دخلت الليرة اللبنانية مرحلة جديدة من الانهيار، تمثلت بهبوطها التاريخي إلى مستوى 100 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد في السوق الموازية، وهو رقم جديد في مسار المعاناة الطويل الذي تعيشه العملة اللبنانية منذ نهاية 2019.
وبدأت العملة في خريف 2019، بالتراجع نحو مستوى 2000 ليرة للدولار، لتستقبل عام 2020 عند مستوى 2300 ليرة للدولار، وتستكمل مسيرة السقوط، مسجلة 8500 ليرة للدولار في يناير 2021 وصولاً إلى مستوى 30 ألف ليرة في يناير 2022 ومن ثم 60 ألف ليرة للدولار في يناير 2023، لتسجل اليوم في 14 مارس 2023 مستوى تاريخي عند 100 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد.
وباتت عوامل انهيار الليرة معروفة، أبرزها التخبط السياسي الذي تشهده البلاد، لتنضم في الساعات الماضية عوامل جديدة، تمثلت بعودة مصارف لبنان لتنفيذ إضراب مفتوح ما تسبب باضطراب جديد للوضع المالي في البلاد، حيث يقوم المضاربون غير الشرعيين لاستغلال أي مؤشر سلبي لتحقيق مكاسب على حساب تدهور العملة.
ويأتي قرار عودة المصارف اللبنانية الى إضرابها المفتوح، بعد إصدار أحد القضاة في بيروت قراراً يقضي بأن يدفع بنك "ميد" مبلغ 210 آلاف دولار نقداً، لأحد مودعيه، تحت طائلة ختم المصرف بالشمع الأحمر، وهو القرار الذي رأت فيه جمعية مصارف لبنان أنه تعسفي.
تراجع حاد لتدفق رؤوس الأموال
ويقول كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل، لـ"اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن السوق الموازية أو ما يُعرف بالسوق السوداء، ظهرت في خريف 2019 من جراء شح السيولة بالعملات الأجنبية في الاقتصاد اللبناني، نتيجة التراجع الحاد لتدفق رؤوس الاموال الى لبنان، الذي سببته أزمة الثقة التي بدأت تظهر أواخر عام 2017 وتوسعت تدريجياً حتى انفجرت في أواخر عام 2019.
ويشرح غبريل أنه منذ ذلك الحين، لم يتخذ أي قرار يحدث صدمة إيجابية، لمعالجة مشكلة شح السيولة بالاقتصاد اللبناني، وهذا ما سمح للمضاربين وتجار الأزمات، بالتحكم بمسار العملة اللبنانية عبر السوق الموازية التي لا تخضع لأي رقابة، مشيرا إلى أن الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة السابقة برئاسة الرئيس حسان دياب، اتخذت قرارات، فاقمت أزمة سعر الصرف، منها التعثر غير المنظم عن دفع سندات اليورو بوند، والدعم العشوائي للمواد المستوردة.
عدم انتظام العمل السياسي
وأضاف غبريل أن لبنان يعاني من مشكلة عدم انتظام العمل السياسي، وعدم احترام المواعيد الدستورية، فالبلاد حالياً دون رئيس، في حين أن الحكومة الموجودة هي حكومة تصريف أعمال، وذلك بسبب العرقلة التي حصلت في عملية تشكيل حكومة جديدة منذ مايو 2022، وبالتالي جميع هذه الأمور خلقت فراغاً سمح للمضاربين بالتلاعب بسعر الصرف.
ويؤكد غبريل أن إضراب المصارف ليس السبب الرئيسي في استمرار انهيار الليرة، حيث أن العملة اللبنانية سجلت انهيارات متسارعة منذ بداية عام 2023، في الوقت الذي لم تكن فيه أبواب المصارف مقفلة، مشدداً على أن الوضع في لبنان يحتاج الى صدمة إيجابية توقف النزيف الحاصل لتبدأ عملية الإصلاحات، وعملية إعادة الثقة تدريجياً، ما يساهم في بدء تدفق رؤس الأموال الى لبنان تدريجيا.
وبحسب الدكتور نسيب غبريل فإن الهدف الأساسي الذي يجب العمل عليه، هو إصلاح الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد، بما يضمن الاستغناء عن السوق الموازية أي السوق السوداء، لافتاً الى أنه في ظل الضبابية القائمة، لا وضوح بالنسبة للمسار المتوقع للعملة اللبنانية، بسبب الشلل الرئاسي والحكومي الذي تعاني منه البلاد.