالم وتثير نقاشاته مادة دسمة على طاولة المحللين، الذين تنوعت آراءهم بين مستبعد لخطوة الفيدرالي برفع سعر الفائدة في محاولة لوقف المزيد من النزيف في البنوك الأميركية بعد "أن اتضح أن هذا التوجه أحد أهم أسباب انهيار البنوك"، وبين من ينادي برفع سعر الفائدة، حتى لو بمقدار ربع نقطة مئوية فقط، بهدف محافظة الفيدرالي على مصداقيته و"ألا يبدو متردداً في سياسته النقدية وإعطاء رسالة سلبية للأسواق والمستثمرين وشكاً بتصميمه بشأن محاربة التضخم.
وضخت بنوك أميركية كبرى أخيراً 30 مليار دولار في بنك "فيرست ريبابليك"، في خطوة لتهدئة مخاوف المودعين من أن يكون البنك التالي بعد انهيار "سيلكون فالي" و"سيغنتشر" و"سيلفر غيت" الأميركية.
وفي مسعى منه لإعطاء إشارة بأن البنوك الأوروبية قوية، أقدم البنك المركزي الأوروبي الخميس على رفع معدل الفائدة الرئيسي بمقدار 50 نقطة أساس، لتصل إلى 3.50 بالمئة، في زيادة هي السادسة على التوالي، بهدف السيطرة على التضخم في المنطقة، والذي ارتفع لأعلى مستوياته في نحو 40 عاما، وخفضه إلى المستوى المستهدف البالغ 2 بالمئة.
تجميد رفع سعر الفائدة يطمئن الأسواق
ويرى المستشار الاقتصادي عامر الشوبكي أنه "لا مجال أمام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلا بتجميد رفع أسعار الفائدة وتطمين الأسواق بأن هناك مرحلة ستكون قريبة سيتم البدء فيها بتخفيض أسعار الفائدة، كإشارة لوقف النزيف في البنوك الأميركية والحد من الانهيارات قبل أن تنفد إمكانية تزويد البنوك بالسيولة النقدية ومواكبة طلب العديد من البنوك للسيولة نقدية بهدف تغطية قيم المسحوبات جراء إقبال المودعين غير المسبوق لسحب إيداعاتهم، وهو ما شكل ضغطاً كبيراً على العديد من البنوك التي انخفضت قيمتها السوقية بين 30 و70 بالمئة وفي مقدمتها بنك "فيرست ريبابليك" الذي انخفضت قيمته 70 بالمئة".
ويوضح الشوبكي في حديثه لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن "هناك توقعات برفع سعر الفائدة ربع نقطة مئوية في اجتماع الفيدرالي المرتقب في 21 و22 مارس الجاري، وإذا أقدم الفيدرالي على هذه الخطوة فسيتسبب بمزيد من النزف في البنوك وربما سيتسبب أيضاً بانهيارات في بنوك أخرى، لكن من المفروض أن الفيدرالي حريص بألا يكون سبباً في المزيد من إفلاسات البنوك في الفترة المقبلة بعد أن اتضح أن رفع سعر الفائدة وراء مشكلات البنوك الهيكلية، ويرتكز من ينادي برفع سعر الفائدة على أهمية كبح جماح الضخم لتحقيق الفيدرالي هدفه بخفض التضخم من أكثر من 6.4 بالمئة حالياً إلى 2 بالمئة، لكن هذا التوجه بات صعب المنال لأن نتائجه على أسواق المال العالمية وعلى البنوك الأميركية والقطاع المصرفي ستكون كارثية أكثر من مساوئ معدل التضخم المرتفع على الاقتصاد الأميركي".
الفيدرالي يرفع الفائدة 8 مرات
ورفع البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي معدلات الفائدة 8 مرات منذ العام الماضي، ليتراوح المعدل ما بين 4.5 و4.75 بالمئة، وكان من المقرر قبل الأزمة أن يجتمع البنك في 21 و22 مارس الجاري لدراسة رفع أسعار الفائدة للمرة التاسعة على التوالي.
وتباطأ معدل التضخم في الولايات المتحدة لشهر يناير 2023 من 6.5 بالمئة إلى 6.4 بالمئة على أساس سنوي، وهو أقل كثيرا من ذروته في العام الماضي، لكنه لا يزال بعيدا عن مستهفد المركزي الأميركي.
وتعهد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، بمزيد من الزيادات في أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة من أجل خفض التضخم إلى المستوى المستهدف عند 2 بالمئة.
ويوضح الشوبكي أن "الاحتياطي الفيدرالي الذي أصر في منذ العام الماضي على رفع أسعار الفائدة لم يضع في الحسبان أن هذه الارتفاعات المتتالية تأتي في ظروف غير طبيعية سواء بالنسبة للبنوك والشركات أو حتى للأفراد وذلك على خلفية جائحة كورونا التي عانى فيها العالم من تباطؤ اقتصادي، وكذلك بعد أزمات شهدتها العديد من الشركات، الأمر الذي أوصل البلاد إلى هذه الأزمة، لكن ربما يصحح الاحتياطي الفيدرالي أخطاءه بالعودة عن رفع أسعار الفائدة في المرحلة المقبلة".
من جهته، يقول المؤسس والمدير التنفيذي لشركة "ماس" للاستشارات، مازن سلهب: "مازلنا نعتقد أنه يجب على الفيدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة في اجتماعه هذا الأسبوع حتى لو كان ربع نقطة مئوية فقط، حيث وصلت الفائدة في أمريكا إلى 4.75 بالمئة حالياً وهي الأعلى منذ سنوات الأزمة المالية العالمية 2007-2008".
لماذا يجب رفع الفائدة؟
يجيب سلهب على هذا التساؤل بقوله: "لأن مصداقية البنك المركزي الأميركي ستكون على المحك إذا لم يرفع الفائدة وقد تقرأ الأسوق هكذا إجراء بأن المخاطر هي أسوء من الأزمة الحالية المرتبطة ببنك (سيلكون فالي) الذي انهار قبل عدة أيام، كما أن الفيدرالي سيظهر بموقف حرج لأنه إذا لم يرفع الفائدة سيبدو متردداً في سياسته النقدية وهذا سيعطي رسالة سلبية للأسواق والمستثمرين وشكاً بقوة الفيدرالي وتصميمه بشأن محاربة التضخم القياسي الذي يتجاوز 6 بالمئة حالياً".
ورداً على سؤال فيما إذا كان الفيدرالي الأميركي يبني قراراته وسياسته النقدية بناء على رغبات صنّاع السوق أو بناء على مصلحة الاقتصاد الأميركي قال المؤسس والمدير التنفيذي لشركة "ماس" للاستشارات: "هذا السؤال سيعاد طرحه مجدداً وهذا يفتح باب النقاش عن الشفافية والمحاسبة واجراءات الحوكمة، إن انهيار بنك سيلكون فالي مرتبط أساساً بسوء الإدارة واللامبالاة من البنك تجاه التزاماته النقدية وضعفاً قوياً في إدارة المخاطر وعجز التشريعات في كثير من الأحيان عن إيقاف هكذا أزمة".
"ومن غير المعقول ألا يدرك بنك سيلكون فالي المخاطر المرتبطة برفع الفائدة وزيادة أعباء ديونه وهذا سبب كاف ليجعل الفيدرالي مستمراً برفع الفائدة ولا يقرر بموجب فشل بنك واحد أو لامبالاة إدارة البنك، وما يجب على الفيدرالي فعله هو التحقيق الفعلي في هكذا أزمة لتجنب حدوثها مستقبلاً"، وفقاً لسلهب.